التلاميذ.. كلهم تأثروا به حتى فى طريقة التدخين والمكان الذى يشترى منه السيجار

كتب: سمر نبيه

التلاميذ.. كلهم تأثروا به حتى فى طريقة التدخين والمكان الذى يشترى منه السيجار

التلاميذ.. كلهم تأثروا به حتى فى طريقة التدخين والمكان الذى يشترى منه السيجار

لم يحتاجوا وقتاً للتذكر، سريعاً ما أجابوا فور السؤال: «تعلمنا الكثير وتوارثنا عنه كيف نمتهن المهنة»، ما بين التدقيق والبحث عن المعلومة، وتعلم كيفية التعامل مع المختلفين، والاستفادة منهم، حصر تلاميذ «الأستاذ» وأصدقاؤه، أهم ما تركه لهم، وأهم ما تعلموه منه.

{long_qoute_1}

«لسنا أصدقاءه، الصداقة تتطلب الندية، ولم يكن من بيننا من هو نداً له، لم نكن أصدقاءه بل تلامذته، كل صداقات عمره الأساسية تقريباً، سبقوه للموت، لكونهم كانوا فى عمره، الكثيرون يعرفوننا أصدقاءه، لكنى أرى أننا كنا نتعلم منه ونتتلمذ على يده»، هكذا وصف الكاتب الأديب يوسف القعيد، عضو مجلس النواب، العلاقة التى جمعت «الأستاذ» بمن حوله، مضيفاً: «توارثنا عنه الجدية، الإخلاص فى العمل، أخذ كل ما فى الحياة على مأخذ الجد، التعامل الدقيق مع الوقت»، يقول القعيد: «استفادة الأستاذ، ونجيب محفوظ، من الوقت، معجزة تدرس، لم يستطع غيرهما القيام بها، فقد كان الأستاذ ينظر إلى الوقت على أنه ثروة حقيقية، أعطاها لنا الله، ويجب الاستفادة منها بشكل مدروس».

يضيف القعيد: «هيكل أعد نفسه إعداداً حقيقياً لمهنته، وكان يجيد لغتين، الإنجليزية، والفرنسية، فكان يعد نفسه لمهنة، جزء من متطلباتها أن يكون الصحفى ملماً بما يجرى فى العالم، فقد كان يجيد اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، بل إنه قام بترجمة كتبه التى كتبها بالإنجليزية، بنفسه للعربية، كان يعمل بجدية مطلقة».

{long_qoute_2}

يتابع القعيد: «الأستاذ هيكل كان تجربة فريدة، فقد كان أسطورة غير قابلة للتكرار، وهذه ليست عبادة فرد، فقد كان يرى البعض أن كل ميزته أنه قابل عبدالناصر، وهذا غير حقيقى، فقد استفاد عبدالناصر من هيكل، أكثر مما استفاد هيكل منه، وكان عبدالناصر أكبر صداقة فى حياة هيكل».

«لعنة السيجار أصابت الكثيرين من تلامذته محاولين تقليده، لم يتأثر أصدقاؤه فقط بأسلوبه وكتاباته وتاريخه، وعلاقاته، بل تأثروا أيضاً بطريقة تدخينه»، كما يقول «القعيد»، لكنهم فشلوا، على حد قوله، فى أن يأتوا بالسيجار من نفس المكان الذى كان يشترى منه «هيكل».

يوضح «القعيد» أن «هيكل» كانت علاقته بأبناء جيله، متداخلة ومعقدة، ومركبة، حيث تميز عنهم جميعاً، وأصبح أهم صحفى، ولم يتكرر، سواء فى الأجيال السابقة له، أو الأجيال اللاحقة.

«كانت علاقة سوية، فيها الانبهار والتقدير، ولكن لم يكن بها التوحد، بمعنى أن كثيرين كانوا يقلدونه فى كل شىء، فيكتبون بطريقته، ويفكرون بالطريقة نفسها التى يفكر بها، بل كثيراً ما يحاولون تقليده فى حركات اليد، وفى طريقة الحديث»، بهذه الكلمات، عبر «أحمد الجمال»، القيادى الناصرى، عن علاقته بـ«هيكل»، وعلاقة أصدقائه به.

يضيف «الجمال»: «عرفته لأول مرة عام 1971، عندما كنت طالباً بالماجستير، جامعة عين شمس، واستمرت علاقتى به، إلى أن رأيته آخر مرة عقب عيد ميلاده الثانى والتسعين، فقد استمرت علاقتى به قرابة 40 عاماً، وكان الحوار ممتداً، على كل الأصعدة السياسية، والثقافية، والفكرية، بل وأيضاً إن جاز التعبير، الفلكلورية، فقد كنا نضحك معاً، ويميل إلى سماع النكات، وكان يتحدث أحياناً عن علاقاته النسائية».

