الدروس المستفادة من حادث «المنيا» الإرهابى

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

بعد ساعات قليلة، كانت مصر تثأر للشهداء الذين سقطوا ضحية الغدر والخيانة، لم يكن حادث المنيا هو الأول، ولن يكون الأخير، إنها حرب ضروس، دولة تحارب أشباحاً فى الخفاء، يتآمرون وينفذون عملياتهم فى لحظة مباغتة.. وقف الرئيس عبدالفتاح السيسى ليؤكد أن الهدف من وراء الحادث هو النيل من تماسك الدولة والشعب المصرى، كان القرار دك معسكرات الإرهابيين فى درنة والعديد من المناطق الليبية الأخرى، وكان السيسى يتعهد فى نفس اللحظة بتوجيه الضربات ضد معسكرات الإرهاب التى يتم فيها تدريب العناصر للقيام بعمليات ضد مصر، فى أى مكان، بما يحفظ أمن مصر وشعبها، لقد سعوا كثيراً على مدى السنوات الماضية لضرب مصر من الداخل، وإثارة الفتنة والأزمات على أراضيها، استخدموا كل الأسلحة، وجهوا طلقاتهم المسمومة إلى الصدور والاقتصاد وأمن البلاد، لم يحققوا نجاحاً يذكر، المصرى عنيد بطبعه، متمسك بأرضه حتى النهاية، يموت دونها، ولذلك ظل الوطن صامداً عبر قرون طويلة من التاريخ مهما اشتدت المؤامرات، وتعددت وترامت أطرافها.

بعد أحداث الخامس والعشرين من يناير، وما تلاها من فوضى عارمة، تسببت فى خراب لن ينسى، وظهور لتيارات التكفير والإرهاب ومحاولات أخونة مؤسسات الدولة وانهيار الشرطة وتراجع قوتها، ظن البعض أن الوطن فى طريقه للانهيار، غير أن المصريين فاجأوا الجميع، لملموا شتاتهم، وأعادوا بناء مؤسساتهم وحققوا الأمن والاستقرار مرة أخرى.. لقد اتخذت الحرب ضد مصر وجوهاً متعددة، فوضى، دماء، حصاراً اقتصادياً، حرباً إعلامية ممنهجة، محاولات مستمرة لإسقاط الدولة، لم تكن فقط حرباً خارجية، وإنما الأخطر هو حرب الداخل التى حاولت النيل من تماسك الوطن، وبعد الفشل المتكرر فى تحقيق الأهداف، لجأ الخونة خلال الفترة الأخيرة إلى ارتكاب عدد من الجرائم ضد أشقائنا الأقباط استشهد وأصيب المئات منهم، داخل دور العبادة وخارجها، كان الهدف هو تفجير الأوضاع الداخلية، إلا أن المصريين كانوا بالمرصاد، فوتوا الفرصة، وكانت الكنيسة الوطنية المصرية دوماً عند مستوى المسئولية.. إن القضية ليست فقط فى مواجهة الخارج، فالرئيس السيسى أشار بوضوح خلال القمة العربية - الإسلامية - الأمريكية فى الرياض إلى هذه الدول التى تمول وتؤوى وتدعم بوضوح، ومصر لن تتردد فى المواجهة أياً كان ثمنها، وإنما القضية الأهم هى فى مواجهة عملاء الداخل.. لقد قدمت مصر عشرات الألوف من الشهداء والجرحى نتاج المواجهة الداخلية، لكننا بالقطع فى حاجة إلى مزيد من الإجراءات التى تحقق الردع والحرب الاستباقية، وتجفيف المنابع عبر كافة الأصعدة والاتجاهات.. إننا ما زلنا حتى الآن فى انتظار قانون الإجراءات الجنائية المقدم من وزارة العدل، الذى يحوى اختصاراً لدرجات التقاضى، ما زلنا فى انتظار إحالة كافة قضايا الإرهاب إلى القضاء العسكرى، ما زلنا ننتظر الرؤوس التى قد أينعت وحان قطافها، بفعل جرائمها وأفعالها الإرهابية.. إن تماسك الصف الوطنى ضرورة تفرضها التحديات التى تواجهها البلاد، ولكن هذا التماسك فى حاجة إلى حوار مجتمعى حقيقى، يقوم على المصارحة والمكاشفة، والحرص على المصلحة الوطنية والتشاور فى القرارات الاستراتيجية، بما يحقق مشاركة اجتماعية حقيقية، تسعى إلى حلول موضوعية للأزمات التى يعانيها الوطن.

