«المستشفى الجامعى»: مياه مقطوعة.. و«الاستقبال» بدون أطباء فى معظم الأوقات

كتب: أحمد عصر وعبدالله مشالى

«المستشفى الجامعى»: مياه مقطوعة.. و«الاستقبال» بدون أطباء فى معظم الأوقات

«المستشفى الجامعى»: مياه مقطوعة.. و«الاستقبال» بدون أطباء فى معظم الأوقات

صرح كبير ذو أبواب متعددة، يدخل إليه المرضى ويخرجون طيلة اليوم بلا توقف، وفى الداخل من البوابة المواجهة لقسم الاستقبال كان المرضى ومرافقوهم يفترشون الطرقات بين مبانى المستشفى المتعددة، يجلس كل منهم بجوار آخر، يتحدث إليه عن مظاهر الإهمال التى عانى منها الأمرين داخل مستشفى أسوان «العام» قديماً، «الجامعى» حالياً.

«الخدمة هنا زى الزفت»، أول ما نطق الستينى «على مبارك» الذى جلس وحيداً أمام قسم العظام، ينعى حظه السيئ الذى صاحبه منذ دخوله المستشفى قبل 3 أيام مضت، من أجل إجراء عملية جراحية فى معصم يده اليمنى: «الميّه مقطوعة من إمبارح العصر على كل المستشفى ولحد دلوقتى ماجتش، ومش عارفين حتى ندخل حمام، وبعد ما كانت العملية بتاعتى مفروض تتعمل إمبارح أجلوها عشان مفيش ميّه، وبصراحة أنا مش عارف إزاى الميه تقطع يومين فى مستشفى كبير زى ده من غير ما حد يفكر يحل المشكلة».

{long_qoute_1}

أزمة لم تكن فى إجراء العملية الجراحية لـ«مبارك» فحسب، وإنما كانت فى استخدامه اليومى للمياه التى لم يجدها: «لما احتجت أدخل حمام وقلت أشوف حمام الاستقبال لقيت الناس عاملة حمام على السيراميك بتاع الأرض، رحت خرجت بره المستشفى اتوضيت وصليت فى الجامع، وكان فيه واحد هيجبّس إيده بعت عياله جابوا من بره جراكن ميّه ولولا كده مكانش جبسها، والموضوع وصل إن العمال فى القسم نفسهم كل شوية يتخانقوا ويضربوا فى بعض عشان الميّه، ومفيش حتى مسئول واحد قال لهم كده عيب».

ولم تكن أزمة المياه وحدها سبب «عكننة» الرجل الستينى الذى وضع رأسه بين يديه مستسلماً للوضع الذى فُرض عليه، وإنما كان نقص الأدوية سبباً آخر جعله يعبر عما فى داخله بنبرة غاضبة ويقول: «بيحلبوا الناس هنا وكل اللى بنحتاجه بنجيبه على حسابنا من بره، لدرجة إن فيه واحدة كانت داخلة تعمل عملية طلبوا منها بيروسول، ولما سألت ليه؟ قالوا لها عشان أوضة العمليات بيبقى فيها دبان، ده غير بقا لو محتاجين شاش واحد يطلبوا عشرة وهكذا فى كل حاجة، وطبعاً انت تحت رحمتهم وماتقدرش ماتجبش».

فى الداخل، أمام قسم العناية المركزة، كان حمادة كريم، 28 سنة، جالساً على الأرض مرتدياً عباءته الداكنة فى انتظار موعد الزيارة لأحد المرضى، ليحكى معاناته هو الآخر مع المستشفى قائلاً: «المستشفى الجامعى هنا كل الناس بتكشف فيه عشان كده على طول بيبقى زحمة وده بيخلى فيه إهمال فى حاجات كتير، والواحد بقا يدفع فلوس طول ما هو داخل أو خارج من المستشفى، يعنى الأشعة كانت ببلاش الأول دلوقتى بقت بفلوس، ولو واحد شغال عامل ووقع أو اتكسر مش هيكون معاه فلوس يعمل بيها أشعة وإلا مكانش جه المستشفى هنا». مستشفيات «الغلابة»، هكذا يصنفها الشاب الثلاثينى، إلا أنها لم تعد كذلك، حسب ما قال: «حتى تذكرة الدخول من الاستقبال بقت بخمسة جنيه بعد ما كانت ببلاش الأول، ده غير بقا إن الإهمال اللى بيكون فى الاستقبال ده على طول، وفين وفين لما الدكتور ييجى يبص على المريض اللى مستنيه، ولما نسأل عليه يقولك أصله بيكشف على حد أو بيعمل عملية، وهو أصلاً ممكن يكون قاعد جوه فى الأوضة بتاعته».

{long_qoute_2}

وفى أحد جوانب طرقة قسم الطوارئ، كان العشرينى «محمود حسن» جالساً القرفصاء، ملفوف على يديه «شاش» دلّ مظهر الدم فيه على حداثة الجرح، حيث جاء وبعض إخوته فى حادث سيارة، ليكوّن من خلال كثرة تردده على المستشفى نظرة تبدو هى الأصح من وجهة نظره: «من الآخر المستشفى ده مابيكونش فيه اهتمام بحد غير لو كانت حادثة، ولو واحد داخل يكشف عادى ممكن يفضل مستنى الدكتور بالساعات، وهو اللى يلف يدور عليه فى الأوض كمان، وبيبقى ناقص انت اللى تجيب الدكتور فى إيدك وانت جاى».

