مصطفى بكرى فى كتابه المهم والخطير «عشرة أيام هزت مصر»: قصة الإنذار الأخير

مصطفى بكرى فى كتابه المهم والخطير «عشرة أيام هزت مصر»: قصة الإنذار الأخير
- آن باترسون
- أبناء الوطن
- أحمد الطيب
- أحمد سليمان
- أحمد شفيق
- أحمد محمد على
- أعمال العنف
- أعمال عنف
- أنحاء البلاد
- أى باد
- آن باترسون
- أبناء الوطن
- أحمد الطيب
- أحمد سليمان
- أحمد شفيق
- أحمد محمد على
- أعمال العنف
- أعمال عنف
- أنحاء البلاد
- أى باد
نشرت «الوطن» عدة حلقات منتقاة من الكتاب المهم «عشرة أيام هزت مصر»، للكاتب الصحفى الزميل مصطفى بكرى، الصادر عن «دار سما للنشر والطباعة»، وفى الحلقة الأخيرة التى تنشرها «الوطن»، يكشف المؤلف عن تفاصيل ما جرى من مباحثات مهمة واتصالات جرت من خلف ستار، استهدفت إجهاض ثورة الشعب المصرى، التى انطلقت فى الثلاثين من يونيو.
وتكشف التفاصيل عن تشبث الإخوان بمواقفهم ورفضهم لكافة الاقتراحات التى طرحت لإيجاد حل للأزمة الشعبية المتفاقمة، خاصة أن الجماهير صممت على البقاء فى الشوارع لحين سقوط حكم جماعة الإخوان. وتؤكد المعلومات المنشورة أن القيادة العامة للقوات المسلحة بذلت كل جهودها من أجل إنهاء الأزمة سلمياً، إلا أن محمد مرسى رد على المقترحات بمواقف أكثر تشدداً.
ظل المتظاهرون يرابضون فى الشوارع، الملايين رفضوا العودة إلى منازلهم، وفى هذا اليوم، ذهبت فى وقت متأخر إلى ميدان جهينة فى السادس من أكتوبر، حيث كانت الحشود عارمة، وكانت زوجتى وأولادى ضمن المتظاهرين فى هذه المنطقة.. وهناك ألقيت خطاباً وسط المحتشدين، أكدت فيه أن خيار رحيل مرسى وعصابته هو الخيار الوحيد الذى لن يقبل الشعب المصرى بسواه، وأن اللحظة قد حانت لتحرير مصر من هيمنتهم وسيطرتهم عليها.
{long_qoute_1}
وفى اليوم التالى، الأول من يوليو، كان رجال القيادة العامة للقوات المسلحة برئاسة الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، يعقدون اجتماعاً جديداً لتدارس الموقف فى ضوء أعداد المتظاهرين التى قُدِّرت بنحو 33 مليوناً فى الليلة السابقة. فى السادسة إلا الربع من مساء الثلاثين من يونيو، طلبت القيادة العامة للقوات المسلحة من اللواء محسن عبدالنبى، مدير الشئون المعنوية، تصوير مشاهد المظاهرات العارمة حتى تكون وثيقة للتاريخ، وقد صدق القائد العام على تخصيص طائرة لهذا الغرض، وقد تولى عملية تصوير المظاهرات المليونية فى هذا الوقت المساعد «يوسف ممدوح»، وهو من الأفراد الفنيين بالشئون المعنوية «قسم التصوير»، أما المخرج خالد يوسف، فقد طلب من الشئون المعنوية تصوير مظاهرات الثالث من يوليو، وبالفعل تم تخصيص 5 طائرات لتصوير المظاهرات التى أعقبت بيان انحياز الجيش للشعب: واحدة للقاهرة الكبرى، والأخرى للصعيد، وواحدة لوسط الدلتا، وواحدة للإسكندرية، أما الخامسة فخصصت لمدن القناة، وتلك هى التى تولى المخرج خالد يوسف مهمة تصوير المظاهرات فيها فى مدن القناة الثلاث، أما مظاهرات «30 يونيو» فقد تولتها الشئون المعنوية للقوات المسلحة فقط.
وكان قرار القيادة العامة للقوات المسلحة هو مواجهة أى محاولات لإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وكانت رسالة الجيش فى هذا اليوم موجهة إلى جماعة الإخوان بأنه هو الذى سيتصدى لأى محاولة تستهدف المتظاهرين السلميين.
