القبح أسلوب حياة.. أبواب «مصدية» وجدران مشوهة: «حاجة تجيب المرض»

القبح أسلوب حياة.. أبواب «مصدية» وجدران مشوهة: «حاجة تجيب المرض»
- أسلوب حياة
- إدارة العلاقات العامة والإعلام
- الألم النفسى
- التبرع بالدم
- الحالات الحرجة
- السيرك القومى
- القائمة الطويلة
- المخلفات الطبية
- آذان
- أبواب
- أسلوب حياة
- إدارة العلاقات العامة والإعلام
- الألم النفسى
- التبرع بالدم
- الحالات الحرجة
- السيرك القومى
- القائمة الطويلة
- المخلفات الطبية
- آذان
- أبواب
«قصر العينى يرحب بالزائرين.. إدارة العلاقات العامة والإعلام» لافتة صغيرة خضراء، تعلو باباً حديدياً صدئاً نصف مفتوح، تمثل الحضور الوحيد لوحدة العلاقات العامة فى المؤسسة العريقة، حيث لا يبدو لوجودها أى أثر آخر فى حياة زوار المستشفى العتيق.
جدران تحمل الكثير من الأضداد، تقع عليها أعين الجميع، مرضى وزوار وأطباء وعاملين، لا يبدو المشهد جميلاً على الإطلاق، فالقبح المقبل من النوافذ المطلة على «المجارى الطافحة» و«الكراكيب» و«القمامة» و«المخلفات الطبية» يكتمل بهذا الكم من الإعلانات المتناقضة التى تحملها جدران المستشفى.
الكثير من الهموم يحملها رواد المكان فى قلوبهم، يدلفون سريعاً، بعضهم يهرول لزيارة قريب، أو اللحاق بطبيب، أو إيجاد مكان مبكر للكشف على القائمة الطويلة، عادة لا يجدون وقتاً لقراءة تلك الإعلانات التى تزيد من هموم قارئها إن فعل «نداء إلى أصحاب القلوب الرحيمة، الرجاء التبرع بالدم بقسم جراحة القلب والصدر الدور الثالث لأن فصيلة الدم غير متوفرة»، على مسافة قريبة يقع إعلان آخر «خرج ولم يعد.. الحاج صلاح حامد حكيم فاقد الذاكرة» إعلانات التنويه عن المفقودين لم تتضمن أطفالاً ومسنين فقط، ولكنها امتدت للعرب أيضاً «الأخ مهند على أحمد المخلافى، يمنى الجنسية يعانى من فقدان الذاكرة.. خرج ولم يعد».
الإعلانات التى تسير بمبدأ «على كل لون يا باتيستا» تضمنت بدورها تنويهات عن تذاكر مخفضة لـ«سينما كوزموس»، حيث يصبح ثمن التذكرة 10 جنيهات بدلاً من 15 بالنسبة للعاملين وأسرهم، فضلاً عن فرصة ذهبية لمشاهدة السيرك القومى بـ20 جنيهاً للفرد بدلاً من 50!
تصميمات لإعلانات مبهجة للغاية تدعو الأطباء للحصول على دورات تدريبية ومنح، اختار أصحابها بعض المناطق المستفزة للغاية من أجل تعليقها تارة بجوار الحروق والطوارئ، وتارة أمام الحالات الحرجة وجراحات الذكورة!، إعلانات متنوعة للغاية، بعضها يؤكد توافر شقق سكنية بإجراءات ميسرة، وأخرى لمطاعم فى محيط المستشفى تؤكد استعدادها الكامل لتوصيل الطلبات حتى باب المستشفى «دليفرى» تتنوع من الكشرى للمشاوى، فكل شىء متاح وممكن، بحسب أصحاب المحال، داخل قصر العينى.
الكثير من الاتهامات نالها «قصر العينى» بشأن إهمال المرضى، تهمة حملت الكثير من التجنى على الواقع، فالإهمال لم يطل البشر فقط، ولكنه طال الحجر بدوره ليشكل حالة متكاملة من القبح المتواصل الذى يقابل المريض بداية من فوضى الدخول، مروراً بالردهات المظلمة الباردة جداً، والكئيبة أيضاً، وانتهاء بغياب عناصر الجمال التى تم اختيار موقع المستشفى على أثرها، فلم يعد لها أى وجود على الإطلاق.
قبح لا تعانيه العيون فقط، ولكنه ينفذ إلى النفوس مختلطاً بكثير من الشعور بالإهانة وانحطاط الشأن، حيث يجد المرضى أنفسهم وذويهم بلا مقاعد تحملهم خلال ساعات الانتظار الطويلة، معاناة تتحول معها الطرقات الطويلة إلى نموذج مطابق من ردهات «مترو الأنفاق»، إضاءة خافتة، وجدران ملوثة، بألوان قابضة، دون مقاعد للانتظار، أو مساحة للراحة أو عزاء عن الألم النفسى والبدنى، الذى يعانونه خلال أوقات الانتظار الطويلة، البعض يعزى نفسه بالحديث مع مجاوريه، فيما يقضى آخرون أوقاتهم فى تدخين المزيد من السجائر لترتفع تلك السحابة البيضاء المقيتة.
تلوث يطول الجدران والهواء، ولا تفتقده الآذان أيضاً «شاى شاى شاى» يتعالى صوت الرجل الذى يحمل حقيبة من القماش بها عدد 2 «ترموس شاى» وعدد من الأكواب البلاستيكية «الكوباية بجنيه ونص».
يعزى البعض أنفسهم بالنظر عبر النوافذ العديدة التى تتميز بها الردهات، والتى تتحول فى أوقات عديدة إلى «مقاعد» لتناسب أصحاب الأجساد الضئيلة، فيما يحشر البدناء أنفسهم فوقها، حيث لا يوجد مكان آخر للانتظار، حتى تلك المقاعد القليلة أمام أبواب بعض الأقسام فلا يسمح لأى كان أن يجلس عليها، حتى وإن رق قلب الحراس لمسنة أو طفل، فإنهم سرعان ما يزجرونه «قوم بسرعة العميد بيمر».
الواقفون يسلون أنفسهم بالنظر عبر النوافذ، لكن الإطلالة ليست أفضل بأى حال من المشهد بالداخل، حيث تحولت الإطلالات التى حملت الكثير من الورود والزروع قديماً إلى خرابات تضيف على الهم هموماً، حتى الشرفات الخاصة بالمرضى تحولت لمخزن لكثير من المخلفات والأكياس الحمراء الشهيرة الخاصة بـ«المخلفات الطبية الخطرة»، بعض المتعبين وجدوا فى تلك «المناور» مساحة للاستراحة كعامر عبدالكريم الذى قام باستئجار بطانية على حساب بطاقته الشخصية، وقام بالنوم فى أحد المناور حتى ينتهى الأطباء من مشاوراتهم -إن كانت تحدث- بشأن حالته الصعبة.
قبح يلازم البعض حتى اللحظة الأخيرة له فى المستشفى، نجلاء عبدالقادر واحدة من هؤلاء كانت محجوزة لفترة غير قصيرة بالمستشفى، تحسنت حالتها وكتب لها الأطباء على خروج، لم تجد ما تضع به ملابسها و«البطانية» الخاصة بها، لذا استعارت «كيس أحمر» من تلك المخصصة للمخلفات الطبية كى تضع فيه أغراضها حاملة إياه إلى الخارج.
مياه الصرف الصحى تملأ المكان
جدران مشوهة ومواسير متهالكة