«عباس» والمهمة الثقيلة فى البيت الأبيض

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

فى الثالث من مايو المقبل سيلتقى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى البيت الأبيض مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس، فى خطوة تعكس ظاهرياً اهتماماً أمريكياً بالقضية الفلسطينية على عكس ما ساد فى الفترة الثانية للرئيس السابق أوباما الذى تجاهل بصورة شبه كاملة أى شىء يتعلق بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، واكتفى بتمرير المساعدات للسلطة الوطنية مصحوبة بضغوط سياسية ودعائية. ونقول اهتماماً ظاهرياً لأنه حتى اللحظة لا توجد مؤشرات على أن إدارة ترامب لديها تصور متكامل بشأن المفاوضات إن عقدت أو بشأن الحل النهائى. والنقطة الأبرز هنا ما صرح به الرئيس ترامب حين التقى «نتنياهو» فى واشنطن منتصف فبراير الماضى بأنه لا يرى فى حل الدولتين الخيار الوحيد، وأنه منفتح على حلول أخرى لم يوضحها، فى حين أكد نيته التوصل إلى صفقة شاملة تضمنها خيارات إقليمية أو حل إقليمى، فى إشارة إلى التزامات أو ضمانات ستوفرها دول إقليمية مهمة لم يحددها صراحة، ولكن فُهم من السياق أنه يعنى بذلك فتحاً للتطبيع بين إسرائيل وجيران عرب مهمين وفى الوقت نفسة يضمنون ما يتم الاتفاق عليه مع الفلسطينيين لاحقاً برعاية أمريكية حصرية.

زيارة الرئيس عباس مهمة بالقطع وتعبر عن قطيعة مع فترة سابقة، ولكنها لا تعنى بالضرورة أنها ستؤدى إلى اختراق أو انفراجة حقيقية، والسؤال المهم هو إلى أى مدى سيمكن للرئيس الفلسطينى أن يطور من قناعات الرئيس الأمريكى لكى تصبح أكثر إنصافاً وأكثر ميلاً إلى حل دائم يستند إلى مرجعيات دولية وعربية تنهى الصراع وتفتح حقبة جديدة فى تاريخ المنطقة ككل وفى الدور الأمريكى على السواء.

المهمة الملقاة على عاتق الرئيس عباس ثقيلة وصعبة بكل المقاييس، وهو ما يبدو فى عدة أمور؛ أولها أن هناك فجوة كبيرة للغاية بين الرؤية الفلسطينية ونظيرتها الأمريكية، فمجرد عدم الاعتداد بحل الدولتين وفى الآن نفسه عدم قبول حل الدولة الواحدة ذات القوميتين يعنى أن المطروح أمريكياً لا يزيد عن حكم ذاتى للمناطق التى يعيش فيها الفلسطينيون، وليس بالضرورة أن تكون متصلة جغرافياً، بل الأفضل لكل من واشنطن وتل أبيب أن تكون متقطعة ومنعدمة التواصل الجغرافى، وبما ينهى تاريخياً فكرة دولة فلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية ولها عاصمة فى القدس.

وثانياً لا يوجد موقف أمريكى صارم تجاه الاستيطان الإسرائيلى فى أراضى الضفة الغربية المزمع أن تكون هى أرض الدولة الفلسطينية، وكل ما هنالك أن «ترامب» يريد من حكومة «نتنياهو» أن تقيد بعض مشروعات الاستيطان دون أن توقفها تماماً، مع ميل إلى قبول الحجج الواهية الإسرائيلية بأن هذه التوسعات التى تجرى فى عدد من المستوطنات الكبرى هى لغرض سد الاحتياجات العادية لزيادة سكان تلك المستوطنات. مثل هذا الموقف يتصادم جملة وتفصيلاً مع المطلب الفلسطينى المشروع بالوقف الكامل لهذه المشروعات الاستيطانية التى تنهى تماماً أى أمل فى حل الدولتين.