لقد ظل اجتماع القيادة العامة للقوات المسلحة فى حالة انعقاد مستمر هذا اليوم، لمناقشة كافة التطورات أولاً بأول، واتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة الأحداث المتوقعة وآليات التعامل معها. وكان محمد مرسى قد استقبل عدداً من الوزراء وكبار المسئولين فى هذا اليوم حتى يعطى رسالة للجميع بأنه لا يزال متماسكاً وقوياً.. وفى الرابعة من بعد عصر هذا اليوم الأول من يوليو 2013، كانت القيادة العامة للقوات المسلحة قد قررت إعطاء محمد مرسى مهلة جديدة قوامها 48 ساعة للاستجابة لمطالب الشعب المصرى، عله بذلك يستجيب ويحمى البلاد من الخطر الذى يحدق بها. {left_qoute_1}
وكان البيان الذى قرأه العقيد ياسر وهبة قد تضمن القول:
- إن القوات المسلحة كطرف رئيسى فى معادلة المستقبل، وانطلاقاً من مسئوليتها الوطنية والتاريخية فى حماية أمن وسلامة الوطن، تؤكد الآتى:
- أنها لن تكون طرفاً فى دائرة السياسة أو الحكم ولا ترضى بأن تخرج عن دورها المرسوم لها فى الفكر الديمقراطى الأصيل النابع من إرادة الشعب.
- أن الأمن القومى للدولة تعرض لخطر شديد من جراء التطورات التى تشهدها البلاد، وهو يلقى علينا بمسئوليات، كل حسب موقعه، للتعامل بما يليق من أجل درء هذه المخاطر.
- أن القوات المسلحة استشعرت مبكراً خطورة الظرف الراهن، وما تحمله طياته من مطالب للشعب المصرى العظيم، ولذلك فقد سبق أن حددت مهلة أسبوعاً لجميع القوى السياسية بالبلاد للتوافق والخروج من الأزمة، إلا أن هذا الأسبوع مضى دون ظهور أى بادرة أو فعل، وهو ما أدى إلى خروج الشعب بتصميم وإصرار وبكامل حريته على هذا النحو الباهر الذى أثار الإعجاب والتقدير والاهتمام على كل من المستوى الداخلى والإقليمى والدولى.
- أن ضياع مزيد من الوقت لن يحقق إلا مزيداً من الانقسام والتصارع الذى حذرنا وما زلنا نحذر منه، خصوصاً أن هذا الشعب الكريم قد عانى، ولم يجد من يرفق به أو يحنو عليه، وهو ما يلقى بعبء أخلاقى ونفسى على القوات المسلحة التى تجد لزاماً أن يتوقف الجميع عن أى شىء، بخلاف احتضان هذا الشعب الأبى الذى برهن على استعداده لتحقيق المستحيل إذا شعر بالإخلاص والتفانى من أجله.
- أن القوات المسلحة تعيد وتكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب وتمهل الجميع 48 ساعة كفرصة أخيرة لتحمل أعباء الظرف التاريخى الذى يمر به الوطن، والذى لن يتسامح أو يغفر لأى قوى تقصِّر فى تحمُّل مسئوليتها.
- تهيب القوات المسلحة بالجميع، أنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة، فسوف يكون لزاماً عليها استناداً لمسئوليتها الوطنية والتاريخية، واحتراماً لمطالب الشعب المصرى العظيم أن تعلن عن خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها وبمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة بمن فيهم الشباب، الذى كان ولا يزال مفجِّراً لثورته المجيدة، ودون إقصاء أو استبعاد لأحد.
كان هذا هو نص البيان الذى أحدث صدمة لدى جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسى، لقد أربك البيان المشهد مجدداً، وراح قادة الإخوان يجتمعون لبحث الأمر. كان من رأى خيرت الشاطر، ضرورة صدور قرار بعزل «السيسى» ووزير الداخلية فوراً، إلا أن البعض رأى أن هذه مغامرة، خاصة أن «السيسى» قد دفع بالقوات المسلحة إلى الشارع منذ فجر السادس والعشرين من يونيو، لتأخذ مواقعها استعداداً لأى طارئ، دون التشاور مع أحد، ولم يكن أمام «مرسى» والإخوان سوى الاستسلام؛ لذلك استقر الرأى فى النهاية على الاستعداد للمواجهة، وتم تحديد يوم الخميس 4 يوليو، كموعد نهائى للقبض على الجميع وإصدار القرارات المهمة.
وفى هذا اليوم، بدأ رئيس المخابرات العامة، اللواء رأفت شحاتة، فى إجراء اتصالات بالعديد من رؤساء الأجهزة الاستخباراتية فى العالم لإطلاعهم على تطورات الأمور فى البلاد.
