عائلة «غطاس المكلومة»: فقدت 7 من أفرادها فى حادث المنيا.. ومشاهد الدم حُفرت فى رؤوس أطفالها

عائلة «غطاس المكلومة»: فقدت 7 من أفرادها فى حادث المنيا.. ومشاهد الدم حُفرت فى رؤوس أطفالها
- أفراد الأسرة
- إطلاق الرصاص
- إطلاق النار
- الاثنى عشر
- الحادث الإرهابى
- الحمد لله
- اللحظات الأخيرة
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بنى مزار
- أبو
- أفراد الأسرة
- إطلاق الرصاص
- إطلاق النار
- الاثنى عشر
- الحادث الإرهابى
- الحمد لله
- اللحظات الأخيرة
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بنى مزار
- أبو
بيت هادئ لم يعرف الحزن له طريقاً منذ أعوام طويلة، مرت عليه الأيام الأخيرة فى شىء من السعادة والفرح للترحاب بهذا القريب البعيد، المنتظر قدومه من الولايات المتحدة الأمريكية بعد غياب دام لسنوات، لم تمر أيام على وجوده بين جنبات بيت عائلة «غطاس»، حتى يقرروا جميعاً مباركة هذه المناسبة الجميلة بزيارة إلى دير الأنبا صموئيل، فى رحلة قصيرة لا يجب أن تستغرق أكثر من ساعات النهار الأولى، يتجمع عدد كبير من أفراد الأسرة فى هذا «المينى باص» المتجه إلى الدير، وسط ابتسامات علت وجوه الكبار من الرجال والنساء، ومرح وبهجة سيطرا على أطفال العائلة الذين ملأوا الأوتوبيس طيلة الطريق ضحكاً ولعباً، حتى كانت النقطة السوداء فى «المدق»، وقبل ثمانية كيلومترات فقط من الدير، هبّت رياح حزن عاتية هدّمت جدران البيت السعيد على من فيه، وأودت بحياة سبعة من أفراده دفعة واحدة.
{long_qoute_1}
«الحقنا يا أخويا فيه ناس بتقتل فينا».. جملة كانت صادمة للثلاثينى كيرلس غطاس حينما وجهها إليه شقيقه الأصغر فى مكالمة هاتفية ظهر فيها صوت بكائه، ليحاول «كيرلس» تهدئته قبل أن يتصل بعدد من أقاربه للذهاب مع أخيه إلى موقع الحادث، تاركاً هو عمله فى مدينة الغردقة، لتستغرق عودته إلى قريته فى مركز بنى مزار بمحافظة المنيا، 3 ساعات كاملة لم يكف فيها عن الاتصال بكل من يستطيع الوصول إليه من أجل الاطمئنان على أفرد الأسرة التى اتجه عدد كبير منها إلى الدير صبيحة هذا اليوم، حسب «كيرلس»، الذى أكد أنهم تحركوا فى السابعة من صباح يوم الحادث متجهين إلى الدير، قبل أن يقطع مجموعة من المسلحين الطريق عليهم بوابل من الرصاص اخترق زجاج الأوتوبيس وإطاراته حتى توقفت حركته وصعد إليه أحد هؤلاء الملثمين موجهاً سلاحه فى وجه من قابلهم، وفق الرواية التى سمعها «كيرلس» من زوجة أخيه الناجية من الحادث: «أول ما طلع لقى مرات خالى فى وشه، فقال لها انطقى الشهادة، رفضت وقالت له أنا مسيحية وهفضل مسيحية، راح قتلها».
{long_qoute_2}
كانت زوجة خال «كيرلس» هى أول من سقطت من أفراد العائلة، حسب روايته، ليأتى بعدها شقيقه الأكبر الذى أصابته رصاصة طائشة من وابل الرصاص الذى فتحه الملثمون على الأوتوبيس، ومن ثم أبيه وابنة شقيقه التى لم تبلغ من العمر سوى عام ونصف العام، وخاله وابنة خاله وزوجها، فضلاً عن والدته التى أصيبت بطلقة نارية لم تُنهِ حياتها، لكنها تركتها فى حالة خطرة ضمن مصابى الحادث فى معهد ناصر، ليروى «كيرلس» اللحظات الأخيرة فى حياة كل منهم بقوله: «بنت أخويا كانت على إيد أبويا لما ماتت برصاصة عدت من القزاز، وجوز بنت خالى مات عشان مراته قالت للإرهابى كفاية قتلت بنتى سيب جوزى فضربه برصاصة فى عينه موته، وكان الإرهابيون بيقولوا للستات إحنا هنحرق قلبكم على رجالتكم لحد ما فعلاً موتوا الرجالة كلهم».
