مصطفى بكرى يكتب الطريق إلى الحرية: الثالث من يوليو.. يوم الانتصار الكبير

كتب: مصطفى بكرى

مصطفى بكرى يكتب الطريق إلى الحرية: الثالث من يوليو.. يوم الانتصار الكبير

مصطفى بكرى يكتب الطريق إلى الحرية: الثالث من يوليو.. يوم الانتصار الكبير

ظلت أحداث الثالث من يوليو 2013، والتى انتصر فيها الجيش المصرى لثورة الشعب ضد جماعة الإخوان، مثار تساؤلات عديدة، حول حقيقة ما حدث، وكيف استطاع الجيش إسقاط حكم الإخوان قبل اندلاع حرب أهلية كانت ستدفع بالبلاد إلى هوة سحيقة.

وفى الذكرى الرابعة لانحياز الجيش إلى الشعب، ننشر فصلاً من كتاب مهم يحمل عنوان «عشرة أيام هزت مصر» سوف يصدر خلال هذا الأسبوع عن دار «سما للطباعة والنشر»، للكاتب الصحفى الزميل مصطفى بكرى، متضمناً حقائق مهمة، بعضها يُنشر للمرة الأولى عن وقائع ما حدث فى الثالث من يوليو 2013.

كان يوم الأربعاء الثالث من يوليو يوماً حاسماً فى تاريخ البلاد، صحوت فى نحو الرابعة صباحاً، لم أنم أكثر من ساعتين فى هذا اليوم، ظللت أتابع الأحداث وردود الفعل، وكنت على ثقة أن الجيش سيضع اليوم حداً فاصلاً لما يجرى فى الشارع من تظاهرات وأعمال قتل وتخريب. {left_qoute_1}

فى هذا الصباح اتصلت بى د. فايزة أبوالنجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولى سابقاً، وسألتنى عن توقعاتى، فقلت لها إننى أتوقع اليوم تحركاً عسكرياً بعد انتهاء مدة الـ48 ساعة فى الرابعة عصراً، وسيكون هذا التحرك لصالح الشعب وحماية الدولة.

قالت لى: وأنا أشاركك هذا التوقع.

كان القائد العام قد طلب فى هذا الوقت من د. محمد سليم العوا ومعه د. هشام قنديل بدء اتصالات مع محمد مرسى لإقناعه بقبول مطالب الشعب، لإنهاء الأزمة، إلا أن الاتصالات لم تُجدِ نفعاً.

وفى العاشرة من صباح هذا اليوم اتصل د. ممدوح شاهين، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالدكتور أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى، وطلب منه الحضور فى الحادية عشرة صباحاً لمقابلة الفريق أول عبدالفتاح السيسى بهدف إبلاغه برسالة إلى الرئيس محمد مرسى.

وصل الدكتور أحمد فهمى فى الموعد المتفق عليه إلى مبنى وزارة الدفاع، والتقى القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى.

قال السيسى: إن الأوضاع فى البلاد تمضى نحو الفوضى، والفتن تنتشر بين الناس، ولذلك أطلب منك أن تذهب إلى الدكتور مرسى وأن يكون معك د. سليم العوا لإقناعه بالموافقة على إجراء الاستفتاء على مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال أسبوعين أو ثلاثة على أقصى تقدير.

قال د. أحمد فهمى: ولكن المدة قصيرة، ومن الممكن أن يحدث خلالها فراغ دستورى يتسبب فى أزمات ومشكلات عديدة.

قال السيسى: الأمور ستكون تحت السيطرة، لكننا نريد إنهاء الأزمة وحماية البلاد من الفوضى، وكما ترى فإن الجماهير ما زالت فى الشارع وتطالب برحيل الرئيس عن الحكم.

قال أحمد فهمى: أنا أقترح تغيير الوزارة على أن تتولى سيادتكم رئاسة الحكومة المقبلة، وتقوم بتشكيلها من جميع الاتجاهات مع احتفاظك بمنصب وزير الدفاع، وبالقطع فإن النائب العام المعين انتهى دوره بصدور حكم محكمة النقض التى أقرت بعودة النائب السابق عبدالمجيد محمود، أما بالنسبة للتعديلات الدستورية فيمكن أن تشكَّل لجنة على الفور للنظر فى جميع المواد الخلافية.

