بالصور | "الأويما" في خطر بسبب "الحيتان".. والحرفيون يتحولون لـ"قهوجية وسائقين"

كتب: سهاد الخضري

بالصور | "الأويما" في خطر بسبب "الحيتان".. والحرفيون يتحولون لـ"قهوجية وسائقين"

بالصور | "الأويما" في خطر بسبب "الحيتان".. والحرفيون يتحولون لـ"قهوجية وسائقين"

حرفة "الأويما" واحدة من الحرف اليدوية التي طالما اشتهرت بها محافظة دمياط وذاع صيتها حتى باتت تنافس إيطاليا وفرنسا منذ القدم، وتمكَّن حرفيو دمياط من رفع اسم المحافظة عاليا، وباتت المنتجات الدمياطي تصدر لدول العالم العربي والأجنبي واشتغل بالحرفة ما يزيد عن 100 ألف أويمجي، حيث يبدأ الصانع تعلم أصول المهنة وهو لم يبلغ بعد خمس أو سبع سنوات على يد والده.

وتعرف "الأويما" بحرفة الحفر على الخشب، وتُعد ليست حرفة فحسب يمتهنها عشرات الآلاف من الدمايطة بل فن وإبداع نادرا ما يتوفر في أشخاص بعينهم، حيث يتميز صاحبها بالذكاء الذي يمكِّن صاحبها من إبداع أشكال غير موجودة من قبل يرسمها "المسطرجي" ويبلغ ثمن الواحدة منها آلاف الجنيهات على حسب إبداع كل منها والمجهود المبذول فيها، وتُعد "المسطرة" هي أساس العمل الذي يعمل عليه "الأويمجي" فيما بعد، فهو دائما ما يتمتع بحس فني وذوق عالٍ وتتنوع الأشكال التي ينتحتها "الأويمجية" على الأخشاب ما بين الحفر المسطح كالتخريم والتخريق والخراطة والحفر المجس كالبارز المجسم والمشكِّل والغائر.

ويستخدم الأويمجي أنواعا مختلفة من الأخشاب كالخشب الزان والسويد، ومع الارتفاع الجنوني في أسعار الخشب لجأ البعض منهم لاستخدام خشب الشجر "البلوط"، حيث يبلغ ثمن المتر منه 5500 جنيه فيما تراوح ثمن متر خشب الزان ما بين 8800 حتى 9500 جنيه، ومع دخول ماكينات الكمبيوتر الشهيرة بـ"الصيني" قبل 3 أعوام تقلص عدد العاملين بحرفة "الأويما" لنحو 30 ألفا بدلا من 100 ألف، وباتت مهنة "الأويما" في دمياط مهددة بالانقراض بعدما استعان "الحيتان" بالماكينات نظرا لتوفيرها الوقت والأموال، حيث تقوم الماكينة الواحدة بعمل نحو 5 أويمجية، ويسيطر على السوق الدمياطية نحو 20 مستوردا هم من أدخلوا تلك الماكينات إلى دمياط، ما تسبب في اندثار الحرفة وتحولت المناطق الشهيرة بانتشار حرفة الأويما مثل "الأعصر، عزبة اللحم، الخياطة، الشعراء والسيالة" لأشبه بالخرابات حيث أغلقت آلاف الورش وتحول العاملين بالمهنة إلى مهن أخرى لقهوجية وبائعي خضار وفاكهة وبقالين وسائقي ترويسكل، ولم يكن دخول تلك الماكينات هي الكارثة الوحيدة التي ضربت المهنة بل ارتفاع أسعار الخامات هي الأخرى كان له دور.

بوجه بائس يقول عاطف أبو عيطة (30 عاما، أويمجي): "بعد 25 عاما قضيتها في المهنة بقيت مهدد بأنني في يوم وليلة أتحول لعاطل مش عارف هصرف على أسرتي منين ولا أروح فين، مصدر رزقي على كف عفريت، ربنا ينتقم من اللي كان سبب في القضاء على حرفة الأويما التي طالما اشتهرت بها دمياط لما يزيد عن قرن، حسبي الله ونعم الوكيل في كل ظالم، ما يزيد عن 80% من ورش الأويما أغلقت، خاصة بعدما قام أصحاب المصالح بشراء ماكينات الكمبيوتر واستغنوا عن الصنايعي وتوجه العديد منا للعمل كقهوجي أو بائع خضر وفاكهة أو عامل في سوبر ماركت".

يتوقف "عاطف" للحظات ثم يستكمل حديثه قائلا: "خبطتين في الرأس توجع هنلاقيها من ماكينات الأويما ولا ارتفاع أسعار الخامات التي زادت 200% البقاء لله في حرفة الأويما والصنايعي الدمايطى فمنذ 3 سنوات بعد دخول ماكينات الكمبيوتر الصناعة استغنى أصحاب العمل عن الأويمجية واختفى الفن الدمياطي الذي طالما اشتهرنا به من النحت على الخشب حيث أصبحت كصنايعي أقوم بنحو 10% من مراحل العمل لأتقاضى في آخر الأسبوع أجرا زهيدا لا يكفي أسرتي الصغيرة المكونة من 4 أفراد فرغم نزول ماكينات التخبيط قبل الكمبيوتر لم تؤثر على المهنة بل كانت تساعدنا، أما بعد نزول الماكينات الكمبيوتر فبات دورنا فحسب تجريح الخشب، وبالفعل فكرت كثيرا في ترك المهنة ومش عارف لو تركت مهنتي هروح أشتغل إيه بعد 25 عام من عمري قضيتهم فيها هسرق ولا أشتغل إيه عشان أصرف على ولادي، ورغم انخفاض الدولار رفع التجار أسعار الخامات فوصل سعر الخشب الزان اليوم 8800 بعدما كان لا يتخطى 4200 قبل شهرين، كما خزن المستوردون الخامات في مخازنهم وكل يوم يطلعوا بسعر جديد"، متسائلا: "أين الجهات الرقابية من هؤلاء فأغلب الورش قفلت وحاليا لو اشتغلت 24ساعة متواصل مش هكفي متطلبات أسرتي بعد زيادة الأسعار".

