«أردوغان» يستخدم العديد من الدول الغربية لتمرير مشروع «أخونة تركيا»

«أردوغان» يستخدم العديد من الدول الغربية لتمرير مشروع «أخونة تركيا»
- أمة الإسلام
- إرادة سياسية
- إلغاء عقوبة الإعدام
- اتحاد الإذاعة والتليفزيون
- الأمن الوطنى
- الإخوان المسلمين
- الإسلام السياسى
- الإسلام المعتدل
- أتاتورك
- أتراك
- أمة الإسلام
- إرادة سياسية
- إلغاء عقوبة الإعدام
- اتحاد الإذاعة والتليفزيون
- الأمن الوطنى
- الإخوان المسلمين
- الإسلام السياسى
- الإسلام المعتدل
- أتاتورك
- أتراك
يستهل سعيد شعيب، الصحفى المصرى المقيم بكندا، كتابه الجديد عن تركيا، الذى شاركه فيه الباحث توم كويجان، بالقول إن الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى أُجرى مؤخراً هدفه صناعة ديكتاتورية إسلامية غير مسبوقة فى المنطقة، ذلك لأن تلك التعديلات التى أُجريت على الدستور تمكن «أردوغان» من البقاء رئيساً حتى عام ٢٠٢٩ بسلطات غير مسبوقة.
{long_qoute_1}
ويؤكد «شعيب» أنه يحق للرئيس التركى أن يكون فخوراً بنفسه ورفاقه، فقد أنجز الكثير لبناء دولته الديكتاتورية الإسلامية، آخرها الأساس الدستورى القوى لحلمه، فى إقامة ديكتاتورية إسلامية فى الشرق الأوسط، ولو كان الرجل منصفاً لوجب عليه تقديم الشكر للغرب وللعالم ولكثير من الدول على مساعدته القوية فى أسلمة تركيا، وبناء دولته الإخوانية الإسلامية، لكنه لن يفعل، بل سيعاديهم أكثر وأكثر، فهذا صلب مشروعه الإمبراطورى، الذى يستلهم بشكل أو آخر الإمبراطورية العثمانية التى يفخر بها هو ورجاله.
ويشير الباحثان المصرى والكندى إلى أن الرئيس التركى لا يريد أن تكون تركيا عضواً فى الاتحاد الأوروبى، فقد خدع أوروبا واستخدمها للإطاحة بالعسكر من المشهد السياسى. فقد استفاد من رغبة الأتراك فى الالتحاق بالاتحاد الأوروبى، كما استفاد من شروط هذا الاتحاد التى ترفض رفضاً قاطعاً أى تدخل من الجيش فى الحياة السياسية، واستفاد كذلك من شروطه التى توسع الهامش الديمقراطى له لكى يزيد مساحة وجود الإسلاميين فى المجتمع التركى.
{long_qoute_2}
بعد ذلك أطاح بكل خصومه بعد الانقلاب الأخير المشكوك، وحان الوقت لكى يعود مجدداً إلى حلمه ببناء الدولة الإسلامية ويصبح خليفة المسلمين السنّة فى العالم، الذين يصل عددهم إلى نحو مليار و٤٠٠٠٠٠ فى إحصاءات عام ٢٠١٦، وذلك فى مواجهة «أوروبا الصليبية» كما أطلق عليها. ويشير «شعيب» إلى أنه ربما استعد الرئيس لحربه المقبلة ضد الغرب، بعد أن طلب من الأتراك المسلمين فى أوروبا إنجاب كثير من الأطفال ليصبحوا قوة عددية تنتقم من الأوروبيين مستقبلاً.
واذا نظرنا إلى أداء وتحالفات «أردوغان» فى الشرق الأوسط، خاصة سوريا، سنتأكد أن الخطر المقبل هو وضع العالم على طريق حرب دينية.
ويطرح السؤال نفسه: كيف استطاع «أردوغان» وحزبه استخدام أوروبا للاستيلاء على تركيا؟
لقد تعلم الرئيس إخفاء أيديولوجيته الإسلامية، المستندة إلى أفكار الإخوان المسلمين، بعدما حدث مع من سبقوه وما حدث معه.
فقد أطاح الجيش فى الخمسينات برئيس الوزراء عدنان مندريس، متهماً إياه بمحاولة تدمير تراث مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، ومحاولة إحياء الخلافة العثمانية. {left_qoute_1}
والموجة الثانية للإسلاميين بدأت مع نجم الدين أربكان، الرجل الممتلئ بالمبادئ الإسلامية، الذى حاول مد جسور قوية مع الجوار العربى والعالم الإسلامى، وتأسيس نادى الثمانية G8 للدول الإسلامية الكبرى، مقابل نادى السبعة للدول الرأسمالية الغربية الكبرى G7. وأطاح به الجيش أيضاً.