قال السيسى: ولكن الجماهير لن تقتنع، ولن ترضى بهذا الحل، الناس خرجت للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة ولن تعود إلى منازلها إلا بالاستجابة لذلك.

قال د. أحمد فهمى: أنا أقترح أن يؤجل هذا الطلب إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية، والتى يمكن أن تجرى فى ظل رئاستك للحكومة المقبلة، ثم يجرى تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، وساعتها يمكن أن يجرى استفتاء فى ظل وجود هذه الحكومة حتى لا يحدث فراغ دستورى.

قال السيسى: ولكن هذه المدة طويلة جداً، ولن يقبل الشارع المصرى أن يفضّ المظاهرات بسهولة على وعد غير مضمون، أنا أقترح عليك أن تذهب فوراً لتعرض اقتراحى على الدكتور مرسى بأن يخرج ويعلن للناس موافقته على إجراء استفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، وذلك فى خلال مدة لا تزيد على أسبوعين أو ثلاثة على الأكثر.

وبالفعل توجه رئيس مجلس الشورى إلى دار الحرس الجمهورى، حيث التقاه د. سليم العوا هناك، والتقى الاثنان بالرئيس مرسى، وعرض عليه أحمد فهمى مضمون الحوار الذى جرى بينه وبين الفريق أول عبدالفتاح السيسى، إلا أن الرئيس مرسى أبلغه استعداده للموافقة على تشكيل حكومة جديدة برئاسة السيسى والإعلان عن موعد الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر، إلا أنه يعترض على إجراء الاستفتاء على الانتخابات المبكرة، وأنه مستعد لذلك شريطة أن يتم الاستفتاء فى أعقاب إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة بعد عدة أشهر.

دار حوار مطول بين أحمد فهمى والعوا مع مرسى للوصول إلى حل وسط، إلا أنه رفض، وبعناد شديد، الموافقة على الاستفتاء، وطلب أن يبلغ هذا الموقف إلى القائد العام باعتباره موقفه النهائى.

بعد أن غادر د. أحمد فهمى ود. سليم العوا دار الحرس الجمهورى، قام أحمد فهمى بالاتصال باللواء ممدوح شاهين وطلب منه إبلاغ السيسى بعدم موافقة مرسى على إجراء استفتاء عاجل على الانتخابات الرئاسية المبكرة مع استعداده لتنفيذ هذا المقترح، ولكن بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الجديدة.

لقد أطلع السيسى أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة على موقف الرئيس مرسى، ورفضه الاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، فاعتبروا أن الأمر قد حُسم، وأنه لم يعد أمامهم من خيار آخر.

فى هذا الوقت قرر السيسى أن يغامر وأن يذهب بنفسه إلى دار الحرس الجمهورى فى محاولة أخيرة لإقناع مرسى بقبول مطالب الشعب وإنهاء الأزمة عند هذا الحد.

كان الكثيرون لا يعتقدون أن مرسى سوف يوافق على هذه الرؤية، وبعضهم نصح القائد العام بعدم الجدوى، والبعض الآخر ساورته المخاوف من ذهابه فى هذا الوقت إلى حيث يوجد مرسى وأنصاره، إلا أن السيسى تحلى بأخلاق الفرسان وقرر أن يذهب بنفسه علَّه يستطيع إقناعه بإنهاء الأزمة.

لقد قرر رئيس الأركان الفريق صدقى صبحى اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة فى ذلك الوقت حفاظاً على حياة القائد العام، طلب من المظلات أن تكون على أهبة الاستعداد، كما طلب من الفريق يونس المصرى، قائد القوات الجوية، أن يرسل طائرتى «أباتشى» لتحلقا فوق دار الحرس الجمهورى، حيث مكان اللقاء.

مضى القائد العام من مبنى المخابرات الحربية، حيث كان يُعقد الاجتماع إلى دار الحرس الجمهورى، حيث يقيم محمد مرسى.

كان اللواء محمد زكى، قائد الحرس الجمهورى، فى انتظار القائد العام أثناء وصوله، سلّمه الطبنجة التى كانت فى حوزته، ونظر إليه نظرة لا تخلو من معنى، فقال اللواء زكى: كله تمام، وكل شىء جرى تأمينه.