على بعد خطوات منه، يقف محمود عامر، أويمجي، ممسكا بصنفرة إحدى أدوات الأويما كي يصنفر قطعة الخشب، ويقول عامر: "بشتغل 12 ساعة يوميا ومش عارف أصرف على أطفالي منين، الملاليم اللي باخدها لا تكفي، خاصة بعد اقتصار عملي على تجريح قطعة الخشب أو صنفرتها فحسب بعدما دخلت ماكينات الأويما ولو وجدت مهنة أخرى هترك مهنتي".

ويضيف عامر قائلا: "حال البلد واقف والدخل لا يكفي ولو اشتغلت بـ400 جنيه في الأسبوع مش هيعملوا حاجة، خاصة وأننا مستأجرين ورشة ورغم صدور قرارات من المحافظ الأسبق بمنع الماكينات الصيني إلا أنه لم يطبق على أرض الواقع بعدما تدخل الحيتان الذين استعانوا بتلك الماكينات ليقضوا على الصانع الدمياطي"، مضيفا: "الكثير من أصدقائي صنايعية أيديهم تتلف في حرير بعد قضاء سنوات عمرهم في المهنة تحولوا مؤخرا لقهوجية وبائعي فجل وجرجير يرضي من ده".

وعلى مقعد خشبي جلس عمر مسعد، أويمجي، 33 عاما، يضرب كفا بكف، لا يعلم كيف سيدبر نفقات أسرته الصغيرة المكونة من 4 أفراد وهو أب لطفلين بعد دخول ماكينات الكمبيوتر التي باتت تقوم بمهام عملهم، ويقول عمر: "نحن أصبحنا لا قيمة لنا، والحرفة التي توارثناها أبا عن جد واشتهرت بها دمياط في الداخل والخارج تحتضر، فالماكينات من جانب والأسعار من جانب آخر"، متسائلا: "هل يعقل أن تدمر مهنة بسبب آلة جديدة أدخلها حيتان السوق ليوفروا نفقاتهم فحسب، حيث باتت ماكينات الكمبيوتر تقوم بـ95% من مهام الأويمجي وهو ما دفعني جديا للتفكير مرارا وتكررا في ترك المهنة بس مش عارف أشتغل إيه ثاني، دي المهنة اللي شربتها أبا عن جد".

وتساءل عمر: "ما دور الغرفة التجارية في دعم الصناع، فهي لا تقدم لنا شيئا، ورغم تعرضنا للإصابة وقصر عمرنا المهني إلا أننا لا نجد أي اهتمام أو رعاية من المسؤولين، فلا معاش ولا تأمين ونحن أكثر عرضة للإصابة بأمراض الدوالي والخشونة وضعف النظر أو فقدان البصر حال اختراق قطعة خشب العين أثناء العمل، أما التجاريين فالأكثر عرضة للإصابة بقطع الأطراف والعجز".

وبدوره يقول محمد الحطاب، أمين الصندوق بنقابة صناع الأثاث المستقلة في دمياط، لـ"الوطن": "ماكينات الكمبيوتر (الصيني) قضت على حرفة الأويما في دمياط منذ دخولها سوق العمل الدمياطي قبل 3 أعوام، حيث تقلص عدد العاملين بالمهنة من 100 ألف لنحو 30 ألفا، والنسبة الباقية في طريقها للانقراض حيث توجه الأويمجية لمهن أخرى كسائقي النقل أو قهوجية أو بائعي خضار وفاكهة، أما بعد دخول الماكينات الصيني بات دور الأويمجى بيع الخشب فحسب ولم يعد للصانع قيمة وتوسع في إدخالها نواب البرلمان عن جماعة الإخوان أثناء فترة حكمهم محافظة دمياط".

وأضاف أنه رغم تدخل المحافظ الأسبق اللواء محمد علي فليفل ومحاولاته المستميتة لمنع دخول تلك الماكينات السوق الدمياطية حتى لا تقضي على الحرفة التي طالما اشتهرت بها دمياط إلا أنه عجز عن ذلك بعدما تدخل حيتان السوق، ووضع "فليفل" حينها شروطا تعجيزية لمنع دخول تلك الماكينات.

وتابع "الحطاب" قائلا: "أمهر صنايعي في دمياط تم القضاء عليه"، مطالبا بصرف معاشات وتأمينات ومساندة الدولة للصناع بصرف بدل بطالة ومنع استيراد الماكينات الصيني أو تقنين وضعها، مضيفا: "هناك دول تقف وراء مستوردي تلك الماكينات للقضاء على صناعة الأثاث في دمياط فثمن ماكينة الكمبيوتر في بلد منشئها أغلى بكثير من ثمن بيعها في دمياط، حيث تباع الماكينة بسعر 100 ألف جنيه وما تتعرض له الحرفة لن تمكنها من منافسة الأجنبي".

 


مواضيع متعلقة