أحزان وبطولات فى عزبة «الشيخ الصغير»: «صواريخ» وبلط» لإنقاذ الركاب.. والنساء يعالجن الضحايا فى «الزراعات»

أحزان وبطولات فى عزبة «الشيخ الصغير»: «صواريخ» وبلط» لإنقاذ الركاب.. والنساء يعالجن الضحايا فى «الزراعات»
- أرض زراعية
- أفلام الأكشن
- أهالى المنطقة
- الحماية المدنية
- السكة الحديد
- انتشال الضحايا
- انتهاء أعمال
- انفجار قنبلة
- حركة القطارات
- أجر
- أرض زراعية
- أفلام الأكشن
- أهالى المنطقة
- الحماية المدنية
- السكة الحديد
- انتشال الضحايا
- انتهاء أعمال
- انفجار قنبلة
- حركة القطارات
- أجر
«بالتأكيد سيتوقف»، قالتها هديل حسين لنفسها، بينما تنظر من شرفة شقتها المطلة على خط السكة الحديد فى قرية الشيخ الصغير بمنطقة خورشيد، شرق الإسكندرية، وهى تشاهد «اكسبريس القاهرة» يأتى مسرعاً من الخلف فى طريقه للاصطدام بقطار بورسعيد المتعطل، لكن القطار لم يتوقف، وآمال هديل تحطمت مع الارتطام المدوى وصرخات الركاب المصابين، وذعر أهالى المنطقة.
توقف عقل الفتاة عن التفكير لعدة ثوانٍ، كما توقف الزمن، قبل أن تدرك فجأة أنها أصبحت شاهدة على واحدة من أكبر كوارث القطارات فى مصر، تقول «هديل»: «كعادتى فى يوم الجمعة من كل أسبوع، جلست فى شرفة شقتى لأشرب الشاى وأتابع حركة القطارات الروتينية، عندما لاحظت تعطل أحدها على القضبان، دون أن أبدى أى اهتمام، حتى شاهدت القطار الثانى يأتى مسرعاً من الخلف». كل ما كانت تفكر فيه «هديل» لحظتها، أن القطار المسرع سيوقف حتماً فى اللحظة الأخيرة، مثلما يحدث فى أفلام الأكشن، خاصة أن السائق انتبه إلى القطار المتعطل، واستمر فى إطلاق صافرته لفترة، على أمل أن يتحرك زميله، ويخفف حدة الوقوف المفاجئ، لكن الاصطدام هز المنطقة بالكامل، وتناثر القتلى والمصابون فى كل مكان.
{long_qoute_1}
لساعات طويلة، خيمت الصدمة على أهالى عزبة الشيخ الصغير، بعدما هرولوا من منازلهم إلى خط السكة الحديد للمشاركة فى إنقاذ ركاب القطارين، ولم يبق شخص واحد فى منزله داخل العزبة، من نساء وأطفال ورجال، فجميعهم توجهوا إلى الموقع عاقدى العزم على عدم العودة قبل انتهاء أعمال الإنقاذ، وخروج الركاب بأى ثمن.
«أنا أول واحد أمسك القطار بيديه»، لم تكن الجملة مجرد كلمات عابرة للرجل الأربعينى قبارى حناوى، أحد سكان العزبة، فانفعاله ورعشة يديه المستمرة، كانت تشير إلى أن مشاهد الموت ما زالت ماثلة أمام عينيه، بينما يتحدث لـ«الوطن»، موضحاً: «كنت أقف أمام منزلى عقب صلاة الجمعة، عندما سمعت صوتاً كدوى انفجار قنبلة، وما إن التفت إلى شريط السكة الحديد، حتى شاهدت المشهد الأكثر قسوة فى حياتى». لم يقف «قبارى» طويلاً ليستوعب الصدمة، فأسرع باتجاه القطارين، ليكون أول من يصل إليهما من أهالى العزبة، ودون تردد بدأ فى انتشال المصابين، ومساعدة الناجين أثناء هروبهم، مترنحين من التصادم، يقول: «أول ما وقعت عليه عيناى، ركاب يقفزون من القطار، بينهم السليم، وبينهم المصاب، وبعدها بدأ باقى الأهالى فى التوافد على موقع الحادث، ونجحنا فى إخراج جميع الركاب، باستثناء الموجودين فى عربة واحدة، لأنها انقلبت بقوة».