{long_qoute_2}
وفى البداية تلقى اللواء شحاتة اتصالاً من رئيس الاستخبارات الأمريكية أبلغه فيه أن الرئيس أوباما يتابع المشهد فى مصر بدقة شديدة، وأنه يرى المظاهرات سلمية حتى الآن، وإن كان يشعر بالقلق من احتمالية الانزلاق إلى العنف. وأبلغه بأن الرئيس أوباما اتصل خلال جولته فى أفريقيا بالرئيس مرسى، وحثه على تقديم تنازلات ترضى جموع المتظاهرين، إلا أن الرئيس مرسى لا يزال يرفض ذلك ويحمِّل المعارضين مسئولية تردى الأوضاع فى البلاد. وطلب رئيس الاستخبارات الأمريكية من نظيره المصرى إبلاغ قادة القوات المسلحة بعدم التدخل فى المشهد السياسى، ذلك لأنه ليس من مصلحة مصر عودة الجيش إلى الحكم، لأن ذلك سيؤدى إلى ردود فعل عنيفة من قِبَل أنصار الرئيس، وقال له: «أرجو منك أن تبلغ الفريق السيسى نقلاً عن الرئيس أوباما أن أى عمل عسكرى لإزاحة الرئيس مرسى، ستكون له نتائج سلبية». وقد كان رد اللواء رأفت شحاتة على رئيس الاستخبارات الأمريكية حاداً عندما قال له: «إن أى إجراءات أو مبادرات سيقدمها الرئيس فى هذا الوقت لن تقبل من الشعب، خصوصاً أن المطلب الوحيد الآن للشعب المصرى يقضى بضرورة رحيل الرئيس».
وقال: «وأؤكد أيضاً، أنه لن يكون هناك إجبار للرئيس على ترك منصبه، إذا استجاب فى اللحظة الأخيرة لمطالب الشعب المصرى وأنقذ البلاد من مخاطر فتنة كبرى قد تؤدى إلى إراقة دماء كثيرة فى الشارع المصرى».
■ ■ ■
ظل قادة الجيش فى يقظة كاملة، كانت القاهرة والمحافظات تموج بالمظاهرات وأعمال العنف، تزايدت الحشود فى الميادين العامة، والمدن والقرى والكفور والمناطق الشعبية ترفع شعاراً واحداً فقط هو: «ارحل». وكان الإخوان وحلفاؤهم فى المقابل يحتشدون فى ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وميدان النهضة بالجيزة، وكانت شعاراتهم وهتافاتهم وتطاولهم على الجيش تتواصل بلا توقف.
كان صلاح عبدالمقصود، وزير الإعلام الإخوانى، قد بعث بسيارتين تابعتين للهندسة الإذاعية لنقل أحداث الاعتصام المسلح للإخوان وهجومهم فى رابعة على الدولة المصرية، والمطالبة بالحشد الشعبى لدعم شرعية مرسى، وكانت قناة «الجزيرة» تقف جنباً إلى جنب مع جماعة الإخوان فى مؤامرتها ضد البلاد وضد الجيش.
وفى هذا اليوم، طلب محمد مرسى مقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وبحضور رئيس الوزراء هشام قنديل، وعندما شاهد الناس القائد العام جنباً إلى جنب مع محمد مرسى ثارت حالة شديدة من الإحباط، وظن البعض أن تفاهماً قد حدث بين قائد الجيش والرئيس مرسى وجماعته.
كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى قد اجتمع بالقيادة العامة للقوات المسلحة ليأخذ رأيهم فى هذا اللقاء، ولم يعترض أحد على ذهابه، إلا أن هناك مخاوف ثارت لديهم من حدوث أى شىء للقائد العام. كان محمد مرسى يجلس فى مكتبه الملحق بالفيلا الرئاسية وحوله عدد من أنصاره ومستشاريه، انصرفوا جميعاً ليبدأ اللقاء مع السيسى بحضور د. هشام قنديل، رئيس الوزراء.
فى بداية اللقاء، سأل محمد مرسى الفريق أول عبدالفتاح السيسى عن الأوضاع فى البلاد، فرد «السيسى» بأن الأوضاع تزداد سوءاً، وأن البيان قد جاء لتحذير الجميع، وليبعث برسالة تقول: إن الأوضاع باتت خطيرة للغاية. وهنا رد عليه محمد مرسى، بالقول: يبدو أنك تتجاهل الحقيقة يا سيادة الوزير، الأوضاع جيدة والناس متفهمة، ويكفى أن الشعب رفض الاستجابة لمطالب المخربين وقاطع المظاهرات.
