مصطفى بكرى يكشف فى كتابه المهم والخطير «عشرة أيام هزت مصر»: «خطاب السقوط»

مصطفى بكرى يكشف فى كتابه المهم والخطير «عشرة أيام هزت مصر»: «خطاب السقوط»
- آن باترسون
- أجهزة الأمن
- أحمد الزند
- أحمد الطيب
- أحمد بهجت
- أحمد شفيق
- أحمد فتحى سرور
- أرض الطيارين
- أزمات المجتمع
- «السيسى»
- آن باترسون
- أجهزة الأمن
- أحمد الزند
- أحمد الطيب
- أحمد بهجت
- أحمد شفيق
- أحمد فتحى سرور
- أرض الطيارين
- أزمات المجتمع
- «السيسى»
فى الحلقة الثالثة من كتابه المهم «عشرة أيام هزت مصر» الصادر عن دار سما للنشر والتوزيع، يتحدث الكاتب الصحفى مصطفى بكرى عن ملابسات «خطاب السقوط» الذى ألقاه محمد مرسى فى السادس والعشرين من يونيو 2013، ويكشف مؤلف الكتاب فى هذه الحلقة تفاصيل الجلسة التى عُقدت بين السيسى ومرسى قبيل إلقاء الخطاب الذى أعده له مكتب الإرشاد. ويلقى الكاتب الضوء على المشادة التى حدثت بين أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط وحليف الإخوان، واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية فى ذلك الوقت قبيل بدء الخطاب مباشرة، كما يوضح الأسباب التى دعت القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى إلى نشر قوات الجيش صبيحة يوم إلقاء الخطاب دون التشاور مع رئيس الجمهورية.
ويوضح المؤلف، كيف استطاع «السيسى» إجهاض خطة عزله والقبض عليه هو وقادة الجيش والأجهزة الأمنية والإعلاميين والصحفيين وقادة جبهة الإنقاذ وشباب «تمرد» فى ذلك الوقت.
وصلت معلومات إلى القائد العام للقوات المسلحة تفيد بأن جماعة الإخوان أعدت مخططاً لاعتقال القيادات المهمة فى البلاد من قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين وإعلاميين.
كانت الخطة تقضى بالتنفيذ أثناء خطاب «الرئيس» مرسى الذى سيلقيه مساء السادس والعشرين من يونيو، أى قبل الموعد المحدد للمظاهرات العارمة بنحو أربعة أيام.
{long_qoute_1}
عقد القائد العام الفريق أول عبدالفتاح السيسى اجتماعاً مع أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة، وكانت خطة المواجهة وإجهاض المخطط الإخوانى تقضى بنشر قوات الجيش وآلياته فى جميع المناطق الحيوية للبلاد، تحسباً لأي تطورات غير متوقعة.
وبالفعل، فى الفترة من الخامسة إلى الثامنة من صباح السادس والعشرين من يونيو كانت القوات قد أكملت مهمتها فى الانتشار، وأمسكت بالأماكن والمنشآت الحيوية فى البلاد.
كانت المعلومات التى توصلت إليها الجهات المعنية تقول إن محمد مرسى وجماعته قد أعدوا قرارات تقضى بعزل الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام ووزير الدفاع والإنتاج الحربى، ورئيس الأركان الفريق صدقى صبحى، و35 قيادة عسكرية أخرى، وأيضاً عزل واعتقال كل من اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، ورئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، واللواء خالد فوزى رئيس جهاز الأمن القومى، واللواء خالد ثروت رئيس جهاز الأمن الوطنى، وعدد كبير من السياسيين، ونحو 36 إعلامياً، والإعلان عن ثورة جديدة فى مواجهة ما كان يسميه محمد مرسى بالدولة العميقة.
وكان «مرسى» يدرك أن الأجهزة الأمنية لن تلتزم بالتنفيذ، فعهد بذلك إلى اللجان النوعية الإخوانية المسلحة التى تم تسليمها كشفاً بأسماء المطلوبين، بينما كانت عملية القبض على القادة العسكريين والأمنيين سوف تتم فى أعقاب انتهاء خطاب «مرسى»، بينما يُعهد إلى آخرين بتسلم مواقعهم فى نفس الوقت.