{long_qoute_2}
أما عادل مهدى، 50 سنة، فقال: «فور سماع صوت التصادم، اعتقدت أن الحادث عادى، لكن ما إن ألقيت نظرة على القطارين من شباك منزلى، أدركت أن الوضع مأساوى، وأن كارثة حقيقية حطت على القرية، وخلال ثوان معدودة أسرعت إلى موقع الحادث، لأنضم إلى حشود الأهالى الغفيرة المشاركين فى عمليات الإنقاذ». ما رآه «مهدى»، كان كافياً لأن تدمع عيناه، لكن الصدمة لم تمنعه من مواصلة المشاركة فى انتشال الضحايا، يقول: «فور وصولى إلى موقع الحادث، وجدت عدداً من الأطفال ممدين خارج القطار، وحملت بيدى أحدهم، وكان نصفه السفلى منفصل عن العلوى، لكنه ما زال حياً»، مضيفاً: «أقسم بالله، هذه أول مرة فى حياتى أشاهد مثل هذه المواقف، ومن وقتها لا أستطيع تمالك أعصابى». طبيعة عمل «مهدى» جعلته يلقى باللوم على عمال السكة الحديد، نظراً لما رآه من إهمال قبل أسابيع من الحادث، يوضح: «أعمل حداداً، ومنذ نحو شهر، انتبهت إلى أن صواميل القضبان مفككة، والقضبان تعانى من انحناءة، وعندما رأيت أحد عمال السكة الحديد، حذرته من خطورة الموقف، قال لى إنهم سيصلحونها، لكن حتى يوم الحادث لم تبدأ أى أعمال إصلاح».
أمام صعوبة الموقف، بدأ الأهالى فى الاستعانة بمعدات قطع الحديد، حتى يتمكنوا من إخراج الركاب، حسبما يقول الشاب إبراهيم صالح، أحد سكان العزبة: «أخذنا توصيلات كهربائية من المنازل القريبة للقضبان، حتى نستطيع استخدام صواريخ تقطيع الحديد فى نشر شبابيك العربات، حتى نخرج الركاب المحتجزين، وبعض الأهالى استعانوا ببلطة أو قطع حديدية للتكسير، واستمرت أعمال الإنقاذ على مدار ساعتين كاملتين، حتى وصلت قوات الحماية المدنية». وأضاف: «الأهالى قسّموا أنفسهم إلى مجموعات، البعض يخرج الركاب، والبعض يستقبلهم ليضعهم على الأرض، والبعض ينقل المصابين إلى المستشفيات، وكنا نخلع ملابسنا، لنستر بها السيدات المتوفيات، واستخدمنا سيارات نصف نقل لحمل المصابين إلى أقرب مستشفى، وحتى الآن ما زالت صورة الأعداد المهولة للمتوفين تلاحقنى». ولم يكن دور نساء عزبة الشيخ الصغير فى أعمال الإنقاذ أقل من دور رجال العزبة، سواء فى استخراج الجثث والمصابين أو محاولة تضميد الجراح مؤقتاً، ففى قطعة أرض زراعية مجاورة لموقع الحادث، جلست الشابة شيماء حلمى بعد أن خيم الليل على العزبة، ، واضعة رأسها بين يديها، وبدأت تروى لـ«الوطن» تفاصيل اليوم الشاق.
تقول «شيماء»: «اليوم كان صعباً، وحتى الآن غير قادرة على استيعاب ما حدث»، موضحة أنها لم كانت نائمة فى غرفتها المطلة على شارع رئيسى عند وقوع الحادث، لتستيقظ مفزوعة من نومها على هزة قوية، بدت كما لو كانت ستنتزع أساسات المنزل، تقول: «اعتقدت فى البداية أن سيارة اصطدمت بالمنزل، فأسرعت إلى الخارج لأعرف ما حدث، وعندها شاهدت نساء ورجال العزبة يجرون فى اتجاه القطارين، ورغم أن قلبى لا يستطيع تحمل مشاهد الجثث والمصابين، فإننى وجدت نفسى أجرى بينهم، وأشارك فى أعمال الإنقاذ». بعد دقائق قليلة من وصولها إلى موقع التصادم، عادت «شيماء» من عشرات غيرها من السيدات إلى منازلهن، ليعودوا مجدداً بملاءات السرير والبطاطين وزجاجات المياه، تقول: «أخرجنا كل الملاءات والبطاطين الموجودة فى منازلنا لتغطية الجثث والمصابين، وأنا لم أترك سوى ملاءتين فقط، وقبل أن تصل سيارات الإسعاف، كنا انتهينا بالفعل من وضع الجثث فى صفوف قرب القطار»، وأضافت: «الليلة كانت صعبة، ولا أعرف كيف يمكن أن أنسى مشاهد الجثث والأشلاء التى رأيتها، وأقسى هذه المشاهد رحلة بحث أحد الرجال عن والدته وأبنائه الأربعة، قبل أن يجدهم جميعاً بين المتوفين، فاستمر فى الصراخ حتى فقد وعيه».