«الشاطبى» مؤسس علم مقاصد الشريعة

«الشاطبى» مؤسس علم مقاصد الشريعة
- الأحكام الشرعية
- الأحوال الشخصية
- الأمة الإسلامية
- التجارة الإلكترونية
- الحساب الفلكى
- العلوم الحديثة
- العلوم الشرعية
- الفكر الإسلامى
- القسم الثالث
- آباء
- الأحكام الشرعية
- الأحوال الشخصية
- الأمة الإسلامية
- التجارة الإلكترونية
- الحساب الفلكى
- العلوم الحديثة
- العلوم الشرعية
- الفكر الإسلامى
- القسم الثالث
- آباء
عاش أبوإسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطى، المعروف بالشاطبى، فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى، فى عهد ملوك بنى الأحمر، ونشأ فى غرناطة وتوفى بها، وكان موطن آبائه مدينة شاطبة، وحين سقطت فى يد ملك إسبانيا «أراقون» لجأت أسرته إلى غرناطة.
كان الشاطبى شغوفاً بالعلم، طالباً له منذ صغره، فجمع أصول العلوم الشرعية واللغة العربية وفنونها والتفسير وأصول الفقه وعلوم الحديث على يد علماء غرناطة والوافدين إليها وتفوق بها، وعاش الشاطبى فى مرحلة تردٍ شديد للمسلمين فى عصره على جميع الصُعد، ورأى أن واجبه الدينى يحتم عليه أن يقوم بواجبه لإصلاح ما يمكنه إصلاحه من المشاكل والأزمات التى أصابت مسلمى عصره، فقد كان مجتمع غرناطة ملتقى للانحرافات الدينية والخلقية التى ساهمت فى سقوط سياسى كبير، كما يقول ابن عاشور فى أعلام الفكر الإسلامى، ويضيف «وفى وسط هذه البيئة المريضة ظهر الشاطبى حاملاً لواء دعوة إصلاحية».
{long_qoute_1}
لاحظ الإمام الشاطبى ما يعانيه علم أصول الفقه من جمود، فقد سيطر عليه المنطق وعلم الكلام ولم يزد شيئاً عن مرحلة التأسيس التى لم يقم بعدها العلماء سوى بالتلخيص والاختصار والشرح، وظل الأمر على ذلك إلى أن جاء الإمام الشاطبى وألّف كتابه «الموافقات فى أصول الشريعة»، الذى يُعتبر بإجماع واحد من أهم التجديدات فى علم أصول الفقه، فقد انتبه الشاطبى إلى الفراغ فى نواحى الأصول المختلفة، يقول «لم يتكلموا على مقاصد الشارع، اللّهمّ إلا إشارة وردت فى باب القياس، عند تقسيم العلّة بحسب مقاصد الشارع وبحسب الاقتضاء إليها، وإنّها بحسب الأول ثلاثة أقسام: ضروريات وحاجيات وتحسينات، مع أن هذا كان أولى بالعناية والتفصيل، والاستقصاء والتدوين من كثير من المسائل التى جُلبت إلى الأصول من علوم أخرى».
لقد عانت الكتابة الأصولية السابقة على «الشاطبى» منذ «الرسالة» للشافعى من جمود كبير، حيث تفتح بالمقدمات وتدور حول الأحكام والأدلة وكذلك الاجتهاد، وتجديد الشاطبى، كما يقول دكتور أبوبكر جيلالى، ينجلى فى القسم الرابع من أقسام محتويات كتابه المقاصد، بحديثه عن مقاصد الشريعة.
كان الإمام الشاطبى، وهو المؤسس والمنظر للمقاصد والذى شهرها، وجعل لها كياناً مستقلاً، وعلماً بارزاً، وكتابه: «الموافقات فى أصول الشريعة» هو العمدة فى مقاصد الشريعة، يعرف علال الفاسى علم مقاصد الشريعة بأنه: (الغاية من الشريعة والأسرار التى وضعها الشارع) وعرفه الدكتور أحمد الريسونى بأنه: (الغايات التى وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد)، وعرفه مسفر (المعانى والحِكم التى راعاها الشارع عموماً وخصوصاً من أجل تحقيق مصالح العباد فى الدارين)، فالمقاصد هى الحِكَم التى مِنْ أجل تحقيقها ولإبرازها فى الوجود خَلَقَ اللّه تعالى الخَلْق، وبعث الرسل، وأنزل الشرائع وكلّف العُقلاء بالعمل أو التَرْك فهى استقراء لمصالحُ المكلّفين العاجلة والآجلة الّتى شُرعت الأحكام مِن أجلِ تحقيقها، وتستخرج باستقراء للنصوص والأحكام الشرعية.
وتنقسم المقاصد إلى ثلاثة أقسام: ضرورية، وحاجيَّة، وتحسينية، فالمصالح أو المقاصد الضرورية، هى التى تكون الأمةُ بمجموعها وآحادها فى ضرورة إلى تحصيلها، بحيث لا يستقيم النظامُ باختلالها، وتلك الضرورات والمقاصد الضرورية للتشريع هى حفظ الدين وحفظ النفس والعقل والمال والأنساب، فهذه الخمسة هى مدار التشريع وعلى الأصولى وعيها وإدراكها واستنباط الأحكام من النصوص فى ضوئها، فلا يجوز استنباط حكم يبيح قتلاً أو مالاً لمواطن لمخالفة ذلك مقاصد الشرع الثابتة.