وقد قضت الخطة بأن تتولى هذه المجموعات الإخوانية التنفيذ، مرتدية الملابس العسكرية وملابس الشرطة، منعاً لحدوث أى ردود فعل فى المقابل.
قبلها بأيام قليلة كان بعض مساعدى الرئيس قد بدأوا فى إجراء اتصالات بعدد من قادة الجيش بهدف استقطابهم، فاتصلوا بالفريق صدقى صبحى رئيس الأركان، واللواء أحمد وصفى قائد الجيش الثانى، واللواء توحيد توفيق قائد المنطقة العسكرية المركزية فى ذلك الوقت، بزعم التشاور حول مستقبل البلاد، فكانت الإجابة واحدة: مصر ليس فيها سوى وزير واحد للدفاع اسمه الفريق أول «عبدالفتاح السيسى». {left_qoute_1}
لقد فوجئ محمد مرسى بانتشار كتائب القوات المسلحة فى شتى أنحاء البلاد صبيحة يوم السادس والعشرين من شهر يونيو، فأدرك أن انتشار الجيش يمثل خطراً على خطة جماعته بالعزل والاعتقال.
حاول «مرسى» خداع القائد العام، فأرسل إليه يطلب مقابلته فى قصر القبة فى تمام الحادية عشرة من صباح الأربعاء 26 يونيو، أى فى نفس يوم إلقاء الخطاب.
كان «السيسى» يدرك أن خطة الخداع قد بدأت، إلا أنه قال: ربما يكون «مرسى» قد راجع نفسه، فحاول إنقاذ المركب فى اللحظات الأخيرة قبل أن يغرق بمن فيه. وعلى مدى ساعتين دار حوار جدلى بين الطرفين من الحادية عشرة حتى الواحدة من ظهر نفس اليوم، تم التوصل فى نهايته إلى ضرورة أن يتضمن الخطاب خمس نقاط أساسية، هى: إقالة حكومة هشام قنديل وتكليف شخصية مستقلة لتشكيل الحكومة الجديدة دون تدخل من الرئيس أو جماعة الإخوان، وإقالة المستشار طلعت إبراهيم النائب العام المعين، والطلب من المجلس الأعلى للقضاء ترشيح نائب عام جديد وفقاً للشروط المنصوص عليها فى الدستور وقانون السلطة القضائية، والإعلان فوراً عن تشكيل لجنة للتعديلات الدستورية، على أن يتعهد الرئيس بضمان تنفيذ التعديلات المقترحة، وإنهاء عمل اللجنة فى فترة زمنية لا تزيد على شهر من تاريخ تشكيلها، وأيضاً موافقة الرئيس على إجراء استفتاء شعبى حول مطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتأكيد على حيادية الرئيس ومؤسسة الرئاسة بين جميع المصريين دون انحياز لفصيل على حساب الآخرين، باعتبار أن الرئيس هو رئيس لكل المصريين وليس فقط ممثلاً لتيار جماعة الإخوان، والدعوة إلى تحقيق المصالحة الوطنية بين جميع أبناء الشعب والتوقف عن تصفية الحسابات مع المعارضين.
وبعد انتهاء المقابلة تم الاتفاق على أن يكلف القائد العام شخصية عسكرية مرموقة، هو الفريق عبدالمنعم التراس قائد قوات الدفاع الجوى، بالتواصل مع طارق خليل، أحد مستشارى الرئيس مرسى والقيادى بجماعة الإخوان، لإعداد مضمون الخطاب الذى سيلقيه الرئيس مساء اليوم ذاته فى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر، وقد تم الاتفاق على أن يلتقى الطرفان فى الخامسة مساء، أى قبل أن يلقى الرئيس خطابه بقليل لقراءة المسودة الأخيرة للخطاب فى ضوء الاتفاق الذى جرى بين رئيس الجمهورية والقائد العام. وفى هذا اليوم، كنت قد كتبت مقالاً بجريدة «الوطن» بعنوان: «الجيش يدق على الأبواب» توقعت فيه انحياز الجيش للشعب وتسلم السلطة فى البلاد، ثم تسليمها إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، وفى هذا الوقت حدثنى قائد عسكرى كبير وقال لى: «لا تخف على مصر، الجيش لن يترك البلاد تسقط، ولن يسمح باشتعال الحرب الأهلية».
