سد النهضة.. وسد المعلومات

منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، أعلنت مصادر بوزارة الموارد المائية والرى أن المكتب الفرنسى المنفذ لدراسات سد النهضة الإثيوبى «بى. آر. إل» ومساعده «آرتيليا» سيقدمان أول تقرير استهلالى عن السد أواخر مارس (2017)، يتضمن مراجعة كل الدراسات الوطنية والبيانات والمعلومات المقدمة من كل من مصر والسودان وإثيوبيا. نحن الآن فى أوائل أبريل، ولم نسمع عن صدور أى تقرير. ما سمعناه وقرأناه عبر عدد من المواقع نقلاً عن وكالة الأنباء الإثيوبية أن حكومة أديس أبابا بدأت حملة شعبية تهدف إلى تعزيز التعبئة العامة لاستكمال بناء سد النهضة!. خبر التعبئة الإثيوبية متداول على عدد من المواقع الإخوانية وهو شاهد على استمرار نهج الشماتة فى مصر والمصريين من جانب الجماعة، والفرح بما يضيرهم، وكأن حصة مصر لو قلت سوف تضير النظام الحالى، ولن تؤذى المصريين!. إنها طريقة فى التفكير وأسلوب فى الأداء يشهد على كراهية هذا الفصيل لهذا البلد، فلو أحبوه ما تمنوا لأهله أذى، ولما فرحوا فى معاناتهم.

نحن أمام حالة فصيل سياسى لا يحب الشعب، إلا إذا وضع سيف حكمه على رقابه، وما عدا ذلك يتمنى له الجحيم، يقابلها أداء حكومى فاتر فى مواجهة ملف فى منتهى الخطورة، مثل ملف سد النهضة، وحصة مصر فى ماء النيل. تفاعلات ولقاءات وتصريحات عديدة غرقنا فيها منذ توقيع اتفاقية المبادئ مع كل من السودان وإثيوبيا عام 2015. منذ ذلك الحين لا نجد أفعالاً حقيقية على الأرض تدعو إلى الاطمئنان، فى وقت تتوارد فيه العديد من التقارير التى تتحدث عن المخاطر التى يمكن أن تحيق بحصة مصر من مياه النيل، خلال فترة ملء السد. للإنصاف نقول إنه ربما كانت هناك أمور لا نعلمها، وتدابير غير معلنة تنتوى مصر اتخاذها فى حالة الإضرار بحصتها التاريخية، لكن يبقى أن الشعب يحتاج إلى معلومة تطمئنه، فى ظل ما يسمعه من أخبار عن قرب انتهاء إثيوبيا من البناء والشروع فى ملء السد. من حق الشعب على السلطة أن تبعث إليه برسالة اطمئنان، وأن تسقط «سد المعلومات» الذى تضعه أمام هذا الموضوع. ولا بأس بعد ذلك أن تدير الملف بالطريقة التى ترتضيها، دون أن تعلن عن تفاصيل ما تتخذه من خطوات.

حق الشعب فى المعرفة أساسى وضرورى، وليس من الحكمة أن تتصور السلطة أن معرفة الشعب للخطوط العريضة لما تخطوه من خطوات من أجل حل مشكلاته المصيرية قد تضرها، المسألة على العكس تماماً «معرفة الشعب مفيدة للسلطة»، ليس فى موضوع سد النهضة وفقط، بل فى كل المشروعات التى تتصدى لها السلطة، فهذا الشعب هو من يتم استدعاؤه فى الملمات والمواجهات، ونجاح أى خطة أو مشروع يرتبط فى الأساس بدعمه ومشاركته. اتجاه السلطة إلى تحييد الشعب أمر يضرها كل الضرر، خصوصاً إذا كانت تفتقر إلى ظهير شعبى منظم، قادر على تعبئة الناس عندما تكون بحاجة إلى ذلك. الكلام العائم لا يسمن من جوع ولا يغنى من عطش. وموضوع سد النهضة يوشك على الدخول فى مرحلة حرجة. والناس لا تريد أكثر من الاطمئنان.. فهل هذا كثير؟!.