ثم عاد التيار الإسلامى (الإخوان) فى ثوب جديد بزعامة شابة، تربت فى أحضان المعاهد الدينية، ثم فى الحركة الإسلامية.. إنه رجب طيب أردوغان. فى بدايته ظهر وكأنه لم يستوعب الدرس فقال بعد نجاحه فى منصب عمدة إسطنبول أبياتاً للشاعر التركى الإسلامى ضياء كوكالب:
(مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذاتنا.. مآذننا حرابنا.. والمصلون جنودنا.. هذا الجيش المقدس يحرس ديننا).
وبسبب ذلك دخل السجن وتعلم ما يجب أن يتعلمه، وهو أن وقت الصدام لم يأت بعد، لذلك لم تكن لديه أى مشكلة فى أن يقول عكس إيمانه وأيديولوجيته: لست علمانياً، فأنا رئيس وزراء مسلم لدولة علمانية فالدولة العلمانية لا تعنى دولة اللادين.
ويلفت الصحفيان إلى أن «أردوغان» لم ينس أن يمتدح العلمانية مؤكداً أنها أساس الحرية والسلام الاجتماعى؛ حيث توفر فى الأساس لأتباع الأديان والمعتقدات المختلفة حرية ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بهم، والتعبير عن قناعاتهم الدينية، ومن ثم تنظم لهم حياتهم فى هذا الإطار، كما تنظم أيضاً حياة أولئك الذين لا ينتمون إلى معتقد بعينه، واهتم بأن يرسل رسائل إلى النخبة المدنية والعسكرية الأتاتوركية بتأكيده أنه يعتبر تراث كمال أتاتورك هو أساس الدولة التركية الحديثة.
وحرص على توجيه رسالة للغرب، فلم يتحدث أبداً عن الشريعة الإسلامية ولا عن الدولة الإسلامية، لكن ركز على التزامه بالمعايير الدولية للطفل والمرأة وغيرها، وأكد التزامه بتنفيذ معايير حقوق الإنسان الواردة فى الاتفاقيات الدولية، بل ووصل إلى الموافقة على إلغاء عقوبة الإعدام التى تتناقض مع أيديولوجيته الدينية، هذا الالتزام حسن صورته أمام الغرب، الذى كان يبحث عن نسخة من سياسيين مسلمين تتوافق مع المواثيق الدولية ولا تسبب مشاكل.
وأردوغان استفاد من دعمهم فى الإزاحة التدريجية للعسكر من السياسة، التى لا تتوافق بالطبع مع المعايير الأوروبية. فقد أراد أن يجرد خصومه من أحد أسلحتهم وهو عضوية الاتحاد الأوروبى وتبناها، لكنه فى ذات الوقت لم يصدر عنه أى انتقاد للشريعة الإسلامية التى لا تتوافق مع المعايير الأوروبية، ولم يرتفع صوته هو ورفاقه للتشكيك فى شرعية الحجاب، فزوجات وبنات زعماء الحزب محجبات، فهم متمسكون بدينهم وليسوا متعجلين فى تطبيق «المشروع الإسلامى»، ولا يرونه أولوية، تستحق خوض المعارك.
وينوه شعيب وكويجان، بأن أردوغان حرص على توجيه رسالة لقطاع كبير من المسلمين، مفادها أنه من الممكن أن يكون هناك حاكم مسلم مناصر للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لقد أوهمهم أنه نموذج للحل بين الهوية وبين الحداثة والتقديم، وأنه مدعوم من الغرب ومدعوم بشعبية كبيرة بسبب نجاحاته الاقتصادية، بعد أن تمكن من هدم الأساس الدستورى لسيطرة الجيش تدريجياً عبر مسارين الأول: تبنى التصالح مع القوى الوطنية المختلفة لكى يساندوه فى مواجهة العسكر، وهو ما حدث.
