«ترسانة محمد على» ميراث صناعة الأساطيل تحول إلى «تخت».. و«الحميات» أصبح «بيتاً للأشباح»

كتب: رحاب لؤى

«ترسانة محمد على» ميراث صناعة الأساطيل تحول إلى «تخت».. و«الحميات» أصبح «بيتاً للأشباح»

«ترسانة محمد على» ميراث صناعة الأساطيل تحول إلى «تخت».. و«الحميات» أصبح «بيتاً للأشباح»

تمثل شركة «الترسانة البحرية» فى إمبابة إرثاً عمره 205 أعوام، تركه مؤسس مصر الحديثة محمد على باشا، متخيلاً أن ذاك الدور الذى لعبته ترسانته لسنوات فى مشروعه الاقتصادى الوطنى العملاق سيستمر، إلا أن ترسانته لحق بها ما أصاب غيرها من أعمال التخريب والإفساد، فيما ظلت أوتادها التى غرسها الرجل فى الأعماق، تأبى الزوال رغم ما حاق بها. 85 فداناً، محاطة بسور، لا يعلم كثيرون من أهل إمبابة ما يوجد خلفه، البعض يتخيل أنها مجرد أرض وقف، ستتحول يوماً ما إلى متنزه، خصوصاً تلك الأجيال الجديدة التى لا تدرى الكثير عن التاريخ المجيد، فيما تبدو الاستفادة الوحيدة منها للأجيال الأكبر سناً، هى حالة الهدوء تلك التى تحيط بالأرض البراح، وتسمح لهؤلاء الراغبين فى إيجاد مكان «ركنة» هادئ للاستفادة، كذلك الأمر لهؤلاء الراغبين فى تعلم القيادة ولا يجدون فى المنطقة المكتظة مكاناً أنسب من تلك البقعة بالذات، كى تشهد أولى محاولاتهم.

{long_qoute_1}

الاسم المهيب للترسانة يدفع كثيرين إلى تخيل مهمتها: «دى كانوا بيعملوا فيها السفن أيام محمد على»، هذا ما أكده أحد المارة، الذى يقطع الطريق المقابل لها يومياً ذهاباً وإياباً فى رحلته للعمل، فيما تبقى المهمة الحقيقية لـ«الترسانة» غامضة ويشرحها الموقع الرسمى لـ«الشركة» بكلمات مقتضبة: «نقوم بعمليات تطهير نهر النيل وعمل وصيانة الأهوسة، والكبارى، بالإضافة إلى إنشاء الوحدات البحرية». مهام فارقة اعتادت الشركة تنفيذها لأكثر من قرنين من الزمان، سواء من خلال موقعها القديم على جنبات نيل بولاق أبوالعلا، أو من موقعها التالى على نيل إمبابة، الذى صدر قرار بنقلها إليه عام 1958 من وزير الرى آنذاك، لتظل الشركة من وقتها أشبه بـ«الطفل اللقيط» لا أبَ شرعياً واضحاً لها، ولا مهام محددة ومستمرة، فقد بدأت المأساة مع النكسة عام 1967، عندما نُقلت تبعية الشركة لأكثر من جهة، حتى استقرت على التبعية للشركة القابضة للنقل البحرى، التى لم تدخر جهداً فى بيع 131 ألف متر مربع من أراضيها، لتأخذ الحصيلة وتنقل تبعيتها إلى الشركة القابضة للصناعات المعدنية عام 2000 بقرار من رئيس الوزراء حمل رقم 3149 لعام 2009، وهو قرار لم يدخل حيز التنفيذ إلا عام 2006 حيث تم نقل ملكية كل أراضى الشركة بالشهر العقارى إلى الشركة القابضة، باستثناء 73 ألف متر هى مساحة الشوارع العمومية المحيطة بالشركة، تركتها الشركة القابضة، إلا أن عمليات «القضم» من جسد الشركة لم تتوقف عند هذا الحد، وتواصل البيع «بالقطعة» تارة بصورة رسمية، وأخرى بشكل غير رسمى عبر «وضع اليد».

{long_qoute_2}

«فوجئنا بحضور لجنة من بنك مصر، والبنك الأهلى، والشركة القابضة، إلى مقر الشركة، ومعها قرار من رئيس مجلس الوزراء الذى انتهى إلى نقل ملكية المساحة الموجودة بها بعض ورش الشركة والمبنى الإدارى تبلغ 7000 متر مربع إلى كل من البنك الأهلى وبنك مصر، فى إطار تسوية مديونيات شركات قطاع الأعمال لدى البنوك».. هذا ما أكده أعضاء اللجنة النقابية بالشركة الذين توجهوا عام 2011 بخطاب إلى مجلس الوزراء شرحوا فيه أوضاع الشركة وتسلسل الأحداث التى جرت لها بالتفصيل، مطالبين بالنظر بعين العطف لأسر 600 من العاملين بها، بعد قرار نقل أراضى الشركة إلى البنكين.