أبدى «السيسى» دهشته، وشعر بأن «مرسى» فى عالم آخر، فقال له: كيف ذلك وهناك حشود ضخمة بالملايين تملأ الشوارع؟ قاطعه «مرسى» على الفور، وقال: كل ده «فوتوشوب»، لقد جاءتنى الصور والتقارير الحقيقية، هؤلاء جميعاً لا يزيد عددهم على 120 ألف شخص فقط. رد عليه القائد العام بالقول: للأسف معلوماتك مغلوطة ونحن لدينا الفيديوهات التى تؤكد أن من خرجوا بالأمس لا يقلون عن 30 مليون مواطن. صمم مرسى على كلامه بأن تقديرات القائد العام خاطئة، وظل يشرح له كيف يمكن تكبير الصورة وزيادة الأعداد، وكان «السيسى» يبدو ممتعضاً، وقد أدرك أن رئيس الدولة مغيب عن الواقع، أو جرى تغييبه عن عمد.
- تحدث «مرسى» بإسهاب، وقال للقائد العام: أنا أطلب منك الوقوف مع الشرعية ودعمها بكل ما تملك، ولا تنس أننى القائد الأعلى للقوات المسلحة.
- رد عليه «السيسى» بالقول: أى شرعية تتحدث عنها؟! الشرعية هى للشعب أولاً، ولا بد من الاستجابة لمطالب الشعب حتى يعود الهدوء والاستقرار إلى البلاد.
- قال «مرسى»: أى شعب؟! الشعب مع الشرعية كما قلت لك، وهؤلاء قلة حاقدة.
- قال «السيسى»: ولكن إذا أردت الخروج من المأزق فليس أمامك سوى الاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة.
- رد «مرسى» بالقول: أنا أرفض الاستفتاء، أنا رئيس شرعى ومنتخب انتخاباً حراً مباشراً، وهؤلاء مدفوعون بأغراض خاصة، ونحن نعرفهم جيداً.
- قال «السيسى»: الجيش ليس لديه أى مطامع خاصة، لكنه لن يقف صامتاً وهو يرى البلاد تنهار أمام عينيه، والبلد يكاد يدخل فى حرب أهلية، وأنت لا تريد أن تساعدنا، وأنا أطلب منك التراجع عن موقفك والاستجابة لمطالب الشعب المصرى. هنا هدد «مرسى» بتدخل شباب الإخوان والمتحالفين معهم لإنهاء الوضع وطرد المتظاهرين من الميادين.
رد «السيسى» بالقول: إن الجيش سيسحق أى محاولة من هذا القبيل، ولن يقبل أبداً بالاعتداء على المتظاهرين السلميين، وسنحاسب كل من يتورط فى الاعتداء على المصريين مهما كان منصبه.
أدرك «مرسى» أن «السيسى» جاد فى تهديداته، بدأ يتراجع، وقال: «إنت غضبان ليه، نحن نقدِّرك ونحترمك، وأنا على ثقة بأنك لن تتجاوز الشرعية أبداً». خرج القائد العام من مبنى دار الحرس الجمهورى واتجه على الفور إلى مبنى القيادة العامة بوزارة الدفاع، كان أعضاء القيادة العامة يتابعون الموقف، وكان الفريق أول السيسى غاضباً، لقد أدرك أن محمد مرسى وجماعته لن يستجيبوا لصوت العقل، لكنه لم يفقد الأمل. كان من رأى العديد من القادة حسم الأمر سريعاً قبل أن تتدهور الأوضاع، إلا أنه رفض ذلك، وقال: فلنعط مزيداً من الوقت.
كان القائد العام يحاول تفادى أى صدام يمكن أن يحدث، لقد راهن على اللحظة الأخيرة، وتمنى أن يعود محمد مرسى إلى رشده، وأن يتوقف عن عناده، وأن يستجيب لمطالب الملايين المحتشدة فى الشوارع، والتى عاهدت نفسها ألا تعود إلى بيوتها مرة أخرى إلا بعد رحيل محمد مرسى وجماعته عن الحكم.
لقد أثارت التصريحات التى أدلى بها المرشد السابق محمد مهدى عاكف غضب الجميع عندما قال: «إن مهلة الجيش لمرسى كلام لا قيمة له، وإن الرئيس الشرعى سوف يستمر فى منصبه».
وفى هذا اليوم احتفت مواقع التواصل الاجتماعى بالمقال الذى نشرته صحيفة «الفايننشيال تايمز» البريطانية، الذى أكد أن الجيش المصرى هو المنقذ لمصر. غير أن الإخوان وحزبهم بدأوا يعلنون التحدى، وقد دعا حزب الحرية والعدالة أنصاره إلى التظاهر لمقاومة أى تحرك للجيش يمكن أن يشكل «انقلاباً»، على حد تعبير المتحدث الرسمى باسم الحزب مراد على فى تصريح أدلى به لوكالة «رويترز».