لقد كان يوم السادس والعشرين من يونيو مفعماً بالأحداث والتطورات السريعة والمتلاحقة، فالمظاهرات والاعتصامات تتصاعد، خاصة بعد صدور حكم محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية الذى طالب صراحة بالقبض على محمد مرسى و34 من قيادات جماعة الإخوان متهمين بالتخابر وارتكاب العديد من الجرائم الجنائية.
وعمت حالة كبرى من الاستياء فى كافة الأوساط العسكرية والمدنية بعد التطاول الذى وجهه الشيخ حازم أبوإسماعيل عندما قال: «إن السيسى تجاوز تجاوزاً شديداً واخترق الدستور اختراقاً بالغاً وارتكب جريمة فى حق البنيان الدستورى الذى أقسم على احترامه»، وكتب على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» يقول: «إذا كان هذا البلد قد بقى فيه من الرجال من يكفى لعزه وكرامته وشرفه أن يُحاسب على ذلك حساباً مشهوداً، ما دام صامتاً ولا يصحح»، وقال: «إن من يقبل خرق الدستور اليوم دون أن تثور كرامته يتجرع المر غداً ولا عذر له».
{long_qoute_2}
وفى نفس هذا اليوم التقت السفيرة الأمريكية «آن باترسون» باللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، الذى رفض كافة ادعاءاتها، وطالبها بالتوقف عن إصدار التصريحات التى تدلى بها، وتمثل تدخلاً فى الشئون الداخلية المصرية، إلا أنها راحت تشير إلى أن واشنطن لن تسمح بحدوث أى انقلاب على ما كانت تسميه بالشرعية والرئيس المنتخب.
فى هذا الوقت، نشرت الصفحة الرسمية لجريدة «الحرية والعدالة» بياناً منسوباً لمصادر مقربة من القصر الرئاسى يقول إن خطاب الرئيس مرسى الذى سيلقيه مساء اليوم سوف يتضمن إجراءات حازمة وقوية أبرزها:
- دعوة الشعب للاستفتاء على إلغاء أحكام المحكمة الدستورية العليا منذ 25 يناير 2011، والتحقيق فى بعض ما نُسب لأعضائها السابقين والحاليين.
- دعوة مجلس الشعب الذى تم حله ظلماً فى إطار تسييس المحكمة للانعقاد.
- إلغاء أحكام المحكمة المتعلقة بالحكم الصادر الذى يمنح رجال الجيش والشرطة حق التصويت فى الانتخابات، ويمنع على القيادات العسكرية الترشح للرئاسة قبل 4 سنوات.
- إحالة 84 قاضياً للتحقيق.
- اعتقال تحفظى لقيادات جبهة «الخراب» ومساعديهم (يقصد جبهة الإنقاذ).
- إصدار أوامر للشرطة بإطلاق الرصاص على أى ملثم يرتدى القناع.
- إغلاق قنوات «الفتنة» (يقصد المعارضة) فى مدينة الإنتاج الإعلامى.
- اعتقال الإعلاميين العاملين فى هذه القنوات.
- التأكيد على تجريم الأحزاب وعلاقتها بالمخابرات الخليجية.
عندما نُشرت هذه المعلومات على الصفحة الرسمية لجريدة «الحرية والعدالة»، الناطقة باسم التنظيم الإخوانى، سادت حالة من الترقب والحذر فى كافة الأوساط، ولم ينفِ أى من المسئولين هذه الأنباء بعد نشرها.
وقد تأكد الكثيرون من صحة هذه الأنباء عندما نشر الموقع الإلكترونى لصحيفة «الوطن» (المستقلة) معلومات نقل فيها عن مصادر عليمة أن «جماعة الإخوان عقدت اجتماعات مغلقة للشُّعَب والمناطق على مستوى الجمهورية خلال الساعات الأربع الماضية، تتضمن خطة التنظيم وحلفائه من الإسلاميين بدءاً من مساء اليوم الأربعاء، 26 يونيو، حتى الثلاثاء التالى للتعامل مع المظاهرات المتوقعة». {left_qoute_2}
وقال الموقع: «إن المصادر أكدت أنه تم إبلاغ هذه القواعد بالتحرك ابتداء من الساعة السابعة مساء اليوم نفسه، وقبل خطاب الرئيس مرسى بنحو ساعتين ونصف الساعة فى جميع المحافظات، خصوصاً أن الرئيس سوف يُصدر قرارات مهمة أقوى من قراره السابق بإقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان».