وثالثاً لا توجد نوايا أمريكية ولا إٍسرائيلية أن يكون التفاوض إن استقر عليه كآلية للحل أن يكون محدد المدة، كعام مثلاً كحد أقصى، وأن تتابع المفاوضات جهة دولية لمزيد من المصداقية وسرعة الإنجاز. والمطلوب إسرائيلياً فى هذا الصدد وهو نفسه المقبول أمريكياً أن يكون التفاوض ثنائياً وبلا شروط مسبقة وبلا أى تحديد زمنى، وأن تأتى النتائج وفقاً لتوازن القوة بين الطرفين المتفاوضين، وهو ما يعنى أن إسرائيل تفرض شروطها كاملة.

ورابعاً أن النوايا الأمريكية تشير إلى الربط بين التطبيع العربى مع إسرائيل المسبق ومجرد الحديث عن مفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبينما ستكون الضغوط أكثر على الجانب العربى لتوسيع مدى التطبيع مع الدول المتحفظة والإعلان صراحة عن التطبيع السرى مع بعض الدول الأخرى، فإن الجانب الفلسطينى يدرك تماماً أن حدوث هذا الأمر معناه فقدان واحدة من أهم أوراق التفاوض، ومن ثم البقاء طرفاً عارياً من أى دعم عربى. أضف إلى ذلك أن إسرائيل التى يسود فيها تيار اليمين الاحتلالى الاستيطانى، والرافض التعامل مع الفلسطينيين كشعب له حقوق قومية، يجد أنه يعيش فى أفضل أحواله، فالدولة الإسرائيلية لا تواجه أى نوع من الضغوط، وبيئتها الإقليمية المُحملة بصراعات ومواجهات وإرهاب تصب فى النهاية فى مصلحتها كبلد آمن ومستقر فى بيئة مضطربة، ولا توجد تهديدات وجودية كما كان الوضع قبل الانهيارات الكبرى التى لحقت بالعراق وسوريا، كما أن الأطراف المشاكسة إقليمياً كحزب الله ومن ورائه إيران واقعان تحت قيود الوضع السورى والاتفاق النووى مع الغرب، وليست لديهما أى فرصة للقيام بأى عمل عدائى ضد إسرائيل، ناهيك عن أن «داعش» حين أطلقت صاروخاً على سبيل الخطأ فى اتجاه الأراضى الإسرائيلية بادرت فوراً بالاعتذار خشية رد الفعل الإسرائيلى الذى لم يحدث، فى موقف عملى يثبت إلى أى مدى تتداخل المصالح بين «داعش» الإرهابية وبين الدولة الإسرائيلية.

فى ضوء هذه الاعتبارات، فإن نجاح الرئيس عباس فى هز بعض القناعات الغامضة والسلبية لدى الرئيس ترامب سيكون أمراً جيداً فى حد ذاته، وإذا وصل الأمر إلى حد إقناعه بمبدأ حل الدولتين كخيار وحيد يجب العمل عليه بكل جدية وإصرار وفى مدى زمنى معقول سيصبح الأمر نجاحاً مهماً. لكن سيظل على الرئيس عباس أن يقدم إجابات مقنعة لمضيفه حول ما يثيره «نتنياهو» بشأن مدى تمثيل الرئيس عباس لكل الفلسطينيين فى ضوء الانقسام الحادث بين «فتح» و«حماس» وغياب السلطة الفلسطينية عن غزة، وكذلك عن الفرية الأخيرة التى أثارها أيضاً «نتنياهو» بشأن ضرورة أن توقف السلطة المرتبات التى تمنحها لأهالى الفلسطينيين الذين تعتبرهم تل أبيب إرهابيين، وفى تصورى أن الرئيس عباس إن أفشل هاتين الفريتين فإنه يمكنه أن يخطو خطوة أخرى نحو تعديل القناعات الأخرى للرئيس ترامب. فإذا جاء الرد على دعوى عدم التمثيل بخطوة مصالحة فلسطينية رئيسية، والتأكيد على أن مبدأ العقاب الجماعى بما فى ذلك التجويع والتشريد الذى يريد «نتنياهو» تطبيقه على الفلسطينيين، من شأنه أن يزيد من احتمالات العنف والتطرف وأن تتسرب من خلاله معونات خارجية تقود فى النهاية إلى انتشار نفوذ أجنبى يشعل الحرائق فى المنطقة أكثر مما هى مشتعلة. وكم هى مهمة ثقيلة على الرئيس عباس أن يقوم بها، وليس لها بديل.