وقال «على»: «إن هذه لحظة حرجة للغاية فى تاريخ مصر، وإننا نواجه لحظة مماثلة إلى حد بعيد لما حدث فى عام 1952»، وأضاف: «إن المصريين يدركون جيداً، أن هناك من يحاولون إعادة البلاد إلى الوراء والديكتاتورية».
وأجرى د. عصام الحداد، مساعد الرئيس للعلاقات الدولية العديد من الاتصالات بالمسئولين الأمريكيين والغربيين، حيث طلب منهم ممارسة الضغط الشديد على الجيش لإبعاده عن المشهد السياسى وتحذيره من التدخل ضد الرئيس الشرعى.
وفى هذا اليوم، وبعد أن شعر «مرسى» بأن الخناق يضيق من حوله، اتصل تليفونياً باللواء رأفت شحاتة، رئيس المخابرات العامة، وأبلغه بأنه توصل إلى مبادرة للحل، وطلب منه إجراء اتصالات بالقوى السياسية للحصول على موافقتها.
وقال «مرسى» إن مبادرته تقوم على إجراء تعديل وزارى، وبعض الإصلاحات الأخرى. وعندما سأله اللواء رأفت شحاتة: ولماذا لا تقول تغييراً وزارياً؟ رد عليه بالقول: خلينا نقول «تعديل» وفى التفاوض نخليها «تغيير»!!».
- قال رئيس المخابرات العامة: الأزمة تتفاقم وليس لدينا وقت.
- رد الرئيس مرسى: سأطلب من مدير مكتبى أن يرسل المبادرة على الفاكس، وأنت عليك أن تبدأ اتصالاتك فوراً.
- قال اللواء شحاتة: الوقت متأخر جداً، وأنا أقترح أن تخرج غداً على الناس بنفسك وتعلن المبادرة عبر التليفزيون.
- قال «مرسى»: سأدرس الأمر، وأنا أميل لذلك.
فى مساء هذا اليوم، اتصل بى الفريق سامى عنان، رئيس الأركان السابق، المستشار العسكرى للرئيس مرسى، وقال لى: «إنه تقدم باستقالته من منصبه كمستشار عسكرى للرئيس، وهو المنصب الذى ظل شكلياً وبلا فاعلية على مدى الفترة الماضية.
وفى هذا الوقت، استقال 5 من وزراء الحكومة تضامناً مع مطالب المتظاهرين، وهم: خالد فهمى، وزير البيئة، هشام زعزوع، وزير السياحة، عاطف حلمى، وزير الاتصالات، د. عبدالقوى خليفة، وزير المرافق، والمستشار حاتم بجاتو، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، ثم استقال أيضاً بعد ذلك وزير الخارجية محمد كامل عمرو من منصبه تضامناً مع المتظاهرين.
ومع تزايد حدة الأزمة، أصدر حزب النور والدعوة السلفية بياناً طالب فيه الرئيس محمد مرسى بالموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة خشية عودة الجيش للحياة العامة، فى حين أصدر ما يسمى بالتحالف الوطنى لدعم الشرعية بياناً أكد فيه الرفض النهائى والمطلق لمحاولات البعض دعوة الجيش للانقضاض والانقلاب على الشرعية والإرادة الشعبية.
كان التنسيق على أشده بين القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية لحماية البلاد من الانزلاق إلى الفوضى، وبعد صدور بيان الجيش الذى منح «مرسى» 48 ساعة، أصدرت وزارة الداخلية بدورها بياناً أعلنت فيه تضامنها مع القوات المسلحة، وأكدت أنها تقف على مسافة واحدة من جميع التيارات السياسية فى البلاد. وكانت الإدارة الأمريكية لا تتوقف عن إجراء اتصالاتها بالأطراف المعنية فى مصر، فبعد اتصاله بمرسى، قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما: «إن الرئيس مرسى رئيس منتخب، لكن على حكومته الآن احترام المعارضة وجماعات الأقليات».
وقد صرح عمر عامر، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية فى مصر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» بأن «مرسى» تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس أوباما أكد فيها أن الإدارة الأمريكية تتعامل مع القيادة المصرية المنتخبة من الشعب المصرى وتدعم التحول الديمقراطى السلمى فى مصر، وقال: «إن المكالمة تناولت تطور الأحداث الجارية والمساعى الحثيثة لاحتواء المطالب التى عبر عنها المصريون بكافة أطيافهم فى الميادين المختلفة».