وقالت المصادر الإخوانية لـ«الوطن» إن «التعليمات تتضمن حشداً قوياً فى قاعة المؤتمرات أثناء خطاب الرئيس، وأيضاً تنظيم مسيرات أخرى حاشدة بالتعاون مع الإسلاميين فى القاهرة والمحافظات الأخرى بهدف السيطرة على الميادين الرئيسية».
وأوضحت المصادر أنه «من المرجح أن تشمل القرارات التى سوف يعلنها الرئيس فى خطابه اعتقالات فى صفوف المعارضة والإعلاميين، كما سيكشف الرئيس عن مؤامرة الثورة المضادة ضده، كما سيدعو إلى إجراء استفتاء على حل المحكمة الدستورية»، وأكد المصدر أن «اعتصام الجمعة 28 يونيو الذى ستنظمه الجماعة وحلفاؤها لن يقتصر فقط على مسجدَى رابعة العدوية والرحمن الرحيم، وإنما سيشمل أماكن أخرى لم تحدد بعد».
عندما نُشرت هذه المعلومات أكدت صحة قرار القائد العام بنشر القوات فى العديد من المناطق الاستراتيجية والمهمة.
وفى هذا اليوم كنت قد صرحت فى أكثر من وسيلة إعلامية بأن قائمة تضم 36 إعلامياً وصحفياً، كنت من بينهم، قد صدرت أوامر باعتقالهم بقرار من الرئيس مرسى شخصياً، وأن وزارة الداخلية والمخابرات العامة والجهات الأمنية الأخرى ترفض تنفيذ أوامر الاعتقال، وقد تأكد هذا الكلام من خلال الحديث الذى أدلى به وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم إلى قناة «سى بى سى» فى أغسطس 2013، عندما قال إن «وزارة الداخلية رفضت تنفيذ تعليمات الرئيس بالقبض على بعض الإعلاميين والسياسيين».
لم أكن شخصياً متفائلاً بأن «مرسى» سوف يستجيب لنصائح «السيسى»، وأنه سوف ينفذ التعهدات التى قطعها على نفسه أمامه، خاصة أن الرئاسة كانت قد أصدرت بياناً قبل خطاب «مرسى» بيوم واحد نفت فيه تصريحاً منسوباً للدكتورة باكينام الشرقاوى، مساعد الرئيس للشئون السياسية، بشأن اعتزام الرئيس مرسى الإعلان فى خطابه الأربعاء عن دعوة الناخبين للاستفتاء حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
• • •
فى نحو الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم، كان وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم قد وصل إلى قاعة الاستقبال الرئيسية حتى يكون فى استقبال رئيس الجمهورية. وفور وصوله استقبله المهندس أبوالعلا ماضى، رئيس حزب الوسط، المتحالف مع جماعة الإخوان، وبادره بالقول:
- يا سيادة الوزير، يعنى إيه قصدك من وراء كلامك بأنك ستحمى المظاهرات السلمية ومش هتحمى مقرات الإخوان؟ عموماً كل واحد بياخد موقف هيتحاسب عليه.
نظر الوزير إلى «أبوالعلا ماضى» وقال له بلهجة حاسمة: «لا انت ولا غيرك هيعرّفنا شغلنا»، ثم تركه ودخل إلى قاعة الاستقبال.
وبعد قليل وصل إلى القاعة قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، وكان الكل متحفزاً، وكانت القاعة محتشدة بعناصر الإخوان التى لا تتوقف عن الهتاف والاستفزاز.
فوجئ الإخوان بقوات المظلات والصاعقة تحيط بقاعة المؤتمرات من كل اتجاه، كانت تلك إشارة لكل من يعنيهم الأمر، وكان محمد مرسى يدرك أن الجيش قد وضعه فى موقف صعب، غير أنه سيفاجئ الجميع، خصوصاً الفريق أول عبدالفتاح السيسى، بمضمون ما سيحويه الخطاب.
• • •
فى الخامسة مساء، حيث الموعد المحدد انتظر الفريق عبدالمنعم التراس اتصالاً من طارق خليل، أحد مستشارى الرئيس مرسى، للاطلاع على المسودة النهائية لخطاب الرئيس، لكن ذلك لم يحدث.
