الجد «عبدالباسط»: كنا راضيين بحالنا رغم الفقر

كتب: خالد الغويط

الجد «عبدالباسط»: كنا راضيين بحالنا رغم الفقر

الجد «عبدالباسط»: كنا راضيين بحالنا رغم الفقر

جلس الجد «عبدالباسط محمود خشاب» أمام منزله المشيد من 4 طوابق مبنية بالطوب الأحمر، يتفحص ذلك المبنى وطوابقه، فيعيد إلى مخيلته ذلك البيت البسيط الذى كان مبنياً من الطين، بيت صغير جمعه هو وزوجته وأبناءه الخمسة، بيت ربى فيه فتاة وأربعة أولاد، صار أحدهم ضابطاً يفتخر به، لا يقطع تلك الصورة القديمة للبيت الطينى وأهله إلا صوت لأحد أحفاده الخمسة والعشرين، ينظر إليه وهو يهرول فرحاً بقدوم رمضان، فيستقبله بابتسامة ثم يتركه يمضى ليعود الرجل السبعينى ابن قرية الأحايوة بمركز العسيرات جنوب سوهاج إلى عصر مضى عاش فيه أجمل سنوات عمره، يحكى الجد كيف كانت تمر عليه الأيام فى مثل هذا الشهر الكريم من كل عام، قائلاً «مفيش أجمل من أيام رمضان، زمان كنا نعد الأيام لقدوم الشهر ونستعد بتعليق الزينة فى الشوارع، وكان المشروب المتاح أيامها فى الفطار الكشك، والبوظة»، ويضيف: «الزمن تغير والناس بقت مش بتحب بعض زى زمان، كنا بنسأل على بعض ونزور بعض والمريض نكون جنبه لحد ما يخف من المرض واللى ربنا كرمه بحاجة تفرحه بنفرحله من قلبنا، كان اللى بيشترى بطيخة تبقى أمه داعية له» قالها الجد ضاحكاً، ثم عاد ليتذكر كيف كان الجميع راضين بحالهم رغم الفقر، وكيف كانوا يروون عطش الصيام من ألبان الجاموس الذى يربونه، ثم يتناولون الجبن طيب المذاق الذى كانت تعده أمه ومن بعدها زوجته، يتذكر أياماً يصفها بسنوات الخير، ثم يصمت قليلاً ويقطع صمته ضحكة عالية، ويقول «كنا غلابة بس كنا مبسوطين ولما كبرنا وقعدنا تحت التكييف ركبنا المرض وبقينا كل يوم عند طبيب، ويا ريت الأيام تعود بينا تانى لأنها أيام رغم قسوتها إلا أنها كانت أيام جميلة». يتذكر الجد عبدالباسط عام 1969 جيداً وقبل قدوم شهر رمضان بأيام قليلة أنه كان يسير فى الشارع بصحبة أصدقائه عقب صلاة العشاء، حين كانوا يقومون بتركيب زينة شهر رمضان وفجأة ظهرت فى السماء طائرتان هليكوبتر تابعتان للعدو الإسرائيلى، يروى «عبدالباسط» عندما شاهدنا الطائرتين بدأ الأهالى يطلقون الأعيرة النارية عليهما فى السماء، إحداهما فرت هاربة، ولكن ظلت الثانية تحوم فى سماء القرية، وبعد لحظات فوجئنا بأنها أسقطت صندوق متفجرات تحمله مظلة، أتذكر أن ذلك الصندوق سقط بجوار شريط السكة الحديد». تجمع الأهالى حول ذلك الجسم الغريب الذى ألقته الطائرة، مشهد لا يغادر ذاكرة «عبدالباسط» أبداً، فهو المشهد الذى تبعه انفجار شديد طال الأهالى ليسقط منهم أكثر من 50 شهيداً، بالإضافة إلى عدد من المصابين، لتتحول زينة رمضان إلى سرادقات عزاء فى كل بيوت القرية.


مواضيع متعلقة