جول «ميسى» فى «مصر»

«ميسى» فى زيارة إلى القاهرة.. حدث اهتم به الكثيرون، فى ظل ما يحظى به النجم العالمى من شعبية، وهى زيارة تأتى فى سياق دعم حملة «عالم خالٍ من فيروس سى». ثمة نقطة أساسية أريد التوقف أمامها على هامش هذا الحدث، تتمثل فى «التوجه الخيرى» الواضح الذى تتسم به شخصية هذا اللاعب، فسيرته الذاتية تشهد بحبه للأعمال الخيرية، وتخصيص جانب كبير من وقته لها، وتوظيف نجوميته فى عالم الكرة فى دعمها. فمنذ عام 2007 أسس «ميسى» مؤسسة خيرية تسهم فى تأمين التعليم والرعاية الصحية للأطفال، واتخذ منها منصة انطلاق لتحقيق أهدافه فى خدمة أى إنسان يعانى، دون تمييز. فالمعاناة هى الأمر الوحيد الذى يجمع البشر، لأنها مثل الموت والحياة لا تفرق بين بنى آدم.

الاهتمام الملحوظ للنجم العالمى بالعمل الخيرى، يدفعنا إلى التفكير المباشر فى موقع الكثير من نجوم الكرة المصريين على خريطة العمل الخيرى. من حين إلى آخر نسمع عن تبرع أو عطاء قدمه أحد لاعبى الكرة، لكننا بحال لا نستطيع أن نشير إلى نجم بعينه منهم، ونقول إنه يؤدى فى هذا السياق كما يؤدى النجم «ميسى». قرأت مثلاً أن أحد لاعبينا تبرّع ببناء مسجد فى غانا، وآخر تبرّع بمبلغ مالى لصندوق «تحيا مصر»، ومن حين إلى آخر يظهر أحد نجوم الكرة فى إعلانات تدعو إلى التبرّع (لست أدرى هل هى مجانية أم مدفوعة)، ولست أستطيع بحال أن أنفى عن غيرهم القيام بأعمال أخرى شبيهة، لكنها كلها تقع فى سياق ما يمكن وصفه بالزكاة أو الصدقة، ولا تتحقق فيها السمة المؤسسية التى تمنحها من التواصل والتأثير المطلوب. نجوم الكرة فى مصر مشهورون أكثر فى عالم «البيزنس»، فبعضهم مشهور بالعمل فى مجال السمسرة (بيع وشراء اللاعبين)، أو فى تجارة الأراضى والسيارات، أو بالاستثمار فى المطاعم التى تبدأ من الفول والطعمية، وتنتهى بالمشاوى والأسماك، أضف إلى هؤلاء من يستثمرون فى المقاهى والكافيهات.

طبعاً لاعبو الكرة أحرار فى اختيار الطريقة التى يوظفون بها نجوميتهم ومكاسبهم بالشكل الذى يخدم أهدافهم فى الحياة، لكن ذلك لا يمنعنا من محاولة تفسير عدم وجود «الظاهرة الميسية» فى عالم الرياضة، تماماً كما تغيب فى أوساط رجال الأعمال الظاهرة التى يمكن وصفها بـ«البيل جيتسية» نسبة إلى بيل جيتس الذى تبرّع بثروته لصالح الأعمال الخيرية. تقديرى أن السر فى ذلك يرجع إلى «النظرة إلى المال». فهناك من يرى أن المال تتم صناعته بيد صاحبه، وهناك من يؤدى فى الحياة وكأن المال هو الذى صنعه. النجم أو رجل الأعمال الذى يتنازل عن ثروته أو يوظف جزءاً معتبراً منها للأعمال الخيرية يؤمن أنه صانع المال الذى تبرّع به، وأن بإمكانه صناعة غيره، فى حين يعتبر من يسلكون المسلك النقيض أن المال هو سر نجوميتهم وأصل تحققهم فى الحياة، لذلك تجدهم حريصين على تعظيمه وزيادته، قناعة منهم بأنه إذا طار من أيديهم فلن يصبح بمقدورهم صناعة غيره. فارق كبير بين من يفهم أن المال «مصنوع» ومن يؤمن أن المال «صانع»!.