كان مكتب إرشاد جماعة الإخوان قد منع حدوث هذا اللقاء بعد أن بعث برسالة تتضمن النقاط التى يتوجب على الرئيس مرسى أن يركز عليها فى خطابه، وأن يتغاضى عن وعده الذى منحه للفريق أول عبدالفتاح السيسى.
وقد كشفت عن مضمون هذه الرسالة فى حديث تليفزيونى قبيل أن يلقى «مرسى» خطابه بقليل، فجاء الخطاب بنفس مضمون الوثيقة التى كشفت عنها على الهواء مباشرة.
لقد تضمنت مسودة الخطاب التى أعدها فريق من الباحثين الإخوان، عناوين مهمة أبرزها:
- الرد على الحملات الإعلامية الموجهة ضد الرئيس.
- توجيه انتقادات حادة إلى ما سمته الوثيقة بـ«جبهة التخريب» (تقصد جبهة الإنقاذ).
- كشف مؤامرات رموز النظام السابق ضد الرئيس.
- توضيح حقائق الموقف الاقتصادى الحالى.
- كشف مؤامرات بعض الدول الخارجية ضد مصر.
- رفض تقديم أى تنازلات تتعلق بشرعية الرئيس.
- الوعد بالالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
- التركيز على الأسباب الحقيقية لأزمة البنزين والسولار.
- التحدث بإسهاب عن تاريخ الرئيس ومسيرته الحياتية بطريقة عاطفية.
- التحذير من خطورة مظاهرات 30 يونيو والتهديد بمحاسبة المتورطين.
- طرح خطط واضحة للسيطرة على الأمن فى مصر.
- التأكيد على تبنى خطة للمشاريع المستقبلية.
• • •
بمجرد دخول اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، إلى قاعة المؤتمرات الكبرى، اشتعلت الهتافات المعادية له ولرجال الشرطة من قبَل عناصر جماعة الإخوان. نظر الوزير إلى الصف الخلفى فوجد عدداً من زملائه الوزراء الإخوان، فطلب منهم إسكات هذه الأصوات ووقف الهتافات وإلا سيضطر للخروج من القاعة، وما هى إلا ثوان معدودة حتى استجاب الذين كانوا يرددون الهتافات والتزموا الصمت بعد صدور التعليمات إليهم.
وبعد قليل دخل إلى القاعة رئيس الوزراء هشام قنديل ومعه القائد العام ووزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وقد لوحظ غياب د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس الثانى عن هذا اللقاء، رغم توجيه الدعوات لهما.
كان الغياب متعمداً، حيث تعرّض البابا لإهانات وانتقادات عديدة من رموز الجماعة والسلطة، كما أن شيخ الأزهر كان يعرف أن هناك مؤامرة لإبعاده من مشيخة الأزهر.
• • •
عندما دخل الرئيس مرسى إلى قاعة الاحتفال ردد الحاضرون هتافات التأييد، وطالبوه بإجراءات حاسمة ضد معارضيه، نظر إليهم نظرة لا تخلو من معنى وابتسم، ثم اتجه إلى حيث المنصة لإلقاء خطابه.
بدأ الرئيس مرسى خطابه بكلمات غير مترابطة وعبارات غير مفهومة، استخدم فيها لغة استفزازية متوعداً منذ البداية كل معارضيه بالويل والثبور وعظائم الأمور.
لقد حوى الخطاب أكاذيب وادعاءات وتزييفاً للحقائق دفع البعض إلى القول إن «محمد مرسى لو شاهد خطابه مرة أخرى، فحتماً سينزل معنا مظاهرات 30 يونيو للمطالبة برحيل محمد مرسى».
وحصل النائب العام (السابق) المستشار عبدالمجيد محمود على نصيب وافر من الهجوم، حيث اتهمه واتهم النيابة العامة فى عهده بأنها لم تجتهد فى تقديم الأدلة فى قضايا 25 يناير، ولذلك حصل الكثير من الضباط والمتهمين على أحكام بالبراءة، وحمّله مسئولية فشل قضية مبارك بزعم أنه لم يقدم تقرير لجنة تقصى الحقائق، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، غير أن «مرسى» تجاهل فى ذلك الوقت أن النيابة العامة قدمت تقرير تقصى الحقائق إلى المحكمة.