جلس مع محمد مرسى نحو ساعتين تقريباً، دار بينهما حوار طويل، تركز الحوار حول ضرورة أن يقبل مرسى بمطالب الشعب، وأن يوافق على إجراء الاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، لقد ظل مرسى متشبثاً برأيه حتى اللحظات الأخيرة، وكان يردد دوماً: «أنا الرئيس الشرعى المنتخب، أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولن يستطيع أحد إرغامى على التنازل عن سلطاتى».

قال السيسى: لا نريد للبلاد أن تدخل إلى النفق المظلم، وليس أمامك من خيار آخر لإنقاذ الوطن. {left_qoute_2}

وكان محمد مرسى يتحدث بثقة أثارت دهشة السيسى، ووصلت هذه الثقة إلى حد التهديد بتحريك شباب الإخوان والجماعات المختلفة للدفاع عن النظام والرئيس «الشرعى».

بعد نحو ساعتين من الجدل والحوار، أدرك السيسى أنه لا أمل، فقال له: «أنا عملت اللى عليا، وجئت إليك لأطلب منك إنقاذ البلاد، ولكنك مصمم على وجهة نظرك».

قال مرسى: أرجو من الجيش أن يحمى الشرعية، وأن يسحب بيان الـ«48 ساعة».

كان أزيز طائرات الأباتشى التى تحلّق فوق المبنى لا يتوقف، وكان مرسى يتساءل فى دهشة: «هىّ إيه حكاية الطيارات دى»؟

وكان السيسى يحاول أن يهدئ من روعه ويقول: هذه طائرات هدفها استطلاع الأمن فى هذه المنطقة الملتهبة بالأحداث.

وبعد نحو الساعتين قرر السيسى المغادرة عائداً إلى مبنى المخابرات الحربية، حيث ينتظر أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة.

نظر السيسى إلى اللواء محمد زكى، وقال له: سوف نتصل بك لإبلاغك بالموقف مساء اليوم.

حين عاد القائد العام وقصّ على المجتمعين ما دار بينه وبين محمد مرسى أدركوا أنه لم يعد أمامهم من خيار سوى التدخل للحيلولة دون دخول البلاد فى حرب أهلية، خاصة أن الجماهير بدأت تزحف إلى مبنى وزارة الدفاع للمطالبة بتدخل الجيش لحماية البلاد.

وبعد مناقشة الأمر، عُهد إلى جهة سيادية كبرى البدء فى دعوة الشخصيات المحددة وهى: شيخ الأزهر وبابا الكنيسة المرقسية، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ود. محمد البرادعى الذى تم تفويضه من قِبل جبهة الإنقاذ، وممثلة للمرأة، و3 ممثلين لشباب «تمرد»، بالإضافة إلى قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، والقائد العام.

وقامت الجهة السيادية بإجراء اتصال بالمستشار هشام بدوى، رئيس محكمة الجنايات فى ذلك الوقت، لصياغة بيان خارطة الطريق، إلا أنه اعتذر لأنه ليس قاضياً دستورياً، ورشح المستشارة تهانى الجبالى التى تم الاتصال بها، وانتقلت على الفور إلى الجهة السيادية.

واستعانت وزارة الدفاع من جانبها بالمستشار ماهر البحيرى، أحد أبرز قضاة المحكمة الدستورية، ثم جرى بعد ذلك دمج البيانين فى صيغة واحدة، وأدخل الفريق أول عبدالفتاح السيسى بعض التعديلات والإضافات.

فى هذا الوقت علمت من مصادرى الخاصة أن البيان سيذاع فى الرابعة والنصف مساء، وعندما سئلت من بعض الفضائيات عن السيناريو المتوقع، قلت لهم إن البيان سيذاع بعد عصر اليوم، وإن هناك اتجاهاً لاختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور لإدارة شئون البلاد فى الفترة الانتقالية.

لم يصدق الكثيرون أن القرار سيُحسم بهذه السهولة، وكان الأمر المثير والغريب، أن القوات المسلحة أعطت إشارة واضحة بأنها تنوى اتخاذ قرارات حاسمة، من بينها دعوة القوى السياسية لإعداد خارطة طريق، أى وضع نظام حكم جديد للبلاد، وكان ذلك قبل الموعد المحدد بـ48 ساعة، ومع ذلك ظل الإخوان على يقين أن الجيش لن يستطيع أن يفعلها حتى فوجئوا بتطورات الأحداث.

