ليس بالشيكولاتة وحدها يحيا «الغلبان»!
- أداء الصلاة
- إخلاء سبيل
- الأسبوع الماضى
- التواصل الاجتماعى
- التوك شو
- السوبر ماركت
- القبض عليهم
- القيم الأخلاقية
- المواقع الإخبارية
- أجر
- أداء الصلاة
- إخلاء سبيل
- الأسبوع الماضى
- التواصل الاجتماعى
- التوك شو
- السوبر ماركت
- القبض عليهم
- القيم الأخلاقية
- المواقع الإخبارية
- أجر
بداية لنتفق على مبدأين.. الأول: أننا مع الالتزام وعدم التسيب.. ولسنا من الداعين لـ«هجر» منظومة القيم الأخلاقية ولكننا فى نفس الوقت نقف فى مواجهة من يحلو له استدعاء هذه المنظومة وقتما يرغب فى إدانة أى أحد، فى الوقت الذى يتعمد هو «هجرها» فى معظم الأوقات..!
ثانياً: أنه مثلما للقانون نصوص حاكمة يجب أن تسرى على الجميع دون أى تفرقة، فله أيضاً «روح » تستدعيها ظروف من تنطبق عليه دون تطبيقها بصورة «انتقائية» بأى شكل من الأشكال، فالجميع يجب أن يكونوا «سواء» فى الحالتين..!
على مدى أيام الأسبوع الماضى ظل -وأعتقد أنه سيظل حتى وقت ليس بالقصير- رواد وسائل التواصل الاجتماعى مشغولين تماماً بقضية «سارق الشيكولاتة» ما بين من يدعو للشفقة عليه باعتبار أن عدم قدرته المالية قد دفعته لـ«السرقة» من أجل ابنته، وبين من يطالب بمحاكمته بوصفه «لصاً» يجب معاقبته.
على الضفة الأخرى من هذه الواقعة حملت المواقع الإخبارية والصحف اليومية أخباراً تفيد ضبط مسئولين فى مواقع مختلفة يتقاضون رشاوى بالملايين، إضافة إلى «رموز للحكم السابق» جرى إخلاء سبيلهم والمصالحة معهم -بعد سداد ملايين الجنيهات التى سبق استيلاؤهم عليها وقت شغلهم مواقع المسئولية- فى رسالة لـ«ضعاف النفوس» بإمكان اختلاس أو سرقة أموال الشعب وردها بعد ذلك إذا ما جرى كشفهم..!
وبعيداً عن تفاصيل التحقيقات التى أجرتها نيابة قسم الجيزة وقررت فى ضوئها إخلاء سبيل المتهم، بضمان محل إقامته، تمهيداً لـ«محاكمته» بعد غد «الاثنين» أمام محكمة الجنح.. وبعيداً عن الانطباع الذى ساد معظم مشاهدى برامج «التوك شو» بعد عرض «فيديو السرقة» وإنكار المتهم الواقعة وثباته انفعالياً بصورة واضحة رغم عرض مزيد من الصور تكشف عن سوابق سرقته من فروع ذلك «السوبر ماركت»، وثبوت انفصاله عن زوجته منذ 4 سنوات وعدم رؤية بناته اللاتى ادعى أن إحداهن قد طلبت نوعاً معيناً من الشيكولاتة وهو ما أدى إلى محاولة سرقتها باعتباره لا يملك ثمنها، وعودته لنفى الواقعة برمتها وادعائه بأنه كان سيسدد ثمنها رغم إيداعها فى حقيبة يد كان يحملها.. وبعيداً عما شاهده الملايين -من خلال الفيديو الذى جرى عرضه «تليفزيونياً»- وهو يدس مجموعة كبيرة من قطع الشيكولاتة وليس «اثنتين فقط» وهو ما يؤكد محاولة السرقة، فإن هذه الواقعة تطرح سؤالاً مهماً حول مدى مسئولية المجتمع عن الفقراء ومعدومى الدخل -من غير من يحاولون السرقة- فى ظل هذا الارتفاع الجنونى لمعدلات التضخم، وبالتالى الأسعار التى أغرقت أمواجها معظم المواطنين بصرف النظر عن مستوى دخولهم.
وإذا كان الحرمان والفقر قد يدفعان البعض إلى السرقة ليُشبع جوعه أمراً «يستهجنه» مثال يستدعيه آخرون فى معظم الأحيان «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، فإنه فيما يبدو أنه مثال قد نطق به شخص فور أن انتهى من طعامه ولا يعانى من الجوع أو الحاجة.. ولأن الجوع كافر ونار الفقر جحيم حارقة، فإن الانحراف يخرج من باطن الحاجة والانكسار أمام إجابة المطالب المصيرية لمن نعتز بمسئوليتنا عنهم، أما «المثاليات ومنظومة القيم الأخلاقية» فإن البعض -كما قلت سابقاً- يستدعيها فقط حينما يرغب فى إدانة شخص بذاته بعد أن يكون قد هجرها اختيارياً بتصرفاته.. ولنتخيل أن أماً أو أباً لا يملك نفقات علاج ابن له وهو يراه يعانى وهو يغادر الحياة.. أو بكاء أطفال جوعى يمزق القلوب ولا يجد أو تجد هذا الأب أو تلك الأم ما يسد جوع الأطفال القاتل، فلا مال ولا عائل ولا عمل فلابد إذاً أن يكون الانحراف السبيل الوحيد إذا لم يستطع أى منهما أن يسلك طريقاً آخر.
فى زمن شحذ الفقر فيه «سكينة» وراح يمزق رقاب العديد من الفقراء، فإننا نُصدم بمسئولين يُلقى القبض عليهم متلبسين بتقاضى «رشوة»، وربما يكون من بينهم من يردد مثال «الحرة التى تجوع» برتابة متكررة مملة بعد أن يكون قد فرغ من أداء الصلاة وبعدها محادثته التليفونية التى اتفق خلالها على حجم «الرشوة» التى ستضاف إلى «ملايينه»..!
القضية هنا ليست تبريراً لتلك الأفعال التى تجرمها نصوص القانون، وترفضها الأخلاق وينهى عنها الدين ولكن إذا أردنا بالفعل ألا «تأكل الحرة بثدييها»، فإن علينا جميعاً أن نتحمل مسئوليتنا كدولة أولاً ومجتمع ثانياً، وأن نوفر لمن يعانى من الجوع والفقر أبسط صور احتياجاته اليومية الضرورية.. مع ملاحظة أنه ليس بـ«الشيكولاتة» وحدها يحيا «الغلبان»!