فى هذا الوقت كنت موجوداً على شاشة قناة «دريم» للتعليق على خطاب محمد مرسى، وقد تدخل المستشار عبدالمجيد محمود ليؤكد أن النيابة العامة سلمت تقرير تقصى الحقائق إلى المحكمة، وأن «مرسى» يتجاهل الحقائق ويدّعى ادعاءات زائفة.
واتهم «مرسى» أيضاً فى خطابه المستشار عبدالمجيد محمود بأنه وراء غياب الأدلة فى قضية موقعة الجمل، ولذلك حصل المتهمون جميعاً على البراءة فيها، رغم أنه يعلم أن النيابة العامة لم تكن لها علاقة من قريب أو بعيد بهذه القضية، وأن هناك قاضى تحقيق عُيّن بقرار من وزير العدل هو الذى تولى التحقيق فى هذه القضية من البداية إلى النهاية، وهو الذى تولى تقديمها إلى هيئة المحكمة.
ولقد سخر «الرئيس» (المعزول) مرسى من لجوء النائب العام الشرعى إلى محكمة النقض لإنصافه والاعتراض على قرار عزله، واعتبر أن ذلك يُعد انقلاباً على الشرعية.
وتحدّث محمد مرسى عن الفريق أحمد شفيق، وكان حديثه يعكس غلاً وحقداً وخوفاً ورعباً من احتمالية عودته إلى مصر فى 30 يونيو كما سبق أن تردد.
فى هذا الخطاب راح محمد مرسى يسبق القضاء ويوجه الإدانة إلى الفريق شفيق، وقال إنه مدان فى قضايا أرض الطيارين. والأدهى والأغرب أنه جاء بقضية جديدة لا يعرف أحد عنها شيئاً، ولم نرَ لها وجوداً فيما بعد، وهى ما سماه مرسى بصفقة شراء طائرات «البوينج»، وقال فى هذا الخطاب إن «أحمد شفيق اشترى صفقة الطائرات بأسعار أعلى بكثير من أسعارها الحالية». وكانت نقطة الخطر فى هذا الخطاب عندما راح محمد مرسى يوجه الاتهام إلى القاضى «على النمر»، وهو من ضمن هيئة المحكمة التى كانت تنظر قضية الفريق شفيق بأنه قاضٍ مزور، دون سند أو دليل، حيث ادعى أنه رأى بأم عينيه عندما كان مرشحاً فى انتخابات 2005 التى لم يفز فيها، كيف كان هذا القاضى يقوم بتزوير الانتخابات لصالح منافسه بنفسه شخصياً.
لقد قيل إن محمد مرسى علم فى هذا الوقت أن المحكمة التى كانت تحاكم أحمد شفيق فى قضية الطيارين كانت ستصدر حكمها فى العشرين من يونيو بتبرئته من الاتهامات التى أُلصقت به، وأنه لهذا السبب سعى إلى ابتزاز هيئة المحكمة.
كان «مرسى» يشيد بالقضاء فى خطابه، وبعد ثوانٍ يشكك فى أحكامه ويتهم قضاته باتهامات كاذبة، ونسى أنه هو الذى استباح حرمة القضاء بالإعلان الدستورى الذى أصدره فى 22 نوفمبر 2012، وأنه هو الذى أعطى الضوء الأخضر لحصار المحكمة الدستورية العليا وإهانة قضاتها وخالف أحكامها.
ولم يتوقف «مرسى» فى خطابه عند هذا الحد، بل راح يردد نفس مقولات جماعة الإخوان التى ينتمى إليها، فاتهم الإعلام بأنه «فاسد» وأنه سبب كافة الأزمات المجتمعية، وأنه يتحمل مسئولية انهيار السياحة، لأنه على حد زعمه يدفع بكاميراته إلى المناطق الأثرية وتصويرها خالية من السياح.
وحذر «مرسى» فى هذا الخطاب الصحفيين والإعلاميين، ووجّه لهم إنذاره الأخير، وقال «كفاية سنة»، وأعلن أن وقت الحساب قد حان، وقبيل أن ينهى جملته، انطلق نفر من عشيرته يهتفون: «ربيهم يا ريس»، على نمط شعارهم الذى أطلقوه أثناء حصارهم للمحكمة الدستورية العليا فى نوفمبر 2012: «إدينا الإشارة.. نجيبهم لك فى شيكارة».
