أوامر «نتنياهو» لـ«ترامب»

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

من غير المعقول أن يتحدد مصير علاقة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بالفلسطينيين بعد اللقاء المنتظر بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى منتصف الشهر الحالى! فكل ما يتعلق بالاتصالات بين الفلسطينيين والإدارة الأمريكية الجديدة مقطوع إلى أجل غير مسمى ويعانى من تجاهل متعمد لم يعهده الفلسطينيون فى أى إدارة أمريكية سابقة، رسائل عدة أرسلتها القيادة الفلسطينية للرئيس الجديد لم تكلف الإدارة الجديدة نفسها عناء الرد عليها، فضلاً عن اتصالات مكثفة أجراها كبير المفاوضين، الدكتور صائب عريقات، مع شخصيات أمريكية مقربة من الدائرة المصغرة لـ«ترامب» باءت بالفشل وكان مصيرها التجاهل التام، حتى إن نائب رئيس الوزراء فى السلطة الفلسطينية، الدكتور زياد أبوعمرو، والنائب العربى فى الكنيست الإسرائيلى، الدكتور أحمد الطيبى، حاولا، بالتعاون مع رجال أعمال أمريكيين من أصول فلسطينية، فتح قناة اتصال مع إدارة «ترامب» والاجتماع مع العاملين فى دائرته المصغرة التى تشرف على سياسة الشرق الأوسط وعملية السلام الفلسطينى الإسرائيلى التى يقودها صهره جاريد كوشنر، لكنهما فشلا فى الوصول إلى «ترامب»، بل إن الممثل الخاص للإدارة الأمريكية فى المفاوضات الدولية، جيسون جرينبلات، فى لقائه مع ثلاثة من رجال الأعمال الفلسطينيين المقربين من رئيس السلطة، محمود عباس، حسم الجدل وأبلغهم أن الإدارة الأمريكية غير معنية ببناء علاقات مع السلطة الفلسطينية فى الوقت الراهن!.

كل التصريحات التى تخرج من البيت الأبيض حول هذا الملف لا تعلق إلا بجملة واحدة: «انتظروا لقاء الرئيس مع رئيس الوزراء الإسرائيلى وعندها ستتحدد سياستنا»!! وكأن اللقاء المنتظر بين «ترامب» و«نتنياهو» فيه الحل السحرى لكل القضايا والملفات العالقة والمستعصية، أو أن «نتنياهو» سيأتى وفى جعبته معجزة ستلهم «ترامب» كيفية التعامل مع الفلسطينيين وتحدد طبيعة العلاقة الأمريكية مع السلطة الفلسطينية التى باتت على المحك، بعد التعهدات التى قطعها «ترامب» مراراً وتكراراً بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهى الفكرة التى أثارت غضب الفلسطينيين والعرب، فخطوة كهذه من شأنها خلق أزمة فى المنطقة، كذلك تجميد واشنطن مبلغ 221 مليون دولار كانت إدارة «أوباما» قد صادقت عليها فى الساعات الأخيرة لها فى البيت الأبيض.

لكن وبعد تراجع «ترامب»، إثر ضغوط، فى بيان أصدرته الإدارة الأمريكية بأن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع مستوطنات قائمة وراء حدود إسرائيل الحالية قد لا يكونان مجديين فى تحقيق السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، سارع الكنيست الإسرائيلى بإقرار قانون التسويات الذى يضفى شرعية على البؤر الاستيطانية ويشرع سياسة سرقة الأراضى الفلسطينية وتحويلها إلى مجال حيوى للنشاطات الاستيطانية وإضفاء شرعية بأثر رجعى على بؤر استيطانية بنيت بشكل غير قانونى على أراضٍ فلسطينية تقع فى عمق الضفة الغربية، ومد ولاية القوانين الإسرائيلية ليس فقط على المستوطنين بل على الأراضى الفلسطينية تمهيداً لضم ما يسمى بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى؛ مناطق (ج) الضفة الغربية إلى إسرائيل.

إن الضوء الأخضر الذى يمنحه «ترامب» لإسرائيل فى كل ما تقوم به من ممارسات كدولة مارقة واستثنائية تتحمل الإدارة الأمريكية الحالية المسئولية الكاملة عنها، خاصة بعد رفض الإدارة الأمريكية التعليق على إقرار الكنيست قانون التسويات وتذرعها بالحاجة إلى فرصة للتشاور مع جميع الأطراف بشأن الطريق الواجب سلوكه، ورهانها بأن يعاد النظر فى هذا التشريع من قبَل المحاكم الإسرائيلية، وهو ما يفسر إصرار الرئيس الأمريكى على تجاهل كل مبادرات الجانب الفلسطينى للتواصل معه إلا بعد أن تسمح له إسرائيل بما يجب الاتفاق عليه وكيفية التعاطى مع الفلسطينيين من خلالها ضارباً عرض الحائط بالسلام والسلم الدولى وما سيترتب من أزمات على خلفية هذه السياسة التى تفتقر إلى التوازن والدبلوماسية.