مأساة «سارى» مع «التسمم»: «كعب داير» بين «أبوالريش والسموم»

كتب: رحاب لؤى

مأساة «سارى» مع «التسمم»: «كعب داير» بين «أبوالريش والسموم»

مأساة «سارى» مع «التسمم»: «كعب داير» بين «أبوالريش والسموم»

زيارات عديدة اعتاد محمد عادل أن يقطعها بصحبة صغيره «سارى» إلى إحدى العيادات الخاصة، حيث يتلقى الطفل ذو العامين علاجاً لمشكلة تتعلق بالعضلات، يتضمن حقنه بأحد العقارات الألمانية المستوردة فى عضلات قدمه: «ابنى اتحقن بالدواء يومين وفى اليوم التالت بدأت تظهر أعراض غريبة عليه، ارتخاء عام فى عضلات جسمه، خلانا رجعنا للدكتور وفوجئنا بالرد إن الأعراض مالهاش علاقة بالدواء وإنه بيستخدمه من سبع سنين وعمر ما حصل معاه مشكلة مماثلة ونصحنا نزور دكتور أطفال».

نصيحة مضللة دفعت الأسرة إلى رحلة عذاب طويلة بدأت بزيارة فعلية لطبيب أطفال قام بوصف مضادات حيوية وأدوية للصغير لم تفلح مع الأعراض التى بدأت تتوحش وتنهش فى جسد «سارى» الذى بدأ فى فقدان القدرة على تحريك كل من يده وقدمه فضلاً عن فقدان القدرة على البلع نهائياً وصعوبة واضحة فى التنفس. مسألة دفعت طبيب الأطفال فى اليوم التالى إلى نصحهم بضرورة التوجه إلى «أبوالريش» لتفاجئهم الطبيبة التى دخلوا إليها عقب ساعة كاملة «أنا ماشُفتش حالة زى دى قبل كدا؛ استنوا الاستشارية». وقت مضى ثقيلاً على الأبوين أمام حشرجة أنفاس صغيرهما لتصدمهم بالإجابة: «عندى اشتباه بتسمم بوتيوليزم أو تسمم سجقى الشهير بتسمم الفسيخ»، ووجهتنى لمركز سموم «قصر العينى».

{long_qoute_1}

مسافة بدت قصيرة بين أبوالريش ومركز السموم دفعت الرجل إلى الركض مع عائلته الصغيرة صوب النجاة كما رآها إلا أن الطبيبة التى استقبلتهم فى المركز بدت حائرة: «ممكن يكون تسمم فعلاً والمصل مش موجود عندنا، انت اتفضل اتصل برقم الطوارئ لوزارة الصحة وتبلغهم أن عندك تسمم بوتيوليزم وهم هيتصرفوا». سارع الأب إلى الاتصال ليفاجئه الرد: «مفيش حاجة زى كدا يا أستاذ.. المستشفى هو اللى بيبلغ بالحالة مش المواطنين»، ليعود للطبيبة التى ضللته من جديد «ارجع أبوالريش خليهم يطلبوا لك المصل».

رحلة عودة بالصغير إلى أبوالريش دفعتهم لمزيد من التخبط: «فى أبوالريش قالوا مانقدرش نبعت نقول عاوزين مصل اللى يبعت بتوع قصر العينى، إحنا مش متخصصين»، ليعودوا من جديد إلى المركز حيث انتهت نوبتجية الطبيبة وجاء آخر أخبرهم: «الولد عنده صعوبة شديدة فى التنفس، هيحتاج يتحط على جهاز تنفس ونشوف هنعمل إيه؟».

هكذا تنفسوا الصعداء وقام الوالد بالعودة إلى أبوالريش من أجل التقاط بعض الأغراض التى نسيتها زوجته فى خضم الرعب، لكنه فوجئ لدى عودته بزوجته تبكى على الرصيف حاملة صغيرهما: «الدكتور قال دا مش تسمم بوتيوليزم دا فيروس دخل المخ، اعرضوه على استشارى مخ وأعصاب، ليعودوا من جديد إلى أبوالريش وتندلع مشادة بين الأب المكلوم والأطباء فى المستشفى حيث بدأ فى مطالبتهم بإنقاذ صغيره الذى بدا بين الحياة والموت، ليتدخل بعض الممرضين بالنصيحة الوحيدة الصادقة التى تلقاها منذ بداية الأزمة: «روح مستشفى خاص حطه على جهاز التنفس الأول وبعدين شوف عنده إيه وعالجه، الولد ابتدى يزرق وأبوالريش ومركز السموم مفيهمش مكان»، هكذا سارع بعائلته إلى أحد المستشفيات القريبة التى قضى بها سبع ساعات مقابل ثلاثة آلاف جنيه حيث تأكدت إصابته بالبوتيوليزم ليقرر الأب اللجوء أخيراً إلى «فيس بوك» برسالة استغاثة كتب فيها: «بعد إذن حضراتكم ابنى عنده تسمم سجقى- تسمم بوتيولزم، ومعرض للشلل والوفاة محتاج مصل النهارده مش موجود غير فى وزارة الصحة ومابيتصرفش غير بمعرفتها المباشرة، مركز سموم الدمرداش وقصر العينى المختصين بالأمر مفيش فيهم مكان لاستقباله، رجاء المساعدة، وشير، لو سمحتم». استغاثة تلقت استجابة سريعة وواسعة للغاية لتبدأ الاتصالات الرسمية بالأب الذى لم يلبث أن كتب عقب ساعات تحديث للاستجابة: «الحمد لله بمساعدتكم (سارى) تلقى جرعة من المصل المطلوب وتحت الرعاية بمركز سموم الدمرداش لحين تحسن وظائف التنفس واستعادة القدرة على تناول الطعام والشراب».