حالة من الصمت سيطرت على «كيرلس» فجأة أثناء حديثه، ليعود برأسه إلى الخلف بعد أن أغمض عينيه مانعاً دموعه من الخروج إلى مسارها شبه المحفور على خديه، قبل أن يكمل حديثه بصوت لا يكاد يسمع: «معنديش حاجة أقولها للى بيعملوا كده، بس إحنا مسامحين فى كل حاجة وعمرنا ما شيلنا من حد ولا حتى زعلنا منهم لما عملوا كده، وبنصلى ليهم إن ربنا يفتح بصيرتهم». رغم أن والدة «كيرلس» ما زالت على قيد الحياة فإنه لم يرَها لخضوعها للعلاج فى معهد ناصر بالقاهرة: «بطمن عليها بالتليفون حالتها مستقرة دلوقتى الحمد لله، بس حالتها النفسية هى اللى تعبانه خالص، خاصة إنها كانت فى الحادثة، واللى شاف غير اللى سمع».
فى وسط الحضور بمطرانية مارى مرقص بمركز بنى مزار، وقف هانى فاروق، يتلقى العزاء فى استشهاد أخيه وزوجة أخيه، من ضمن من استشهدوا فى العائلة، يحاول «هانى» أن يستوعب ما يحدث إلا أن علقه غير قادر على ذلك، فأخوه رضا استشهد هو وزوجته تاركين خلفهما 5 أطفال أكبرهم لم يبلغ السادسة عشرة من عمره، يسأل نفسه قائلاً: «من سيتولى مسئولية هؤلاء الأطفال فالأب والأم أصبحا فى الأمجاد السماوية، والجد والجدة لن يتحملا هذه الصدمة، وأخى الذى كنت أحتمى به من غدرات الزمان لم يعد بجوارى».
بعض نساء وعدد قليل من الأطفال هم من نجوا من الأوتوبيس، لتكون مشاهد الدم محفورة فى ذاكرة ووجدان هؤلاء الناجين، لاسيما الأطفال الذين رأوا الرصاصات تخترق الرؤوس والأبدان من حولهم، لتكون لهم رواياتهم الخاصة عن الحادث، الذى شاهدوا فصوله من أسفل الكراسى التى اختبأوا تحتها فى أثناء إطلاق الرصاص على من فى الأوتوبيس، وهو ما يحكيه الطفل أمير وائل، صاحب الاثنى عشر عاماً، حيث كان وشقيقه الأصغر فى الأوتوبيس وقت الحادث: «أول ما سمعت ضرب النار نزلت تحت الكرسى اللى كنت قاعد عليه، وبعد شوية الأوتوبيس وقف وطلع ناس مخبيين وشهم ولابسين طواقى سودة على روسهم، وجزم كبيرة ولبس زى لبس الجيش».
لحظات قليلة ما بين إطلاق النار على الأوتوبيس من الخارج وتوقفه وصعود منفذى الحادث الإرهابى إليه، كانت كافية لأن يلتقط «أمير» شقيقه الأصغر «افدى» من الكرسى أمامه، حتى ينزلا معاً تحت كرسى واحد بعد أن سيطر عليهم الخوف والبكاء: «فضلنا قاعدين تحت الكرسى لحد ما جم الناس اللى أنقذونا، ولما خرجنا كانت هدومنا كلها غرقانه دم، الكوتش والبنطلون والتيشيرت وإيدى ووشى كمان كان عليهم دم كتير، ولما خدونا على الكنيسة غيروا لنا الهدوم دى ولبسونا هدوم غيرها»، ليختم الطفل حديثه قائلاً: «نفسى محدش يروح الرحلة دى تانى، لأن مينفعش أصلاً حد يروحها».
وحول المعزين، تجمع عدد آخر من الأطفال، ومن بين هؤلاء الأطفال كان يجلس «إبرام» (١٤ سنة) وأخوه «رامى» (١٢ سنة)، يسمعان ما يقال عن أمهما وأبيهما، وأن إرهابيين قتلوهما فيسأل «إبرام» قائلاً: «هما قتلوا بابا وماما ليه، بابا وماما دول طيبين قوى وعمرهم ما أذوا حد طيب قتلوهم ليه، علشان هما مسيحيين طيب ما أنا واخواتى مسيحيين يعنى ممكن حد يقتلنا احنا كمان؟!».