تعمير أم تخريب الصحراء!؟

لدينا مسئولون يحقدون على المواطنين ويكرهون النجاح والإنجاز، ويجهدون أنفسهم لتدمير الـ5% التى نعيش عليها منذ عهد الفراعنة، بدلاً من السعى لتعمير الـ95% الصحراء القاحلة، وبعضهم يعتقد أن مهمته تخريب العمار وليس تعمير الخراب. أقول هذا بمناسبة ما يحدث حالياً مع بعض المواطنين الذين حصلوا على أراضٍ صحراوية من الدولة حينما كان الفدان بـ200 جنيه بالتقسيط على 4 سنوات.

هؤلاء المواطنون، سعرت لهم الدولة حالياً الفدان بـ400 ألف جنيه، وتُهدّدهم إما الدفع وإما البيع بالمزاد العلنى، شىء لا يصدقه عقل ولا يحدث فى بلاد واق الواق، السادة أعضاء اللجنة الذين قاموا بإعادة تسعير الأرض، إما أنهم مغيبون عن الواقع أو متآمرون على البلد:

أولاً: نحن دولة تستورد أكثر من نصف غذائها من الخارج، والفجوة الغذائية فى ازدياد، والمساحة الزراعية فى نقصان، وهم بذلك يتسبّبون فى تبوير الأراضى، لعدم قدرة أصحابها على السداد، وبالتالى زيادة الفقر والبطالة والأسعار.

ثانياً: الأراضى الصحراوية بلاعة فلوس، حيث تستنزف أموال وصحة أصحابها، حتى تجنى ثمارها.

ثالثاً: الأراضى المستصلحة اليوم لم تكن كذلك أمس، حيث كانت خراباً، صحراء جرداء، فلماذا لا يتم تسعيرها حينما كانت قاحلة قبل أن تصبح خضراء مثمرة.

رابعاً: لا يستوى من استصلح وزرع وأنتج مع مَن حولها إلى منتجعات سياحية وسكانية، الأول يجب دعمه وتكريمه، والثانى الدولة تأخذ منه حقوقها مادياً، أو تجبره على إقامة مشروعات إنتاجية لتشغيل الشباب.

خامساً: وهذا هو الأهم، مصر ليست لديها مشكلة أراضٍ، حيث تمتلك 230 مليون فدان أرض صحراوية، أين خطة تعميرها (زراعياً وتعدينياً وعمرانياً وسياحياً وصناعياً)؟ لماذا لا تهتم بها لجنة استرداد أراضى الدولة؟ لأنها بالفعل أراضٍ ضائعة، وليس لدينا سوى 7 ملايين فدان فقط أرضاً زراعية، وتتآكل بمتوسط ثلاثة أفدنة كل ساعة، بسبب السياسة الزراعية الخاطئة، وارتفاع مستلزمات الإنتاج وعدم دعم الفلاح.

هل الحكومة تريد من لجنة استرداد أراضى الدولة جمع الأموال فقط؟ إذا كانت الإجابة نعم، فالأفضل أن تطلب من البنك المركزى طبع الأموال التى تحتاج إليها، بدلاً من تخريب الرقعة الزراعية وتدمير الاستثمار، لأن اللجنة خلال عام لم تجمع نصف مليار جنيه، فى حين أن الآثار السلبية على الاستثمار كثيرة، بالإضافة إلى إظهار مصر أمام العالم، بأنها لا تحترم تعاقداتها وهناك مشكلات فى الطريق، منها اللجوء إلى التحكيم الدولى.

الدولة تعاقب المواطنين الذين استصلحوا، ولم تفكر فى معاقبة المسئولين الذين تركوا 230 مليون فدان صحراء، بل بالعكس تقوم بإزالة محاولات بعض المواطنين للزراعة والتعمير، كل دول العالم تمنح الأراضى مجاناً للأجانب لتشجيع الاستثمار، فلن يهربوا بها ومصر تستردها من أبنائها بعد تعميرها، فهل تنتظر استثماراً محلياً أو أجنبياً؟ «الأرض لمن يعمرها حتى لو كان مغتصبها»، مبدأ فى الشريعة الإسلامية هدفه تشجيع التنمية والبناء والتعمير، وسوف تظل مشكلتنا الأبدية هى تلك العقول العقيمة، التى لا ترى سوى مصلحتها، وتنظر تحت أقدامها فقط، قانون الاستثمار الجديد والمزمع إصداره قريباً لا يكفى وحده، ولن يصلح هذه العقول، نحن نحتاج إلى تفكير خارج الصندوق، ورجال يؤخرون مصالحهم الشخصية لحساب مصالح مصر التى نعشقها بالأغانى والشعارات فقط.