مشهد عاشه «محمود» قبل ذلك فى المستشفى، عندما جاء بأخته الصغيرة ليضمد لها جرحاً فى وجهها، إلا أن استقباله وأخته كان بمثابة الصدمة له: «كانت محتاجة خياطة تجميل، ولما جينا هنا الدكتور مكانش قاعد فراح الممرض خبط على أوضته قدامنا وبدل ما الباب يتفتح لقينا تليفون الممرض بيرن والدكتور بيقوله قولهم إنى مش موجود، والمشكلة التانية بقا إنك تلاقى الممرضين هنا بيعاملوا المريض وحش وبيتنكوا عليه وكأنهم بيدونا حاجة من جيبهم».

ويرى الثلاثينى «محمود أبوالعباس»، أحد المترددين على المستشفى، أن شعار «الداخل مفقود والخارج مولود»، ينطبق بشكل كبير على حال المستشفى الجامعى، نظراً لما رآه فيه قبل ذلك، إلا أن الضرورة هى ما تجعلهم يلجأون إليه مراراً وتكراراً: «أبويا كان هيموت هنا لولا لحقناه وخرجناه فى آخر لحظة، هو مريض كلى وجه فى مرة تعب واحتاج عناية مركزة فجبناه هنا، بس للأسف العناية هنا مفيش فيها أى رعاية نهائى، وأنا نفسى كنت بأدخله فى الرعاية، وبأكله بنفسى عشان الممرضات مكانوش فاضيين للمرضى وقاعدين طول اليوم يتكلموا فى التليفون وخلاص، وتلاقى الواحدة فيهم مابتعرفش تدى الحقنة أصلاً، وده لأنهم مفيش أى رقابة عليهم».

مظاهر الإهمال داخل غرف العناية المركزة رآها «أبوالعباس» بعينيه عندما كان يتردد على والده فيها، يصفها قائلاً: «العناية بتاعة المستشفى دى ماتعتبرش عناية، وبيتعاملوا مع المرضى اللى يموت يموت واللى يعيش يعيش، وممكن تلاقى الدم على السراير عادى، ويوم ما أبويا دخل الرعاية بتاعتها أنا قلت خلاص هو مات، ويوم ما خرجنا منها، ممرض صاحبى حلف لى إن دى أول مرة واحد يطلع من العناية سليم».

ولم تكن شكوى الإهمال من قسم العناية المركزة فى المستشفى الجامعى من «أبوالعباس» وحده، وإنما كان للأربعينى «هيثم غريب»، الذى جاء من مركز كوم أمبو لزيارة قريب له، شكواه أيضاً ومعاناته التى عاشها مع ابن عمه عندما دخله: «الدنيا هنا بايظة خالص، لدرجة إنهم ممكن مايعرفوش يشخصوا الحالة، وده اللى حصل معايا لما ابن عمى عمل حادثة وجينا بيه على هنا، دخل العناية المركزة وقعد 15 يوم فيها من غير حتى ما يمسحوا الدم من على وشه، واللى كان معاه فى الحادثة ماكملش يومين ومات، آخر ما زهقنا من الإهمال اللى كنا شايفينه أصرينا إننا ناخده نوديه مستشفى تاني، وقتها مدير المستشفى مرضيش، وقال لنا مش هينفع تخرجوه من عندى لأن المستشفى فيه إمكانيات وفيه دكاترة وخروجكم منه يقلل من كفاءته، وعشان نخرج شرط علينا نكتب تعهد على نفسنا وفعلاً عملنا كده وخدناه فى إسعاف على حسابنا وجبنا دكتور تخدير على حسابنا وطلعنا بيه على القاهرة، وهناك قعدنا يومين وفاق وبقى كويس».

أما السبعينى «محمود مبارك»، فكانت له روايته الخاصة عن شكل آخر من أشكال الإهمال فى المستشفى، يحكى مشاهدها التى رآها بعينيه مرات عديدة داخل المستشفى، حيث انتشار سماسرة العيادات الخاصة للأطباء العاملين بالمستشفى أنفسهم: «ابن عمى رجليه كانت مكسورة ومحتاجة عملية، فجرينا بيه على المستشفى الجامعى، وإحنا واقفين بندور على دكتور لقينا واحد داخل علينا بيقولنا انتو هنا مش هتلاقوا رعاية ومش هيعرفوا يعملوا العملية كويس وممكن يقطعوا له رجليه، وقال لنا تعالوا معايا وأنا أوديكم عند دكتور كويس يعمل له العملية»، لم يكن أمام «محمود» ومن معه سوى الاستجابة لكلام هذا «الغريب» خوفاً منهم على مصابهم: «عشان نعمل العملية عند الدكتور ده اتكلفنا 17 ألف جنيه، واكتشفنا فى الآخر إن الدكتور ده أصلاً دكتور فى المستشفى الجامعى، والكلام ده بقا دلوقتى موجود كتير فى المستشفى وبتلاقى السماسرة موجودين فيه على طول».


مواضيع متعلقة