 

الاستجابة التى جاءته سريعة عقب نشر قصته على موقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك) تمثلت فى اتصال مباشر من الدكتورة هناء أبوالسعود، مدير وحدة الوبائيات والترصد بوزارة الصحة، حيث سارعت بتوفير المصل ووجهت الأب إلى مستشفى السموم فى الدمرداش حيث استقبله الجميع وسارعوا لإنقاذ حالة الطفل سارى بمن فيهم مدير المركز، هو ذاته المركز الذى تواصل معه الأب قبلها بساعات وأكدوا له أنه لا يوجد مكان للطفل هناك وقتها.

لم يتحسن «سارى» كلياً بعد: «الولد دلوقتى أحسن بس مرجعش لحالته الطبيعية، هياخد وقت، رجله لسه مش بتتحرك، وإيده بتتحرك بطريقة صعبة شوية، فيه تدلى فى رقبته وارتخاء عام فى عضلات جسمه، وعايش على السوايل فقط».

تواصل جاد من الوزارة لمحاولة التعرف على قصة «سارى» من البداية لكشف سر إصابة طفل عمره عامان بتسمم الفسيخ: «تواصلوا معايا، كانوا عاوزين يعرفوا الدكتور اللى رُحت له وبعتوا مفتشين فى وزارة الصحة لعيادة الدكتور اللى حقن سارى، كلهم كانوا بيدوروا على الخيط، وعرفت إن فيه تحقيقات حاصلة فى الأمر».

لم يلبث الوالد أن اكتشف السبب بجلاء: «تسمم الفسيخ موجود فى حقن البوتوكس اللى كان ابنى بيتحقن بيها لكن خاملة، بتتحول لسم حقيقى فى بعض الحالات وبتبقى خاملة فى حالات أخرى، لكن الملاحظ إنى شُفت بعينى وسمعت عن قرابة الـ8 حالات عندهم نفس المشكلة من نفس الحقن». معلومة بدت حقيقية للغاية حيث قامت الصفحة الرسمية للسموم الإكلينيكية، عبر «فيس بوك» بنشر تحذير من حقن «NEUROXIN 100» الألمانية المستوردة، مرفق بصورة للمنتج نصه: «تحذير هام، ظهر هذا المنتج حديثاً فى سوق الدواء المصرى، نيروكسين يحتوى على مادة البوتوكس التى تحقن فى العضلات لأغراض التجميل والتغلب على التجاعيد وفى بعض الأمراض العصبية التى تسبب تشنج العضلات فى الأطفال والكبار لتقليل الألم وانبساط العضلات لمساعدة المرضى على الحركة، لكن للأسف الشديد هذا المنتج أدى إلى أعراض جانبية شديدة فى حالات كثيرة حضرت إلى المركز القومى للسموم بطب القاهرة، على مدار الأيام القليلة الماضية، حيث ظهرت على المرضى أعراض «البوتيوليزم»: ضعف فى عضلات الجسم وارتخاء فى عضلات الجفن وصعوبة شديدة فى البلع والكلام، تم حجزهم تحت الملاحظة خوفاً من امتداد هذا الضعف إلى عضلات التنفس والتعامل مع الحالات بالمصل المضاد».

نهاية بدت سعيدة للأب ومُرضية أيضاً: «الناس دى ليها الفضل بعد ربنا فى إيجاد مكان لعلاج سارى وتوصيل المصل ليه ومتابعة حالته، دكتورة هناء زارته بنفسها ود.محمود كان بيزوره يومياً، وكان فيه أطباء بتنسق معايا لحد ما وصلنا لشكل الحقنة اللى سببت التسمم ونزلوا معايا جابوها عشان يعملوا تحذير، ودكتورة هناء نزّلت مفتشين لجمعها من مخازن الشركة». مع ذلك قرر الأب أن يتحرك على مستواه الشخصى فى مسار مقاضاة الشركة المنتجة للعقار: «اللى أنا شايفه إن فيه شركة ألمانية صنعت عقار كسبت منه ملايين وكلفتنا ملايين عشان نعالجه، كحكومة ومواطنين، والنتيجة صفر، بدأت أجمع المتضررين من نفس العقار لأن منهم ناس تانية من أسوان ومحافظات تانية، وهنحرك قضية ضد الشركة ونتمنى انضمام الدولة لينا عشان تسترد حقها عن المال العام اللى تم إنفاقه بسبب أدوية فاسدة».


مواضيع متعلقة