لقد ظللت فى هذا اليوم أتابع تطورات الأحداث وأحللها من الرابعة مساء إلى نحو الثامنة مساء مع المذيعة ياسمين سعيد على قناة الحياة، باعتبار أن القرار قد اتُّخذ، وأن حكم الإخوان قد سقط، وأن بيان انحياز الجيش للثورة سوف يصدر بعد قليل.

وكانت المذيعة فى دهشة من الأمر، وتطرح دوماً سؤالاً متكرراً: وهل أنت على ثقة من ذلك؟ فكانت الإجابة: نعم على ثقة من ذلك.

■ ■

كانت الاستعدادات فى ذلك الوقت قد اكتملت، لقد تم الاتصال بالدكتور محمد سعد الكتاتنى، رئيس حزب الحرية والعدالة الإخوانى، للمشاركة فى إعلان البيان، إلا أن تعليمات صدرت للكتاتنى برفض المشاركة جملة وتفصيلاً.

كانت مصر كلها فى انتظار الحدث الذى سيمثل نقطة تحول فى تاريخ هذا البلد، كانت الآمال معلقة بالقرار الذى سيتم اتخاذه، لقد انتهت المدة المحددة فى الرابعة والنصف مساء، وبدأ القلق يتسلل إلى النفوس، وراحت الأسئلة تلاحق بعضها، وكنت أحاول على قدر المستطاع أن أجيب عنها من شاشة قناة الحياة.

لقد تردد فى البداية أن إعلان البيان سيتم فى الرابعة، ثم قيل فى السابعة، ثم الثامنة، حتى تم فى التاسعة والنصف من مساء ذات اليوم، وخلال هذه الفترة كانت الشائعات لا تتوقف، وكانت عقول الناس فى انتظار الحدث الذى سيحدد مصير الوطن بأسره.

كان الإخوان قد طلبوا فى هذا الوقت مهلة لمدة يومين آخرين لإنهاء الأزمة، إلا أن المعلومات التى رصدها جهاز الأمن القومى فى هذا الوقت أكدت أن الإخوان قد أعدوا قوائم للاعتقال والاغتيال مساء الأربعاء 3 يوليو وصباح الخميس. وقد استطاع جهاز الأمن القومى، من خلال رصد بعض هذه المكالمات، أن يتوصل إلى المعلومات كاملة وأن يبلغها إلى القائد العام للقوات المسلحة.

كانت الأجهزة الأمنية قد أعدت قائمة كاملة بأسماء العناصر الحركية الناشطة والمتورطة فى خلق الأزمات وأعمال العنف فى البلاد، وقبيل أن يعلن القائد العام بيانه كانت أسماء هؤلاء قد أُدرجت على قوائم الممنوعين من السفر على المطارات والموانئ، بينما بدأت الجهات الأمنية الاستعداد لحملات اعتقال لهذه العناصر التى هددت بإشعال أعمال العنف والتخريب فى البلاد.

وفى نفس الوقت الذى استعد فيه السيسى لإعلان البيان التاريخى، طلب اللواء محمد زكى، قائد الحرس الجمهورى، من محمد مرسى الدخول إلى الفيلا، لأن هناك أمراً عسكرياً باحتجازه، فراح يصرخ: إنتو مين؟ أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنا آمرك بأن تتوقف عن هذا الفعل وإلا فإننى سأحاكمك محاكمة عسكرية أنت والسيسى وكل المتورطين. حاول اللواء محمد زكى إفهامه الأمر، وقال له إن الجيش قد انحاز إلى الشعب، وإن الفريق أول عبدالفتاح السيسى يعلن الآن خارطة الطريق فى حضور القوى السياسية والأزهر والكنيسة والقضاء، إلا أنه لم يصدق، وظل يردد: أنا الرئيس الشرعى المنتخب، أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، أنا سأحاكمكم، ولن أسكت عليكم أبداً، وإن المجتمع الدولى سيجبركم على التراجع.

وعندما لم يجد مرسى استجابة، راح يطلب ضرورة أن يصاحبه فى الإقامة داخل الفيلا كل من السفير محمد رفاعة الطهطاوى رئيس الديوان، وأسعد الشيخة نائب رئيس الديوان، وقد تحقق له مطلبه بالفعل، بينما تم احتجاز الأشخاص الآخرين داخل مبنى الحرس الجمهورى، وتم السماح لأفراد أسرته الذين كانوا يصاحبونه بمغادرة المبنى إلى منزلهم.

