عقلاء مصر والسعودية

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

فاجأنا الرئيس الفلسطينى أبومازن بالصمت ثم قال «الملك عبدالله طال عمره قال لى يا أبومازن لو تأخر السيسى قليلاً لكنا وأنتم فى حال آخر»، واستكمل الرجل حديثه عن مصر وما جرى فى 30 يونيو متحدثاً عن تاريخ جديد فى المنطقة يعيدها إلى مسارها الصحيح.

اللقاء كان دعوة على العشاء من أبومازن فى مقر إقامة السفير الفلسطينى بالأردن قبل عامين وتحديداً فى ديسمبر 2014، كنا وقتها نسجل حواراً مع الرئيس الفلسطينى أجراه الصديق الإعلامى البارز عمروعبدالحميد، الذى جلس على يمين الرئيس وكنت تالياً له، وأمامنا جلس د. صائب عريقات والسيد نبيل أبوردينة ونخبة من معاونى الرئيس ومستشاريه.

دار حوار طويل أثناء العشاء والجميع يعلم أن أحاديث الهامش أهم من التسجيلات الرسمية، واحتلت أحداث ثورة يونيو جزءاً مهماً منه، وكان أبومازن حريصاً على التأكيد أنها ثورة أنقذت المنطقة وغيرت مسارات كان مخططاً لها.

حديث الراحل الملك عبدالله طيب الله ثراه الذى نقله الرئيس أبومازن كشف عن فهم عميق للرجل لما كان يحدث فى مصر وعلاقته بمستقبل المنطقة، وأن ما جرى لم يخص القاهرة وحدها قدر ما ارتبط أيضاً بحماية مناطق أخرى كان مخططاً أن تنضم إلى القافلة وتنهار، لذلك كانت المساندة المطلقة للقاهرة ولثورة يونيو، ليس ارتباطاً بمنافع متبادلة، وليست برؤية استغلال الموقف واحتواء القاهرة تمهيداً لتوظيف عاصمة العرب فى رؤى سياسية محددة، بالعكس كان التقارب والدعم اللا محدود الذى تجاوز العاصمتين إلى دعم إقليمى ودولى بهدف مساندة ثورة فى مسيرتها من أجل حماية الأمن القومى العربى وحماية المملكة ذاتها، ورغم أن مياهاً كثيرة جرت فى النهر بعد وفاة الملك عبدالله لكنى لا أعتقد أن متغيرات حقيقية تمت فى هذه الرؤية أو غيرت فى المسارات التى كان مخططاً لها التهام عواصم النفوذ العربى، وفى مقدمها القاهرة والرياض، بعد أن تمت فعلياً خطة سلخ عواصم أخرى عديدة، بل إن المملكة ما زالت مهددة بالكثير من المخاطر المتعددة والمتنوعة.

السؤال الآن هل انتهت الأوضاع التى بسببها كانت مواقف الملك عبدالله والمملكة؟ وهل تغيرت الموازين بحيث عاد الأعداء المهددون للمملكة ليتحولوا إلى أصدقاء وحلفاء كما كانوا لسنوات طويلة؟ وهل اكتشفت المملكة فجأة أنها كانت تهدر مساعداتها لمصر لأنها لم تحصل على المقابل؟ وما هو المقابل الجديد غير ذلك الذى رصده الراحل العظيم؟ والأسئلة ذاتها فى المقابل.. هل قررت مصر نفض يدها من تحالفات وتوافقات إقليمية عربية جرت فى السنتين الماضيتين وقررت نهج توجهات مختلفة؟ وهل يمكن تخيل تفوق مساحات الاختلاف على مساحات الاتفاق؟ وهل تصدرت المصالح الوطنية وتفوقت على المصلحة الإقليمية المشتركة؟ الأسئلة مطروحة على الطرفين، ولا يمكن استخدام بعض الأصوات الشريرة هنا أو هناك فى توسيع الفجوة وتعميق مناطق الخلاف، بل يجب أيضاً على القيادات الشابة أن تستعيد رؤى القيادات التاريخية لطبيعة التوازنات فى الإقليم.

عقلاء مصر والسعودية سيحملون أمام شعوبهم أوزار أى انهيارات جديدة تحصل فى المنطقة إذا ما تواصلت مسيرة تجنب مناطق الاتفاق وتعظيم مساحات الاختلاف.