فى هذا اليوم، صدر بيان البيت الأبيض الذى يتضمن اتصالات واستقبالات وتحركات الرئيس خالياً من هذا الاتصال، وقد لاحظ الصحفيون ذلك من خلال البيان اليومى الذى وُزِّع عليهم، إلا أنهم لم يجدوا إجابة شافية على سؤالهم: لماذا تم تجاهل الاتصال؟! أما جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى، فقد علق على التطورات خلال جولة له بالشرق الأوسط، بالقول: «نحن نحاول المساعدة مثلما تحاول دول أخرى إيجاد مكان للمعارضة السياسية لتنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية، التى تسهم فى جذب الأعمال ورأس المال وبدء تحريك الاقتصاد».
أجرى «تشاك هاجل»، وزير الدفاع الأمريكى، العديد من الاتصالات بالفريق أول عبدالفتاح السيسى وحذَّره من تداعيات عزل «مرسى» على العلاقات المصرية - الأمريكية، بما فى ذلك قدرة واشنطن على الاستمرار فى تقديم المساعدات، غير أن «السيسى» كان حكيماً فى ردوده، وقال إن الجيش لم يكن يبغى التدخل أو الحديث فى الأمور السياسية، لكنهم فعلوا ما يرونه ضرورياً لإعادة النظام إلى الشارع.
لقد سبق لوزير الدفاع الأمريكى أن تحدث مع «السيسى» فى نهاية شهر يونيو وحذره من مغبة تدخل الجيش، ثم عاد وحذر من الآثار المحتملة على العلاقات المصرية - الأمريكية فى ضوء تدخل الجيش، إلا أن «السيسى» لم يعلن التزامه بشىء، تاركاً إدارة أوباما فى حيرة من أمرها!! كانت اللحظات التى تمر بها البلاد فى منتهى الصعوبة، وكانت كل الخيارات مفتوحة، وقد كانت اتصالاتى بالعقيد أحمد محمد على لا تتوقف، وكان سؤالى الدائم له: متى يتخذ الجيش الخطوة الضرورية، ويعزل «مرسى» حمايةً للبلاد من حرب أهلية أراها مقبلة بلا جدال، وكان العقيد أحمد محمد على يقول لى دوماً إن الجيش لن يترك البلاد تصل إلى الحرب الأهلية، وإنه يتباحث مع «مرسى»، وإذا لم يستجب، فقطعاً سيتدخل بلا تردد حمايةً للدولة وحمايةً للشعب.
بعد انتهاء اجتماعات مكتب الإرشاد الذى عُقد فى مكان بعيد عن مقر المقطم، كان الرأى هو إبلاغ مرسى برفض تقديم أى تنازلات جوهرية وإلقاء خطاب إلى الشعب المصرى يؤكد فيه استعداده لإجراء بعض التغييرات. وطلب مكتب الإرشاد من الرئيس مرسى ضرورة الرد على بيان الجيش ورفض الاستجابة لمهلة الـ48 ساعة.
وبالفعل أصدرت رئاسة الجمهورية بياناً فى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 2 يوليو أشارت فيه إلى أن الرئاسة المصرية ترى بعض العبارات الواردة فى بيان الجيش تحمل من الدلالات ما يمكن أن يتسبب فى إحداث إرباك للمشهد الوطنى المركب. وكان شيخ الأزهر، د.أحمد الطيب، قد دعا أيضاً فى بيان صادر عن المشيخة، كل مصرى إلى تحمل مسئوليته أمام الله والتاريخ والعالم، وحذر من الانجراف إلى الحرب الأهلية التى بدت ملامحها فى الأفق التى تنذر بعواقب لا تليق بتاريخ مصر ووحدة المصريين ولن تغفرها الأجيال لأحد، كما دعا البابا تواضروس، بابا الكنيسة المرقسية، إلى «التفكير والتحاور معاً لإنقاذ البلاد، وطلب من الجميع الصلاة من أجل إنقاذ مصر».
وفى هذا اليوم، تجمع مؤيدو «مرسى» برئاسة حازم صلاح أبوإسماعيل فى ميدان النهضة وراحوا يهتفون «إسلامية - إسلامية - رغم أنف العلمانية»، كما هتفوا ضد الجيش وضد القائد العام عبدالفتاح السيسى. وقدم نحو 91 دبلوماسياً مصرياً استقالاتهم فى هذا اليوم وأصدروا بياناً طالبوا فيه برحيل محمد مرسى عن الحكم.