إن عودة حلف (30 يونيو) إلى الواجهة هو من الأمور المهمة التى تعزز هذا التماسك وتلك اللحمة الوطنية، ولا يجب أن يتصور أحد أن بإمكانه مهما كانت قوته وشعبيته أنه قادر على خوض المواجهة وحيداً، ذلك أن حقائق وتجارب التاريخ تنفى ذلك، وتؤكد أنه رغم أهمية دور الفرد فى صناعة التاريخ، إلا أن غياب العقل الجمعى والفعل المشترك يهدد بالانهيار والفشل.. لقد تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ البداية عن منطق الشراكة فى المسئولية، وبذل جهداً لا ينكر فى سبيل تحقيق ذلك، إلا أنه رويداً رويداً غابت القوى المجتمعية والحزبية وحتى الإعلامية، بعد أن أصبح دورها جميعاً، هو مجرد دور شكلى يقتصر على الحضور الصامت دون حوار موضوعى وخلاق، يستمع فيه الرئيس ويتشاور مع القوى الحية فى المجتمع، حتى أصبحت المواجهة مع كل أزمة، تقتصر فى كثير من الأحيان فقط على مجلس الدفاع الوطنى، أو الاجتماعات الأمنية المصغرة، بينما الأمر يستوجب التشاور مع العديد من القوى المدنية الأخرى.. أليس من الغريب أن يرفض رئيس الجمهورية حتى الآن أن يكون للدولة حزب سياسى يدافع عن توجهاتها ويرشح من بين صفوفه قيادات لحمل المسئولية، فيغيب بذلك الظهير السياسى، وتتبعثر القوى الأساسية، دون مبرر يذكر، اعتماداً على شعبية الرئيس وقدرته على إدارة حركة الشارع المصرى.

دعونا نتحدث بصراحة، إن الأوضاع فى مصر الآن تختلف عن فترة ما سبق، وشعبية الرئيس لا يمكن أن تكون بذات القوة السابقة، ولذلك باتت الحاجة إلى حزب سياسى من الأهمية بمكان، وهو حزب يجب أن يتسع ليضم كافة الفئات الاجتماعية والسياسية التى تتفق فيما بينها على برنامج عمل يقوم على أسس إعادة بناء الدولة وتحقيق مصالح الشعب.. إن البلاد تمر بظروف خطيرة، وتواجه تحديات لا يمكن إنكارها، وهذا يفرض على الرئيس إعادة النظر فى كثير من الأمور وكثير من الشخصيات التى تتولى مهام فى هذه الفترة، بما يتماشى مع رؤية الرئيس وبرنامجه الذى وعد بتحقيقه خلال الفترة الرئاسية الأولى.. إن الجماهير تنتظر أن يبادر الرئيس فى ذكرى الاحتفال بثورة الثلاثين من يونيو باتخاذ قرارات والإعلان عن حزمة إجراءات اجتماعية لصالح الفقراء والطبقة المتوسطة تضع حداً لمعاناتها المضنية، وتفتح أمامها طريق «الأمل» من جديد.. نعم سيعلن الرئيس عن 1300 مشروع تم الانتهاء منها، تمثل نقلة كبرى فى حياة المصريين، غير أن الناس باتت الآن فى حاجة إلى من يمد لها يد العون لتواصل الحياة، وتخفف من وطأة الأسعار التى ألهبت ظهور الكافة من الناس.. إن المصريين لم يفقدوا الأمل فى وعود الرئيس، فهم يرونه أمامهم يعمل صباح مساء، يسعى لدى الجميع من أجل إعادة بناء الدولة واسترجاع قواها الشاملة، كما أن الناس لديها ثقة فى إخلاصه لرسالته ولوطنه، وكلها عوامل من شأنها استعادة حالة الاصطفاف الوطنى، التى باتت الآن ضرورية أكثر من أى وقت مضى.