يتابع «الجمال»: «تعلمنا منه معرفة طبيعة كل من يتصل به، فقد كان يعرف الانتهازى، والأفاق، ويعرف أيضاً المدعى، والأرزقى، والمثقف، والمناضل، بل كان يحتفظ بهم جميعاً، ويوظفهم بالطريقة المناسبة، ولكونه إنساناً وصحفياً كبيراً، فقد كان يسمع المعلومة، كما يسمع النميمة، ويضحك لها، وأحياناً يعلق، وكثيراً ما كان يصمت، بل كان يستطيع أن يدير هذه العلاقات بشكل أقرب إلى مدرب السيرك، ومجموعة الكائنات التى تلعب فى السيرك، فتتخلى عن طبيعتها، وتأخذ أوامر المدرب، وكل يؤدى دوره بالشكل الذى يريده المدرب، وبهدوء شديد دون أن يصطدموا ببعضهم البعض، فقد كانت الجلسة أحياناً تضم هذه الأصناف كلها.

«تأثرت به فى التدقيق فى المعلومة، والسخرية، والقدرة على مواجهة المواقف دون مراعاة الآثار المترتبة، وكنا نفتح حواراً ساخناً فى كثير من النقاط»، هكذا حصر «الجمال» الإرث الذى تركه له «هيكل» فى الحياة، والعلامات التى أثر بها فى حياته.

«هيكل، لم يكن بحراً وإنما كان محيطاً، لا يمكن أن يلتقى به أحد، أو تصادف الظروف لدى أحد لمقابلته، إلا ويترك فيه أثراً بالغاً، ورغم أنه كان قامة كبيرة، وقيمة غير محدودة، إنما كانت لديه قدرة على التعامل مع المختلفين معه بشكل كبير»، هكذا أراد «يحيى قلاش» نقيب الصحفيين، أن يصف «الأستاذ»، مضيفاً: «لم يكن هيكل يعرف نوعاً واحداً من البشر، وإنما كانت لديه قدرة كبيرة على التعامل مع جميع الأجيال والفئات، فلم يكن يعتمد على جيل واحد، أو أعلام صحفية وسياسية وثقافية معينة، أو تيار سياسى واحد، وإنما كان موسوعة متعدد العلاقات، ومتعدد الاهتمامات، فنجده شاعراً فى الأدب، ودبلوماسياً فى السياسة الخارجية، ومن يجلس معه يشعر أنه قريب منه، ومن ثقافته، ومن أفضل ما تمتع به هو تقديره للمختلفين، ومصادقته معه بلا أى أثر سلبى فى العلاقة، وقد تعلمنا منه ذلك».

ويتابع «قلاش»: «كانت أول مرة تواصلت فيها معه عام 95، أثناء أزمة قانون الصحافة رقم 93 لسنة 95، لم تكن لدىّ حينها علاقة به، أرسلت له يوم الخميس 10 يونيو 95، أطلب منه كلمته للجمعية العمومية، التى كان مقرراً لها أن تنعقد يوم السبت، فوجدته يستدعينى فى مكتبه يوم الجمعة، بعد أن جاء صباحاً إلى القاهرة، من منزله الريفى فى برقاش، وجدته قد أعد ورقة بوجهة نظره، وسلمها لى، قائلاً: «هذه كلمتى، وأنت مؤتمن عليها»، وكانت بها الكلمة الشهيرة له التى وصف فيها مبارك قائلاً: «سلطة شاخت على مقاعدها»، والتى أحدثت رد فعل وصدى كبيرين».

ويضيف قلاش: «كتبه تراث، استفدت منها وما زلت، فلم يكن يسجل الأحداث ويسردها فقط، وإنما كان أيضاً محللاً لها، فقد كان جبرتى عصره، هكذا نحاول أن نتعلم منه، هيكل سيظل كالأهرام، أثره موجود، وسيظل جزءاً من تاريخ مصر الحديث».

«لم يترك الأستاذ إرثاً وعلامة فارقة لدى أصدقائه فقط، بل ترك إرثاً للوطن كله»، يقول جمال فهمى، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق: «الذين أتيحت لهم فرصة الاقتراب منه، مثلى تزودوا منه بزاد هائل، سواء عقلى معرفى، أو عاطفى وأخلاقى، فقد كان قامة كبيرة لديه من اللطف والود الإنسانى ما استطاع أن يحتوى به كل من حوله، فشعرت بعده باليتم».

ويضيف «فهمى»: «الأستاذ من فرط لطفه، وأخلاقه، وتهذيبه، يعطى لشخص مثلى إحساس الصداقة والدفء، ففى آخر مرة سجنت لم يكن يمر يوم بدون الاتصال بزوجتى، وأسرتى، يومياً».

ويتابع «فهمى»: «أعطى الأستاذ قيمة للمهنة، حيث قدم نموذجاً للصحفى المستقل، يحتفظ باستقلاله، وبمساحة بينه وبين رؤساء الجمهورية، الذين كانوا يحاولون جميعاً التقرب منه، كذلك تعلمنا منه، كيف نثقف أنفسنا، وأن كل صحفى عليه واجب فى تثقيف نفسه، وتوسيع مداركه ومعارفه، وكان ذلك من أهم الدروس التى تعلمتها منه، فالصحفى لا تكتمل أركانه بدون الثقافة والمعرفة، فجيل الرواد لم يكونوا يكتفون بالعمل الصحفى البسيط، وإنما كانوا يمتلكون قدراً كبيراً من الثقافة والمعرفة».


مواضيع متعلقة