مقالات من زمن فات: رسالة إلى محمد حسنين هيكل

أنا معتقد أنك متأكد من عدم موافقتى على كتاباتك السياسية؛ لأنك تتذكر ما كان يقوم بيننا من خلاف عندما نجتمع فى جلسات مجلس الإدارة بالأهرام، حيث كنت أوجه إليك الهجوم العنيف، وحين تنتهى الجلسة فإذ بذراعى فى ذراعك ونذهب لنتناول الطعام معاً ونحن نبتسم ونضحك، وذلك لأن علاقتنا كانت تقوم على أمرين: الثوابت والمتغيرات، فأما الثوابت فهى المحبة والمودة، وأما المتغير فهى الآراء من سياسة وغيرها.. لا نخلط أحدهما بالآخر.. إنى أكتب إليك اليوم لكى أهدئ من أعصابك بدافع من هذه المودة والمحبة وأنا بالذات لسبب واحد لأن حالتى تشبه حالتك، فأنت كتبت كتاب «خريف الغضب» وأعتبره هجوماً على «السادات» بعد موته، وأنا كتبت كتاباً هو «عودة الوعى» وهو اعتبرته هجوماً على «عبدالناصر» بعد موته، وقد يفسر الغضب عندك بأنه وضعك فى السجن، فأما أنا فلم يضعنى «عبدالناصر» فى السجن ولم يبق أمام العالم العربى إلا تفسير واحد وهو عدم الوفاء أو ربما النفاق لعهد آخر، واليوم أيضاً تقوم ضدى القيامة لكتابة أخرى قيل إنها ضد الله تعالى، فأنا الآن فى وحدتى التى تعرفها لا زوجة ولا ولد أعيش مع الله وأناجيه، فقالوا إن هذه المناجاة ضلال وإخلال وطردونى من جنة الله وانهالت علىّ خطابات الغوغاء وحتى بعض العقلاء تترحم على عقلى الذى ذهب والتخريف الذى جاء مع الشيخوخة، كل الذى يهمنى بالنسبة لك ولى وهو عدم احترام الرأى الحر.. فاكتب رأيك ولا أكتب أنا رأيى.

ليس من الضرورى أن يعجبنى رأيك أو يعجبك رأيى المهم أن يوجد الرأيان والأهم أن يكون المجتمع خالياً من السلطة الواحدة، المسيطرة برأى واحد، التى يمكنها إسكات أى صوت غيره، وقد كان ينقل لنا من حكايات الأساطير القديمة أن للملك وزيرين، وزيراً على اليمين، ويسمى بالميمنة، ووزيراً على يساره أو شمال ويسمى بالمشملة، كما كنا نسميه ضاحكين.

اليوم أود أن يكون وزير الميمنة هو الوزير المؤيد للحكم ووزير المشملة المعارض للحكم، والحاكم يستمع لكل منهم بعين الاهتمام وسوف يستخلص رأيه بعد فحص الرأيين بكل دقة ونزاهة، وقد قلت للمشايخ الذين زارونى فى المنزل، لسؤالى عن موقفى من الله ومن الحساب والدين، إذا كان هناك حساب فى الآخرة فأنا مطمئن، فأما عن الحساب فلا بد له أن تكون هناك محكمة يسمح فيها بإبداء دفاعى لأن كل اتهام لا بد له من الدفاع، لا بد فى الآخر أن يكون الحساب فى جو من النقاء والصفاء، ما يجعل الدفاع مسموعاً، فأما فى الدنيا فإن أصوات الغوغائية مقترنة أحياناً بأصوات جديدة مفرقعة يجعل صوت الدفاع مخنوقاً.. لك منى الثبات فى حياتك والمودة والمحبة.

الأهالى - 1 يونيو 1983