ونال رجل الأعمال محمد الأمين، رئيس مجلس إدارة قنوات «سى بى سى» وجريدة «الوطن» المستقلة، بالتهرب من الضرائب، وكانت تلك إشارة لمنعه من السفر على الفور، وكذلك التحريض ضد أحمد بهجت، رئيس مجلس إدارة قناة «دريم»، ثم كشف عن حقيقة أهدافه من وراء سلسلة التحريض عندما قال: «يا ريت ساكتين، إنما عاملين قنوات فضائية علشان تشتمنا».
وتعمد «مرسى» فى خطابه الإساءة إلى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، لمجرد أن «مكرم» عبّر عن رأيه فى هذا النظام، كما وصف إحدى الإعلاميات، وكان يقصد «لميس الحديدى»، بأنها «بنت» لم تراع أنه مثل أبيها، وراح يمسك بذقنه فى حركة بهلوانية، كانت موضع سخرية للجميع.
وراح «مرسى» يعاير الصحفيين وتفضّل عليهم عندما ألغى الحبس الاحتياطى فى قضايا سب رئيس الجمهورية وراح يوجه تهديداته إليهم.
وتجاوز «مرسى» الحقيقة عندما تحدّث عن الأوضاع الاقتصادية، والديون، وراح يطلق الأرقام العشوائية، وتجاهل حجم الديون التى زادت فى عهده بدرجة كبيرة.
ووجّه اتهامه إلى أصحاب محطات البنزين والسولار بأنهم السبب فى الأزمة التى كانت تعانيها البلاد، وراح يلقى بالاتهامات على الشعب المصرى وممارساته.
وتحدّث مطولاً عن «الفلول وأعداء الثورة»، وظل يردد هذه المصطلحات مرات عديدة فى خطابه، وراح يتهم النواب السابقين «ممدوح فودة» الدقهلية، و«مجدى عاشور» الشرقية، ونائباً آخر لم يسمه فى المعادى بأنهم يقومون بتمويل المتظاهرين فى شارع محمد محمود وغيره، وأنهم وراء استئجار البلطجية الذين يعادون النظام.
وبلغة مسرحية راح يتهم د. أحمد فتحى سرور وفرقته بأنهم يقفون وراء ما يجرى، وأكد أنه يعرفهم «واحد، واحد»، وأنه سيحاسبهم ولن يتركهم، وروى فى هذا الخطاب عن كمال الشاذلى -الذى توفاه الله- رواية كاذبة تقول إنه واجهه فى مجلس الشعب وقال له: «أنتم مجموعة من اللصوص»، فرد عليه كمال الشاذلى ببرود وقال له: «أنتم ناس أطهار، سيبوا لنا النجاسة»، وهو أمر بالقطع لا يصدق، فقد كان «مرسى» وأمثاله يرتعدون خوفاً من كمال الشاذلى الذى كان معروفاً بقوته وجبروته داخل المجلس.
وكان غريباً أن يشيد بالشرطة فى الوقت الذى أطلق فيه أنصاره لمحاصرة مقر الأمن الوطنى بمدينة نصر، الذين لا يتوقفون عن توجيه الانتقادات إلى رجالها، وانتقاد الأحكام القضائية التى تبرئ المتهمين من رجال الشرطة فى الأحداث التى تلت ما جرى فى «ثورة» الخامس والعشرين من يناير.
وردد فى خطابه أكثر من مرة أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأنه صاحب القرار فى أمورها، وأن الفريق أول السيسى ينفذ تعليماته، وأن هناك متآمرين يحاولون الإساءة للعلاقة بين مؤسسة الرئاسة وبين القوات المسلحة.
كان «مرسى» فاقد الأعصاب، انتقامياً. لقد سعى فى هذا الخطاب إلى تشويه خصومه، والإساءة إلى مؤسسات الدولة جميعاً، بل سبّ الشعب المصرى وتعمد الإساءة إليه.
لقد تحدّث وكأنه الحاكم «الإله»، يصدر الأحكام كيفما يشاء، وكاد يشعل البلاد ناراً عندما قال: «خلال أسبوع أطلب من جميع المسئولين إقالة المتسببين فى الأزمات».