الثانى، حاجة المجتمع الدولى بعد هجمات ١١ سبتمبر إلى تيار إسلامى معتدل، كما أعاد أردوغان هيكلة مؤسسات الدولة والتشريعات الدستورية والقانونية طبقاً للمعايير الأوروبية، وأضاف إلى عضوية مجلس الأمن الوطنى وزير العدل ونائبى رئيس الوزراء، وهذا معناه ترجيح كفة المدنيين، وألغى المادة ١٥ التى تشترط أن يكون أمين المجلس من بين العسكريين فقط، وقلص صلاحيات المجلس فى المتابعة والرقابة على مؤسسات الدولة، وبذلك تحول إلى جهاز استشارى أغلبيته مدنية، كما ألغى وجوب وجود جنرال فى وزارة التعليم واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وسمح برفع دعاوى قضائية لاستجواب الجنرالات القدامى، وعدم السماح لهؤلاء الجنرالات بتصريحات إعلامية إلا فى مجالهم العسكرى، وإلغاء إمكانية محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
كل هذه الإجراءات مكنت أردوغان مع نجاحه الاقتصادى وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان (بناء على المعايير الأوروبية) من زيادة شعبيته وجعلته أقوى أمام الجيش، الآن، 250 جنرالاً وضابطاً يقبعون الآن فى السجون بتهم منها التخطيط للانقلاب، ووصلنا إلى مطالبات صريحة من رئيس البرلمان بدستور إسلامى لا مكان للعلمانية فيه.
وأردوغان خطب فى الجماهير قائلاً: « لا يمكن أبداً أن تكون علمانياً ومسلماً فى آنٍ واحد، إنهم دائماً يحذرون ويقولون إن العلمانية فى خطر.. وأنا أقول: نعم إنها فى خطر، إذا أرادت هذه الأمة معاداة العلمانية فلن يستطيع أحدٌ منعها، إن أمة الإسلام تنتظر بزوغ الأمة التركية الإسلامية.. وذاك سيتحقق، إن التمردَ ضد العلمانية سيبدأ».
وينهى الباحثان كتابهما بعرض لأهم الدروس المستفادة؟
أولاً، أنه لا فروق حقيقية بين ما يتم تسميته «الإسلام المعتدل» مثل الإخوان المسلمين، وبين التنظيمات الإرهابية المسلحة، فكلهم يريدون الدولة الإسلامية ومن بعدها الخلافة الإسلامية، الإرهابيون يفعلون ذلك مباشرة ولا يخفون أيديولوجيتهم الدينية، «الإسلام المعتدل» يستخدم الأدوات الديمقراطية تدريجياً للوصول إلى ذات الدولة الإسلامية ويسعى إلى ذات الإمبراطورية الإسلامية، فهو يخفى أيديولوجيته الإرهابية، ويقدم خطاباً متسامحاً، وعندما يمتلك السلطة والقوة يقدم خطابه الحقيقى دون مواربة.
ثانياً، الرهان على هذا النوع من الإسلام السياسى فشل فشلاً ذريعاً، فهو لم يحل المشاكل، بل زاد الكراهية والعنف والإرهاب، رغم أن الغرب يستخدمه ويتعاون معه منذ هتلر الذى شكل كتيبة من مسلمى القوقاز للحرب ضد الاتحاد السوفيتى، وهو ما استمر فيه الغرب فى أفغانستان، ومستمر حتى الآن فى استخدامهم ضد بشار الأسد فى سوريا.
ثالثاً، هذا النوع من الإسلام السياسى يسيطر على المسلمين فى الغرب وفى كل مكان ويسيطر على المساجد والمدارس والمؤسسات الإسلامية، إنه الأيديولوجيا التى تؤمن بالدولة الإسلامية، ومن بعدها الخلافة، هذه الأيديولوجيا لا تخص الإخوان وأنصار الإسلام السياسى وحدههم، فإذا جنبت الجانب الحركى للإخوان، فلن تجد فارقاً بين الأساس الدينى للإخوان وللكثير من المؤسسات الدينية الإسلامية فى مصر والسعودية وغيرها من البلاد الإسلامية.
رابعاً، الانطلاق من أن الإسلام لم يعد شأناً يخص الشيوخ والمؤسسات الإسلامية، فقد فشلوا فشلاً ذريعاً فى حل مشكلة الإرهاب، وفشلوا فى أن يقدموا وينشروا الجانب الإنسانى فى الإسلام، بل وفى أحيان كثيرة هم ضد الاجتهادات الإسلامية التى تقضى على الأساس الدينى للإرهاب، بل ويمكنك القول إن خطابهم الدينى الأيديولوجى داعم لأيديولوجيا التنظيمات الإرهابية.
خامساً، لا بد أن يتدخل المجتمع بمؤسساته المدنية، مدعوماً بإرادة سياسية لمن يحكمون، لكى يسترد الإسلام، ويعيد بناء وهيكلة المؤسسات الدينية، بناء على أساس دينى يقضى على الأساس الدينى للإرهاب.
بدون ذلك، ستظل هذه الأيديولوجيا تتسرب تحت جلد المجتمع، كما حدث فى تجربة تركيا، ليعود الإسلاميون مرة أخرى، عندما تتاح الفرصة، وعندما يصيرون أقوياء، سوف يستولون على البلد، كما فعل أردوغان فى تركيا.