كان الملايين قد خرجوا ليلتحموا بالمتظاهرين المطالبين بعزل مرسى، خاصة بعد صدور بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، وأصبحت البلاد على فوهة بركان، بينما راحت الأنباء تتردد عن سقوط وإصابة العشرات من المصريين فى معارك اندلعت فى كافة أنحاء البلاد.
لقد اتصل رئيس الأركان الأمريكى فى هذا اليوم برئيس الأركان المصرى الفريق صدقى صبحى يطلب منه عدم المساس بالرئيس المنتخب وإلا كانت العواقب وخيمة، إلا أن الفريق صدقى أكد له أن الجيش يقف دوماً مع شعبه ويحمى أمنه واستقراره. أما الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسى السابق، الذى كان موجوداً فى أبوظبى فى هذا الوقت، فقد صرح بأن حكم الإخوان سينتهى خلال ساعات، وأنه سيترشح مرة أخرى لمنصب رئيس الجمهورية بعد سقوط حكم الإخوان.
■ ■ ■
فى هذا الوقت ازدادت حدة أعمال العنف التى تقوم بها الجماعة وعناصرها، وقد تم سحل أحد ضباط الشرطة بصورة مهينة عكست حالة شديدة من الغضب فى كل الأوساط، بينما أُطلق الرصاص على نائب مأمور قسم بولاق الدكرور أثناء الاشتباكات بين مؤيدين لمرسى ومعارضين له، كما جرى إطلاق الرصاص فى هذه المنطقة وأصيب العشرات من المواطنين.
وفى هذا الوقت، أعلن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، أنه تم القبض على 5 مسلحين من جماعة الإخوان أسفل منزل المرشد العام محمد بديع بالتجمع الخامس، وفى حوزتهم فرد خرطوش وطبنجة وساطور ودروع واقية، وكانوا يروعون الآمنين فى هذه المنطقة.. وتزايدت حدة الاشتباكات فى ميدان النهضة بسقوط نحو عشرين قتيلاً وأكثر من مائة جريح، بفعل التحريض الذى كان يقوم به حازم أبوإسماعيل الذى تم القبض عليه فى هذا الوقت.
كنت أتردد بين الفضائيات، مطالباً الجيش بإسقاط محمد مرسى وحكم الجماعة، وأتذكر أننى كنت ضيفاً على قناة الحياة فى هذا اليوم، وقد طالبت القائد العام للجيش بضرورة القبض على «الجاسوس الخائن محمد مرسى» وقلت: إننى أشك فى قواه العقلية؛ لأنه يسعى إلى تدمير البلد.
وفى هذا اليوم ترددت شائعات أشارت إلى أن حكومة هشام قنديل قدمت استقالتها بعد إنذار الجيش، إلا أن المستشار أحمد سليمان، وزير العدل، نفى هذه الأنباء، وقال «إن الحكومة مستمرة فى أداء عملها، وقد عقدت اجتماعاً فى هذا اليوم لم يحضره وزيرا الدفاع والداخلية، وكذلك الوزراء الستة الذين قدموا استقالاتهم. كان محمد مرسى قد أنهى اتصالاته مع مستشاريه الموجودين معه ومع قيادات مكتب الإرشاد، وبعد أن انتهوا من إعداد البيان الذى سيلقيه جىء له بكاميرات التليفزيون التى قامت بتسجيل الخطاب من داخل مبنى دار الحرس الجمهورى، ثم بثه بعد ذلك.
علم الفريق أول السيسى بعزم «مرسى» توجيه خطاب إلى الشعب، وطلب عدم التدخل بأى شكل من الأشكال، لقد جرى تسجيل الخطاب، وكان الجيش على علم بمضمونه، غير أن الشارع ظن أن «مرسى» قد يقدم جديداً لإنهاء الأوضاع المتوترة فى الشارع المصرى. وجاء خطاب «مرسى» ليكرر ذات المقولات، وليعلن تحدى الجميع، غير آبه بالتطورات الراهنة والحشود التى لا تزال تسيطر على الشارع.
■ لقد ركز محمد مرسى فى خطابه على عدة نقاط عبر عنها بالقول:
- إن الشعب اختارنى رئيساً فى انتخابات حرة ونزيهة، وكنت وما زلت الرئيس الشرعى وسأظل أتحمل المسئولية.
- إن الشعب أصدر دستوراً، كلفنى فيه بمهام محددة وإدارة البلاد، وإننى لا بد أن ألتزم بهذه الشرعية، وأن ألتزم بهذا الدستور، وأنه ليس أمامى من خيار سوى أن أتحمل المسئولية.