تساءل مصطفى زكى، رئيس اللجنة النقابية، فى خطاب من الجنة إلى رئيس الوزراء عام 2011: «هل مصير هذه الأرض أن تكون وكراً للصوص الذين يهجمون على الشركة، أم يمكن الاستفادة من الأرض وتوسيع دائرة العمل واستيعاب عمالة أكثر لخدمة الاقتصاد الوطنى؟». وهو التساؤل الذى لم يجد له إجابة حتى اللحظة، فيما تعاقب رؤساء الوزارات، وبقى وضع الأرض معقداً، ويحارب أصحابه محاولات الاعتداء ووضع اليد المستمرة ويخشون تلك اللحظة التى تعاود فيها البنوك المطالبة بوضع يدها على «لقمة عيشهم»، فضلاً عن مخاوف العجز عن الوفاء بالمهام الجديدة الموكلة إليهم فى ظل التخلف الشديد للمعدات.

كان آخر شفاط تستخدمه الترسانة وصل إلى الشركة عام 1995 بينما باقى الشفاطات ترجع لعام 1948 حيث تتكلف صيانتها مبالغ باهظة، وعلى هذا المنوال تسير الأمور داخل الشركة العريقة. ورغم ذلك يظل الأمل قائماً لدى الشركة التى قامت بتنفيذ هويس نجع حمادى، وكوبرى دمياط المعدنى «1، و2»، ومحطة رفع صحى بجمصة، وهويس الدلتا بالقناطر الخيرية، وكوبرى الصافورية وغيرها الكثير. يبدو «الحال الواقف» أسلوب حياة، وليس مجرد حالة خاصة بالترسانة، ففى الوقت الذى اختفت فيه مشاريع واعدة كاملة من على الأرض كما حدث مع مصنع البطاطين بالساحل ومصنع الكراسى لتحل الأبراج الشاهقة محل المشاريع الوطنية، ما يزال وصف «البيت الوقف» ينطبق على كثير من الإنشاءات والمبانى التابعة للدولة التى استنزفت ملايين الجنيهات فى التشييد على رأسها «المبنى الخرسانى» التابع لحميات إمبابة. غضب عنيف انطلق فى وجه الدكتور أحمد عماد الدين وزير الصحة والسكان، حين قرر تحويل المبنى الخرسانى التابع لمستشفى حميات إمبابة، إلى معهد للقلب، لذا استقبل الرجل أول أيام 2016 بقرار بدا مُرضياً لكثيرين بشأن المبنى الموقوف حاله منذ عام 1997 وحتى الآن.

ما يزال المبنى كئيباً يحمل تلك اللافتة الخاصة بمشروع «إنشاء مبنى الاستقبال والطوارئ» التابع لحميات إمبابة، مع اسم المقاول العام، ورئيس الإدارة الهندسية بوزارة الصحة، المسئول عن القرار وقتها، ليس هذا فحسب، الصورة تكتمل مع عشرات السيارات الخربة المكسوة بالتراب، التى تفصل المبنى عن الشارع بالتعاون مع سور تحول مع الوقت إلى «مبولة» عامة. 19 عاماً كانت كفيلة بإثارة الأساطير حول المبنى الذى أصبح فى عرف كثيرين مجرد «بيت أشباح» «لا يسمن ولا يشفى» تماماً كما هو الحال مع «مساكن مطار إمبابة» التى جرى تشييدها على مساحة 52 فداناً، فى إطار مشروع تطوير شمال الجيزة ومنطقة مطار إمبابة، وحملت لسنوات تلك اللافتة التى تشير بدورها إلى تاريخ الانتهاء الذى كان من المقرر أن يكون فى 31 أكتوبر عام 2014، وبقيت فيها خانة «باقى من الزمن» فارغة، حيث تخطت الشركة المنفذة التاريخ، لتعلن فى بداية فبراير من عام 2015 انتهاء 95% من المشروع الذى يضم وحدات تتراوح مساحاتها من 85 حتى 140 متراً مربعاً وظلت مثار أحلام المئات من الحالمين بشقة فى المشروع المغرى، الذى انتهى قبل عامين تقريباً، وحدث باسمه عمليات نصب عديدة.


مواضيع متعلقة