«لأعلى سعر» بين الدراما والتفاصيل

قبيل رمضان سمعت فى الراديوا نوال الزغبى تصدح بصوت رائع «ملعون أبوالناس العزاز».. أدركت بصمة الدكتور «مدحت العدل» على الفور، من عساه يستطيع أن يساعد الناس على الفطام النفسى والنضج الإنسانى ومعرفة أن الحياة لا تسير بوتيرة واحدة، وهناك الكثير من تضارب المصالح حتى مع أقرب الأقربين، وعرفت بعد ذلك أنها أغنية مسلسل «لأعلى سعر».. المسلسل الذى اجتمعت فيها علامتان للجودة؛ علامة آل العدل وهى أسرة بكاملها أهدت مصر موجة إبداعية فنية تحمل عمقاً ورؤية وحساً بالمجتمع وقضاياه والتغيرات العنيفة التى نمر بها وأثرها على البشر والحجر، ونموذج للعمل العائلى الذى يسهم كثير من أفراد العائلة كلٌ بقدر موهبته لا بقدر أموال العائلة ليخرج لنا فنانون وفنانات وراء الكاميرا يثرون الأعمال بإبداعات كبيرة، وبقدر الرؤية العميقة بقدر اختيار باقى فريق العمل بتميز من إضاءة وصوت وديكور وملابس وغيره من عناصر العمل الفنى.

والعلامة الثانية علامة نيللى كريم التى استطاعت بجدارة أن تحجز مقعدها فى الصفوف الأولى للمشاهدين الذين احترمتهم فبادلوها تقديراً واحتراماً.. «نيللى» لم تكن لافتة للنظر فى بداياتها كفنانة، لكن يبدو أن التجارب الحياتية والألم النفسى خير مدرب، فنضجت إلى حد أصبح أداؤها فى بعض المشاهد يخطف الأنفاس، رعشات يديها، اهتزازات صوتها ونظرات الصدمة والقهر، جميعها تخطف وجدان المشاهد وتؤكد أن المتعة مؤكدة.

كما قدمت عملاً درامياً بديعاً قصة وسيناريو، حمل الكثير من المضامين، واستطاعت هى والمخرج الحفاظ على إيقاع جيد للأحداث، وهو نضال تتضح صعوبته عند المقارنة بأعمال أخرى سقطت فى بئر الرتابة والملل.

لكن هناك العديد من الملاحظات التى قد يتغاضى عن البعض منها من أجل الدراما، والبعض لا يمكن التغاضى عنه من منطلق أن غلطة الشاطر بألف.

ومن هذه الأخطاء جملة من الأخطاء القانونية التى لا يمكن التغاضى عنها فى عمل درامى الجانب القانونى شكل محوراً مهماً من محاور العمل فيه بدءاً من أخطاء حضانة الطفلة التى سقطت عن الأم لتؤول للأب وهو أمر شبه مستحيل، وكان يمكن التعامل معه بإعطائها للجدة قانوناً، ثم تسلم الجدة البنت للأب فى إطار سلوك الأسرة.

أيضاً كل المعاملات القانونية المتعلقة بالمستشفى وهيئة سوق المال والبورصة كانت بحاجة للمراجعة التى يمكن أن تضبط العمل دون الخلل باعتبارات الدراما والإبداع.

أما الملاحظات المتعلقة بالمضمون وتغيير ثقافة المجتمع فقد قدم الدكتور مدحت الكثير من القيم المهمة وفى مقدمتها تشجيع النساء على التحرر والاعتماد على الذات، فطام الأمهات من أولادهن وتحكيم مصلحة الطفل كأولوية أيضاً أثر هذا الفطام على الأم التى رغم الألم من إسقاط الحضانة فإنها بداية جديدة لها.

لكن يظل العتب على الدكتور «مدحت» الذى يحمل قضايا التنوير على عاتقه، والذى دعم المرأة كثيراً، إلا أنه لم يعاقب سوى النساء فى هذا العمل، فرغم الانفلات الأخلاقى لـ«عبلة» و«عبدالله» لكن من كشف وخسر حياته الاجتماعية هى «عبلة» فقط، لكن الدكتور عبدالله نجا بفعلته فى عمله وحياته العملية.

أيضاً جرعة التسامح الهائلة نجت الدكتور «هشام» من أى تبعات لأفعال كارثية اجتماعياً وعملياً لم يدفع أى ثمن، فى الوقت الذى دفعت «ليلى» حياتها ثمناً لأفعاله.