أما المقاصد الحاجية، بحسب ابن عاشور، فهو ما تحتاج الأمة إليه لتحقيق مصالحها وانتظام أمورها على وجه حسن، بحيث يكون فى عدم مراعاته عدم انتظام لحياة الناس، قال الشاطبى: «هو ما يتسبب غيابه فى التضييق والحرج، فلو لم يراعَ دخَل على المكلَّفين الحرجُ والمشقةُ»، ومثّله الأصوليون بالبيوع والإجارات والمساقاة، ويظهر أن معظم قسم المباح فى المعاملات راجع إلى الحاجى، والنكاح الشرعى من قبيل الحاجى، وحفظ الأنساب، بمعنى إلحاق الأولاد بآبائهم من الحاجى للأولاد وللآباء فللأولاد للقيام عليهم فيما يحتاجون ولتربيتهم النافعة لهم، ومن المقاصد الحاجية إقامة القضاة والشرطة.
والقسم الثالث من المقاصد وهى التحسينية، وهى ما كان بها كمال حال الأمة فى نظامها حتى تعيش آمنة مطمئنة، ولها بهجة فى مرأى بقية الأمم، حتى تكون الأمة الإسلامية مرغوباً فى الاندماج فيها أو فى التقرب منها، فإن لمحاسن العادات مدخلاً فى ذلك سواء كانت عادات عامة، أم خاصة،
لقد قدم الشاطبى طريقة جديدة لفقه النصوص الشرعية، فبدلاً من النظر فى النص ودلالته اللغوية، أراد النظر للواقع واحتياجاته من حيث الضرورة والحاجة والتحسين قبل الإفتاء واستخراج الأحكام، لقد دعا الشاطبى أن تقدم هذه الطريقة فى التفكير على قواعد أصول الفقه التقليدية، كما قال الدكتور عبدالله دراز.
لقد فتح الشاطبى باب التجديد الفقهى على مصراعيه وهبت منه نسمات التغيير التى حاولت إنهاء الجمود والتقليد والاعتياد، وأثار سؤالاً غاية فى الأهمية، أيهما أهم لحسن الفقه العلم بقواعد اللغة العربية أم بمقاصد الشريعة وكلياتها؟ «من عدل ورفق وسلامة النفوس والأموال وحفظ الدين والعقل ومصالح الدنيا».
يقول العلوانى: «وما أكثر ما أصيبت حياتنا العلمية والعملية بأمثال هذه الاختلالات والانقلابات فى القيم والأولويات، كثر الحفاظ وتزايد القراء وضعف الفقهاء الحكماء، وبولغ فى ضبط الرسوم والألفاظ، وضُيعت المعانى والأحكام، وروعيت المظاهر والأشكال، وأُهملت المقاصد والجواهر، وطغت الجزئيات وتنوسيت الكليات، وأُميتت سنن وقُدمت مبتدعات، فهذه قضية كبيرة أمام علماء الإسلام ومفكريه ودعاته، قضية إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة بناء منظومة الموازين والقيم ووضع كل فى نصابه، فقد دعونا ورجونا الاهتمام ودراسة مقاصد الشريعة والعمل على وضع قواعد أو ضوابط لها».
لقد كان التغيير أكبر من أن تستوعبه عقول وأرواح علماء القرون الوسطى، يقول ابن عاشور: «لما اتضحت فكرته واستقامت أصولها، تقدم يعلن بها الناس صريحة جريئة، فقامت فى وجهه ضجة الإنكار، التى لم تسلم منها دعوة من الدعوات الإصلاحية، ولا فكرة من الأفكار المتجددة، فتألب الناس عليه، وآذوه أذى بليغاً»، ويضيف ابن عاشور فى إعلام الفكر الإسلامى: «وظهرت مزية فكره ظهوراً عجيباً فى قروننا الحاضرة، لما أُشكلت على الأمة الإسلامية أوجه الجمع بين أحكام الدين ومستجدات الحياة العصرية، فكان كتاب الموافقات للشاطبى هو المفزع، وإليه المرجع لتصوير ما يقتضيه الدين من استجلاب المصالح، وتفضيل طرق الملاءمة بين حقيقة الدين الخالدة، وصور الحياة المختلفة والمتعاقبة».
لذلك خفت تجديد الإمام الشاطبى فى وقته وحتى عصرنا الحديث، والذى وضعنا تدفق منتجات العلوم الحديثة ومحدودية النص الشرعى فى مأزق كان طوق النجاة فيه الإمام الشاطبى ومقاصد الشريعة، فقد اُستخدم علم المقاصد الذى أسسه الشاطبى فى العديد من الأبواب الفقهية سواء العبادات، أو المعاملات، أو الزواج والعقوبات، أو القضاء والشهادة، أو السياسة الشرعية والإمامة، وكانت تطبيقاته العملية المعاصرة فى العديد من الأبواب والمسائل أمثلة فى باب العبادات إثبات الهلال بالحساب الفلكى، وتوسعة المسعى، وفى مجالات الهندسة الوراثية لجأ إليه العلماء للإفتاء عن حكم الاستنساخ البشرى، والنباتى، والحيوانى واُستخدم بشكل واسع فى المجالات الطبية فى مسائل مثل بنوك المنى، واستئجار الأرحام، استخدام الخنزير فى الهندسة الوراثية، وفى مجال الاقتصاد والبنوك حضر علم المقاصد للرد عن فتاوى حول النقود الائتمانية، وعقود التمويل والخدمات، وغيرها الكثير وتجلى علم المقاصد فى مجالات التقنية الحديثة والتجارة الإلكترونية، والنقود الائتمانية، وما لا يحصى من المسائل وحضر علم المقاصد فى مجال النظام الاجتماعى، والأحوال الشخصية، لقد سيطر علم المقاصد على العلوم الشرعية بشكل كبير وبات كل فقيه ومفتٍ ينطلق منه فى الرد على الناس.