- الشرعية التى أتمسك بها هى الضمان الوحيد لحماية البلاد من سفك الدماء، وهى الضمان لعدم ارتكاب أعمال عنف، وتفويت الفرصة على بقايا النظام السابق والثورة المضادة التى تريد العودة من جديد.
- إن الرئاسة ماضية فى طريقها الذى خططته من قبل لإجراء مصالحة وطنية شاملة استيعاباً لجميع القوى الوطنية والشبابية واستجابة لتطلعات الشعب المصرى، بغض النظر عن أى تصريحات من شأنها تعميق الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وبما يهدد السلم الاجتماعى، وإن الرئيس لايزال يُجرى مشاورات مع جميع القوى الوطنية حرصاً على تأمين مسار التحول الديمقراطى وحماية الإرادة الشعبية.
- إننى سأحافظ على الشرعية ودون ذلك حياتى، وإذا كان الحفاظ على الشرعية ثمنه دمى، فأنا مستعد أن أبذل ذلك. وقال أيضاً فى هذا الخطاب إنه مستعد لتشكيل حكومة انتقالية لحين إجراء الانتخابات البرلمانية، وقال: «إن موضوع النائب العام قد حُسم، ووافق على تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية والمصالحة الوطنية وتعجيل إجراءات قانون الانتخابات، إلا أنه رفض مجدداً الاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة فى الوقت الراهن.
بعد الخطاب، كنت أتنقل بين قنوات التحرير والنهار وصدى البلد، وقلت: إن مرسى قد كتب شهادة وفاته النهائية اليوم، وليس أمام الجيش سوى التحرك وتسلم السلطة فى البلاد.
وقد أحدث خطاب مرسى، الذى استخدم فيه لفظ «الشرعية» أكثر من ستين مرة، ردود فعل غاضبة فى الشارع المصرى، ولم يكن أمام القوات المسلحة غير خيار واحد ووحيد، هو عزل مرسى وإعلان خارطة الطريق. لقد أدرك القائد العام أن خطاب مرسى ما هو إلا تحريض على العنف، ورفض لإرادة الشعب، والتمسك بالكرسى مهما كان الثمن. وأمام التحركات الإخوانية وقتل الأبرياء، كتب الفريق أول عبدالفتاح السيسى على الصفحة الرسمية للقوات المسلحة يقول رداً على هذا الخطاب: «أشرف لنا أن نموت من أن يُروَّع الشعب المصرى، ونقسم بالله أن نفتدى مصر وشعبها بدمائنا ضد كل إرهابى أو متطرف أو جاهل». بعدها أصدر القائد العام تعليماته بمنع الهواتف والاتصالات بين مرسى وعناصر جماعته، وقام اللواء محمد زكى، قائد الحرس الجمهورى، بتنفيذ التعليمات على الفور.
كان الجيش قد أمسك بمقاليد البلاد من الناحية الأمنية جيداً، وجرى توزيع المهام بينه وبين جهاز الشرطة الذى وقف رجاله وقفة لن ينساها لهم التاريخ أبداً.
وأمام تصاعد عمليات العنف، قالت مصادر عسكرية فى بيان وزع على الصحف ووسائل الإعلام فى مساء هذا اليوم: «إن القوات المسلحة ستعلق العمل بالدستور وتحل مجلس الشورى بموجب خارطة طريق سياسية ستنفذها القوات المسلحة ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول غد الأربعاء».
وتردد فى هذا الوقت أن الجيش قد يسلم السلطة إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا. وقد عاد وزير الدفاع الأمريكى «تشاك هيجل» لإجراء المزيد من الاتصالات بالفريق أول عبدالفتاح السيسى يحذره فيها من الانقلاب على الرئيس المنتخب، إلا أن «السيسى» رد عليه بالقول: «لن نسمح لأحد بالتدخل فى الشأن الداخلى المصرى، ونحن الذين نقرر مصيرنا بأنفسنا»، أما السفيرة الأمريكية «آن باترسون»، فقد كانت تتابع الأحداث وتنقل المعلومات وتقدم التقارير، وقد أجرت اتصالات مجددة بخيرت الشاطر نقلت إليه عبرها عدة رسائل من الإدارة الأمريكية حثت فيها على ضرورة احتواء غضب الشعب المصرى وتقديم تنازلات تنهى الأزمة وتمنع تدخل الجيش، إلا أن «الشاطر» أكد لها أن هذه المظاهرات لن تجدى نفعاً، وأن الجيش لن يجرؤ على عزل الرئيس مرسى.