ووضحت مخاوفه جلية عندما راح يطلب من القضاء حبس جميع خصومه، ويتساءل: لماذا لم يلق القبض على اللواء محمود وجدى وزير الداخلية الأسبق فى موقعة «الجمل»، ويتوعد الذين حصلوا على البراءة بالمطاردة حتى آخر العمر!!
كان «السيسى» فى هذا الوقت، يبتسم فى حزن، يضع يده على خده، وكأنه يقول: «وأين اتفاقنا الذى جرى صباح نفس اليوم»، الآن أدرك أنه لا فائدة، ولا أمل.
• • •
كانت القوات المسلحة قد أكملت انتشارها حول مبنى قصر المؤتمرات الذى ألقى فيه مرسى خطابه على مدى ساعتين ونصف الساعة من الزمان. كنت أتابع الخطاب من على شاشة قناة «دريم» انتظاراً للتعليق عليه، وقد أصابتنى موجة من الضحك والسخرية فى هذا الوقت بدءاً من «الواد أبوسكينة وانتهاء بعاشور بتاع الشرقية»!!
كان الشارع المصرى يتابع الخطاب بدهشة شديدة، وكان التعليق الوحيد الذى انطلق فى هذا الوقت «الراجل اتجنن»، بينما رفع المتظاهرون الذين كانوا يوجدون أمام مبنى وزارة الدفاع منذ الحادى والعشرين من يونيو شعار «ارحل»، وراحوا يرددون الشعار بكل قوة حتى صباح اليوم التالى.
وقد اشتعل الغضب فى ذلك الوقت فى نفوس قضاة مصر، حيث دعا المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، إلى العديد من الاجتماعات الطارئة للرد على اتهام «مرسى» لأحد القضاة بالتزوير.
وازداد الموقف لهيباً عندما بدأت عملية إرهاب القضاة، حيث تم إحالة 32 قاضياً للتحقيق بتهمة تزوير انتخابات البرلمان دورتى 2005 و2010.
وقد أمر النائب المعين طلعت إبراهيم عبدالله فى اليوم نفسه بتشكيل لجنة لحصر جميع القضايا والبلاغات غير المعتبرة بنيابة أمن الدولة العليا تمهيداً لاستئناف التحقيقات فيها، وعرض نتائجها على الرأى العام فى حينه.
وهكذا بدأت البلاد تدخل إلى مرحلة الصدام المباشر وتصفية الحسابات، مما كان ينذر بأن يوم الثلاثين من يونيو حتماً سوف يضع نهاية لكل هذا الظلم، ويُنهى إلى الأبد حكم الجماعة.
وعندما تساءل الناس فى ذلك الوقت: ولماذا يحضر «السيسى» هذا الخطاب؟ وتخوفوا من أن يشكل ذلك دعماً لحكم «مرسى»، رد متحدث عسكرى بالقول: «إن حضور القائد العام كان بروتوكولياً، وإن حضوره لا يعنى الموافقة على خطاب مرسى الخطير، الذى آثار ردود فعل كبيرة».
وقد اطمأن الناس كثيراً بعد هذا التصريح الذى فهمه الجميع بما يفيد بأن القوات المسلحة لن تتخلى عن الشعب فى ثورته.
لقد تلقيت فى ذلك اليوم رسالة هاتفية من أحد كبار الضباط يطلب منى عدم المبيت فى منزلى، لأن قراراً صدر باعتقالى أنا وعدد آخر من الإعلاميين، وأن عناصر من جماعة الإخوان هى التى ستتولى عملية القبض علىّ فى منزلى.
ساعتها قلت له: لن أغادر منزلى مهما حدث، وأنا سأبقى متحفزاً فى الانتظار.
قال المسئول الأمنى: طيب.. خلى بالك من نفسك.
تأملت المشهد فى هذا الوقت، جمعت زوجتى وأولادى فى لقاء خاص، وقلت لهم: من الآن انسونى، صحيح أننى لم أترك لكم شيئاً، ولكن عندما يتعرض الوطن للخطر علينا أن ننسى أنفسنا وبيوتنا، ونرتدى «الكاكى» للدفاع عن مصر.
رأيت القلق على وجه زوجتى وأبنائى، كانوا يعيشون ذات الحالة، وكنا على يقين أن يوم الثلاثين من يونيو هو يوم فاصل فى تاريخ مصر، فإما نكون أو لا نكون!!