■ ■

كانت المعلومات تقول فى البداية إن البيان سيُلقى بصوت المقدم «ياسر»، الضابط بالشئون المعنوية، والذى سبق أن تلا بصوته العديد من بيانات القوات المسلحة، وكان آخرها بيان الإنذار الأخير للرئيس مرسى، وإن الموعد هو الرابعة والنصف بعد عصر يوم الأربعاء 3 يوليو، إلا أنه وبعد التشاور كان الرأى السائد هو أن يقوم الفريق أول عبدالفتاح السيسى بتلاوة البيان بنفسه.

وفى تمام التاسعة من مساء الأربعاء الثالث من يوليو وقف الفريق أول عبدالفتاح السيسى يلقى بيان القوات المسلحة لخارطة طريق المرحلة الانتقالية بحضور الفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان، وقادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وأيضاً بحضور شيخ الأزهر د. أحمد الطيب والأنبا تواضروس والدكتور محمد البرادعى، الأمين العام لجبهة الإنقاذ المعارضة، وسكينة فؤاد، مساعد رئيس الجمهورية السابق، التى سبق أن قدمت استقالتها،  ومحمود بدر، ومحمد عبدالعزيز، من قادة حركة تمرد، ورئيس حزب النور.

وفى هذا الاجتماع تحدّث شيخ الأزهر فأكد أن مصر الآن أمام أمرين أحلاهما مر وأشدهما صدام الشعب، وأكد البابا تواضروس أن التوافق حول خارطة الطريق لحل الأزمة استهدف عدم إقصاء أحد، أما البرادعى فقد أكد فى كلمته أن خارطة الطريق هى تصحيح لمسار ثورة 25 يناير، وأكد محمود بدر على المعانى نفسها، وكذلك الآخرون.

كان الحرس الجمهورى قد قرر احتجاز محمد مرسى فى هذا الوقت داخل دار الحرس الجمهورى ومعه بعض مستشاريه ومساعديه.

وفى ذاك المساء راح نجله «أحمد» يركب إحدى سيارات الرئاسة ويلف بها فى فناء دار الحرس الجمهورى بطريقة جنونية غير مصدق لما جرى، كان يسب الجميع بألفاظ فاحشة، إلا أن اللواء محمد زكى، قائد الحرس، طلب عدم التعرض له.

كان محمد مرسى مغيباً عن الأحداث، لقد سحب منه أسعد الشيخة، نائب رئيس الديوان والعضو القيادى بالجماعة، «ريموت» التليفزيون وضبط له التليفزيون على إحدى محطات القرآن الكريم، حتى يمنعه من متابعة الأحداث التى كانت تجرى فى الشارع.

عمّت الفرحة الشارع المصرى، تدفق الملايين إلى الشوارع يحتفلون بقرار القيادة العامة للقوات المسلحة، لم يصدق البعض وقائع ما حدث، شعروا أنهم كانوا يعيشون كابوساً رهيباً، كانوا على ثقة أن مصر قد خُطفت منهم، وأن الجيش أعاد إليهم الوطن والحياة.

ارتفعت أعلام مصر وصور السيسى فى كل مكان، خرجت مظاهرات فى العديد من البلدان العربية تعلن تضامنها مع الشعب المصرى وتهنئه بسقوط حكم الإخوان.

أصيب الإخوان وحلفاؤهم بصدمة عنيفة، تساءلوا فى دهشة: كيف استطاع السيسى أن يفعلها؟! عمّ الصراخ المحتشدين فى رابعة، انطلقت هتافاتهم تدوّى وتطالب بالثورة على من سموهم قادة «الانقلاب»، أصدر عصام الحداد بيانات يطالب فيها بالتدخل الأجنبى لإعادة الرئيس المعزول إلى منصبه، اجتماعات سرية لجماعات إخوانية وتكفيرية، عمليات هروب القيادات الإخوانية والاختفاء عن الأنظار، القبض على بعض القيادات، وكان من أبرزها المرشد السابق محمد مهدى عاكف و4 من حراسه ود. محمد سعد الكتاتنى رئيس حزب الحرية والعدالة.

وفى هذا الوقت أعلن مسئول بحزب الحرية والعدالة فى بيان صادر عن الحزب رفض ما سماه «الانقلاب العسكرى» الذى قام به وزير الدفاع وعطّل به الدستور، وعزل رئيس الجمهورية المنتخب وقيامه بتعيين قيادة جديدة لإدارة شئون البلاد.

