إطلاق رصاصة الرحمة على «حل الدولتين»

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

أطلق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رصاصة الرحمة على حل الدولتين، فهذا الحل أفرغته إسرائيل من أى مضمون على الأرض منذ زمن بمواصلتها الاستيطان ومصادرة الأراضى وتهويدها، ولم يعد يجدى نفعاً مع هذا السرطان الاستيطانى الحديث عن وجود لكيان دولة فلسطينية لا يمكن تحديد معالمها على الخريطة الجغرافية إذا ما أردنا ترسيم حدودها، فضلاً عن أن مفاوضات السنوات الماضية للتقارب بشأن هذا الأمر باءت بالفشل الذريع بفضل إسرائيل، فالمبدأ التقليدى لحل الدولتين كان يعتبر طيلة سنوات حلاً افتراضياً يعتمد على حدود عام 1967 ويتضمن الحل تقسيم الأراضى إلى دولة فلسطينية وأخرى يهودية والفصل بينهما وإخلاء المستوطنات من كافة أراضى عام 67 التى ستقام عليها الدولة الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، ولأن إسرائيل لديها رؤية محددة تعمل على تحقيقها وهى دولة فلسطينية فى قطاع غزة، أما الضفة الغربية فلها مخططات أخرى وأطماع متنامية، فقد كانت تماطل وتعرقل أى تقارب يمكن البناء عليه طوال المفاوضات، لذا كان اقتراح حل الدولتين مجرد حبر على ورق لم يتقدم خطوة واحدة، ورغم أن حل الدولتين كان يحظى بمكانة خاصة لدى الفلسطينيين طوال عقود على طاولة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، لكن ومع إعلان ترامب فى لقاء القمة الذى عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بعدم إلزام إسرائيل بحل الدولتين وحصولها على شرعية أمريكية لضم ما تريده من أراضى الضفة الغربية المحتلة واختيار ما يحلو لها من حلول دون شروط، سواء كان دولة واحدة أو دولتين أو أى صيغة إن كانت، فإن ذلك أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء وبدد حلم الدولة الفلسطينية.

لقد نجح نتنياهو فى الحصول على مآربه بجعل خيار حل الدولتين غير مطروح أمريكياً، كما استطاع تحديد عدة شروط إقليمية للتعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى وهو الحل الإقليمى المباشر للصراع وثانياً الاعتراف بيهودية الدولة من قبل الفلسطينيين الذى رفضه الفلسطينيون تماماً، وثالثاً وهو الأهم أن يكون للجيش الإسرائيلى ترتيبات أمنية فى منطقة الأغوار فى الأردن، ومن المفارقة أن إسرائيل التى هربت بعد مؤتمر مدريد من استحقاقات الحل الأقليمى بجرها للفلسطينيين إلى مفاوضات ثنائية عبر اتفاق أوسلو، هى ذاتها التى تهرب الآن من استحقاقات المفاوضات الثنائية، لتعود إلى صيغة الحل الإقليمى، مستغلة تحييد سوريا والهاجس السعودى من النووى الإيرانى والمأزق الذى تعيشه مصر فى حربها على الإرهاب.

إن رهان إسرائيل على الخلاف الإيرانى السعودى حول قضايا ومستقبل المنطقة الذى يأخذ بعداً مذهبياً، جعل من المستحيل ممكناً ليخلق تحالفاً موضوعياً بين إسرائيل والسعودية وحلفائها ضد إيران، كذلك رهانها على موقف ترامب فى الملف الإيرانى الذى تم طيه فى عهد أوباما بما لا يرضى إسرائيل والسعودية أيضاً، وإعادة فتح هذا الملف وإعادة النظر فى الاتفاق من قبل إدارة ترامب سيعزز من التقارب الإسرائيلى السعودى، ودول المحور العربى المتنازع مع إيران، فضلاً عن أن تصدر هذا الملف الاهتمام الأمريكى والإسرائيلى سيزيد من تهميش الموضوع الفلسطينى الذى تراجع الاهتمام به كثيراً وسط تفاعلات قضايا المنطقة العربية وحروبها الداخلية، لأن فرحة إسرائيل لن تقتصر على تشييع حل الدولتين والحصول على شرعية أمريكية لضم ما تريد من أراضى الضفة الغربية وإطلاق يدها بحرية لتفعل ما تشاء، بل ستكون أكثر سعادة بإعادة فتح ملف الاتفاق النووى الإيرانى كما يسعى ترامب، لتخلق من خلاله محاور جديدة فى المنطقة وتقلب معادلة التحالفات، فبدلاً من تعاون الدول العربية وإيران ضد إسرائيل، تتشكل جبهة تصطف فيها الدول العربية وإسرائيل ضد إيران ونقل الصراع من صراع عربى - إسرائيلى إلى صراع سنى إسرائيلى - إيرانى ويضيع مع هذا الواقع الجديد قضية الصراع الحقيقية فى تاريخ الأمة العربية وتتلاشى الحقوق الفلسطينية.

من هذا المنطلق فإن الكشف عن قمة إقليمية سرية جمعت بين مصر والأردن وإسرائيل برعاية أمريكية العام الماضى، لم يكن مستغرباً وإنما كان اللافت أن القمة تجاهلت الحديث عن حل الدولتين لكنها بحثت موضوع عقد مؤتمر إقليمى للسلام بمشاركة السعودية ودول خليجية أخرى وموافقة إسرائيل على الإعلان عن توجه إيجابى لمبادرة السلام السعودية المقترحة منذ عام 2002 واستعدادها لإدارة مباحثات سلام مع الدول العربية حول تفاصيلها فى مقابل دعم عربى لمبادرة سلام إقليمية تكون جزءاً منها، وهو الأمر الذى يرسخ لواقع جديد ستكون إسرائيل عنصراً رئيسياً فيه بالسلام الدافئ الذى ستبنيه مع دول المنطقة.