وقد حذر الحزب فى بيانه من أنه سيقف بكل حسم ضد ما سماه «الانقلاب العسكرى»، وأنه لن يتعاون مع إدارة البلاد الحالية التى قال إنها اغتصبت السلطة، وأنه سيظل يعمل لعودة الشرعية مع كل القوى الرافضة لـ«الانقلاب»، وأنه يطالب جميع القوى الشعبية والحزبية بإعلان مواقفها الواضحة القاطعة إما مع إرادة الشعب الحرة، وإما مع انقلاب عسكرى كامل على الإرادة الشعبية.

وقال الحزب إنه سيظل مشاركاً فى جميع الفعاليات السلمية الرافضة للانقلاب وسط الشعب وضد الممارسات القمعية التى أطلّت برأسها وضد القتل الممنهج الذى بدأته قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين وضد إغلاق منافذ التعبير ومصادرة حرية الرأى التى بدأت باعتقال رئيس الحزب د. محمد سعد الكتاتنى ومطاردة بعض رموزه وقياداته.

■ ■

فى هذا الوقت استأذن الفريق أول عبدالفتاح السيسى زملاءه وقرر الخروج من مبنى المخابرات الحربية متجهاً إلى منزل والدته فى مدينة نصر، مضى إلى هناك وسط الحشود التى راحت تتدفق فى الشوارع والميادين، ألقى بجسده فى حضنها، قبّل يديها، فاضت دموعه، اختلطت بدموعها، وطلب منها الدعاء لمصر، وقرر العودة إلى مبنى المخابرات الحربية.

وفى هذا الوقت أصدرت وزارة الداخلية بياناً أكدت فيه دعمها الكامل والتام لبيان القيادة العامة للقوات المسلحة بكل ما تضمّنه من خطوات وطنية وجادة وصادقة رسمت بحق خارطة طريق تبتغى مصلحة الوطن، وتحقق إرادة الشعب المصرى العظيم، وتنحاز لطموحاته المشروعة نحو مستقبل أفضل.

وأكد البيان أن رجال الشرطة يؤكدون وقوفهم كتفاً بكتف مع رجال القوات المسلحة البواسل، تساندهم جموع أبناء الوطن لتحقيق أمن واستقرار البلاد. وقال: «إن الجميع على ثقة كاملة بأن سواعدهم الوطنية قادرة على بناء مصرنا التى نتمناها جميعاً، قوية أبيّة شامخة، آمنة».

وفى هذا الوقت دعا الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومى الأمريكى لبحث الموقف فى ضوء الأحداث التى تشهدها مصر.

وكانت الخارجية الأمريكية قد طلبت من السفيرة «آن باترسون» إجراء اتصالات مكثفة مع المسئولين المصريين لمعرفة آخر تطورات الموقف فى البلاد.

أما وزارة الدفاع الأمريكية، فقد أقامت غرفة عمليات للمتابعة، بينما أصدر رئيس هيئة الأركان الأمريكية بياناً حذر فيه من العواقب إذا جرى اعتبار عزل الجيش للرئيس مرسى انقلاباً، وقال: «إنها بلدهم على أى حال وسيجدون طريقهم، ولكن ستكون هناك عواقب كبيرة إذا أسىء التعامل مع الأمر، هناك قوانين تحكم كيفية تعاملنا مع هذه الأنواع من المواقف».

وفى مقابل ذلك، صرح رئيس لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب الأمريكى قائلاً: «إن الاستقرار فى مصر بالغ الأهمية لأمن أمريكا وحلفائها فى الشرق الأوسط، ووصف الرئيس المعزول محمد مرسى بالعقبة أمام الديمقراطية الدستورية التى يريدها معظم المصريين».

لقد حدث انقسام فى الرأى بين أركان المؤسسة الأمريكية فى هذا الوقت، حيث كان جون كيرى، وزير الخارجية، وسوزان رايس، مستشار الرئيس للأمن القومى، أقرب إلى موقف أوباما المتشدد ضد انحياز الجيش للشعب، بينما كان «تشاك هيجل»، وزير الدفاع، وقادة الكونجرس يتخذون موقفاً يتسم بالمرونة ويرفضون التصعيد ضد النظام الجديد فى مصر.

وفى هذا الوقت، وتحديداً فى الثانية صباحاً من بعد منتصف ليل الأربعاء، أجرى رئيس المخابرات المركزية الأمريكية اتصالاً برئيس المخابرات المصرية اللواء رأفت شحاتة وأبلغه رسالة من الرئيس باراك أوباما إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام، تضمنت عدة نقاط أبرزها:

- أن الولايات المتحدة تأمل تحقيق الاستقرار فى مصر سريعاً، ولا تسعى إلى التدخل فى الشئون الداخلية للبلاد.

- أن الرئيس أوباما لا يرغب أن يكون للجيش أى دور فى الحياة السياسية وأن دوره يجب أن ينحصر فى حماية العملية السياسية ومتابعة تنفيذ خارطة الطريق والحرص على تحقيق المصالحة، وعدم إقصاء أى تيارات سياسية خصوصاً حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان.

- أن الولايات المتحدة تتمنى عدم اللجوء إلى أى إجراءات استثنائية أو القبض على عناصر سياسية إلا فى إطار القانون، وأنه يجب الحرص على سلامة الرئيس السابق محمد مرسى وعدم اتخاذ أى إجراءات استثنائية ضده.

- أن الإدارة الأمريكية تقر بالحق فى التظاهر السلمى للتعبير عن المطالب المشروعة للمصريين وتحذر من أعمال العنف فى البلاد وتطلب حماية الرعايا الأمريكيين فى مصر.

- أن واشنطن ستتابع ما يجرى فى مصر لتقييم موقف الإدارة الجديدة، وأن الإدارة الأمريكية ستحدد مواقفها فى ضوء التطورات التى تشهدها البلاد.

لم يستطع اللواء رأفت شحاتة الاتصال بالقائد العام، فاتصل فى الثانية والنصف من فجر الخميس 4 يوليو بالفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان، وأبلغه بمضمون الرسالة، فأعطاه اللواء محمود حجازى، مدير المخابرات الحربية، الذى كان يجلس إلى جواره، لإبلاغه بمضمون رسالة أوباما إلى القائد العام.

فى هذا الوقت، وفى أعقاب انتهاء اجتماع مجلس الأمن القومى الأمريكى أصدر الرئيس أوباما بياناً طالب فيه بالخروج الآمن للرئيس مرسى، وقال فى بيان صادر عن البيت الأبيض: «إن مستقبل مصر لا يمكن تحديده إلا من قِبل الشعب المصرى»، وقال: «نحن نشعر بقلق عميق تجاه قرار القوات المسلحة تنحية الرئيس مرسى من منصبه وتعليق العمل بالدستور، ولكن على الجيش المصرى التحرك بسرعة لإعادة السلطة الكاملة مرة أخرى إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطياً فى أقرب وقت ممكن من خلال عملية شاملة وشفافة وتجنب أى اعتقالات لمرسى وأنصاره».

وقال: «إننا نتوقع من الجيش ضمان حقوق جميع المصريين بما فى ذلك الحق فى التجمع السلمى والمحاكمات النزيهة أمام المحاكم المدنية»، مشدداً على «أن يكون الهدف من أى عملية سياسية هو تشكيل حكومة تحترم حقوق الأغلبية والأقلية، وتضع مصالح الشعب فوق مصلحة أى حزب أو فصيل»، وقال: «إلى أن يتحقق ذلك فإننى أحث جميع الأطراف على تجنب العنف والتوحد لضمان تحقيق الديمقراطية فى مصر».

لقد أدركت واشنطن أن رهانها على الإخوان قد سقط، فجُنّ جنونها، وبدأت فى ممارسة الضغوط على القيادة المصرية الجديدة، إلا أن الفريق أول السيسى كان قد وقع اختياره، وباتفاق الجميع، على رئيس المحكمة الدستورية العليا لتولى شئون الحكم فى البلاد.

لقد انتصرت الثورة، وتمكّن الجيش من حسم الأمر سريعاً، كان السيسى يدرك أن المعركة مقبلة لا محالة، وأنه مستعد لتحمل أعبائها، وأن الجيش سيتصدى ويتحمل المسئولية نيابة عن الشعب، ولم يكن أمامه من خيار آخر، إنه قدَر الرجال الذين تحملوا المسئولية وأنقذوا البلاد من خطر الانهيار والسقوط.


مواضيع متعلقة