عفواً سيادة الوزير.. لا ندرس التطرف فى كلية الطب!

يصرح السيد الفاضل وزير الثقافة فى اجتماع برلمانى لتطوير التعليم بأن المتطرفين عادة هم خريجو كليات الطب!

لا أعرف كيف توصل سيادته لتلك الإحصائية أو هذا الاستنتاج.. ولا أدرى كيف يمكن أن يصرح وزير مسئول بذلك التصريح.. ولكننى أدعوه أن يقرأ السطور المقبلة.. لعله يعود عن قناعته التى أرفضها ومعى جموع الأطباء.

الإجابة سيدى تحتاج أن تقرأ التاريخ جيداً لتعرف ماذا حدث فى سبعينات القرن الماضى.. وبالتحديد ماذا فعل الرئيس السادات ليصبح الواقع الذى نعيشه هكذا!..

ماذا فعل السادات ليدمر كليات الطب تحديداً؟!

فى البداية أود أن أعترف أننى أحمل للرئيس الراحل أنور السادات عشقاً لا يحظى به رئيس آخر لمصر حتى الآن.. الأمر لا يعود لأننى أقدر من يدخنون الغليون فحسب.. ولكن لأنه ربما يعتبر أذكى من جلس على كرسى الحكم فى مصر عبر تاريخها الطويل!.. ومن منا لا يقدر الأذكياء؟!

إنه يتسلم أنقاض دولة بعد زعيم استثنائى.. قلَّ فى التاريخ أن تجد مثله.. دولة مهزومة عسكرياً.. مهتزة نفسياً إلى أقصى حد.. دولة لا تعرف لها مستقبلاً فى ظل متغيرات إقليمية وتوجهات عالمية ضد اليسار الذى كان يميل إليه سلفه كثيراً!.. ولكنه بالرغم من كل هذا يتمكن من الانتصار واستعادة الأرض المسلوبة.. والأهم من كل هذا ينجح فى كسر شوكة اليسار سياسياً ويضربهم بيمين متطرف يصنعه بيديه من بقايا الأقبية الناصرية والزنازين.. ليحوله طوال عشر سنوات كاملة إلى تيار داجن أليف!

ربما كان الخطأ الوحيد الذى ارتكبه هو أنه اطمأن إلى دميته الإسلامية، التى صنعها، أكثر من اللازم.. فالتف فرانكشتين كالمعتاد على صانعه.. وقتله!

الطريف.. أن السادات فى رحلته لهدفه الأهم -وهو تحجيم اليسار وتمهيد الساحة للتيار الإسلامى- قد دمر الكثير من الكيانات.. واخترق بذكاء يحسب له العديد من التنظيمات لتسقط من سباق السياسة المحموم.. لم تكن النقابات المهنية أولها ولا بقايا الأحزاب آخرها.. لتخلو الساحة من غير الإسلاميين.. الذين نجحوا بدورهم فى استغلال أفضل فرصة أتيحت لهم فى التاريخ.. واحتلوا مواقعهم فى الوجدان الجمعى لأمة بأكملها.. محتمين بشعار دينى محبب ومقرب إلى الأذهان المصرية منذ فجر التاريخ..!

واحدة من هذه الكيانات الضحية كانت الجامعات المصرية.. وتحديداً كليات القمة بها.. أو لنكن أكثر تحديداً.. كليات الطب بها!..

نعم.. لقد استغل السادات كليات الطب تحديداً كمقر لإنتاج التيار الدينى وانتشاره.. بل ونموه وتطوره.. معتمداً على مجتمع يقدر الطبيب ويحترم رأيه باعتباره «الأكثر ثقافة وعلماً» فى كل مجلس -وهو غير صحيح بالمناسبة تماماً- واستغل نهم طالب الطب لمعرفة الحقيقة.. فأطلق عليه الفكر اليمينى دون رادع أو معادل له.. فما كان إلا أن تحولت كليات الطب فى السبعينات إلى معامل لتفريخ الإسلاميين.. الأمر الآخر الذى ساعد على ذلك هو ارتفاع تكلفة الدراسة فى تلك الكليات.. التى كانت عقبة حقيقية فى ظل مجانية التعليم الجامعى الذى ساعد طلبة من مستويات مادية واجتماعية فقيرة نسبياً على الالتحاق بها.. فكانت التيارات الإسلامية هى من تعينهم مالياً على تحمل تلك المصروفات وخاصة فى الصعيد.. فتمكنوا من إفراز أجيال كاملة تدين للتنظيمات الإسلامية بالفكر.. وبالمال أيضاً.

لقد منح «السادات» الفرصة كاملة للتيار الإسلامى ليحتل موقعه فى كليات الطب.. وأفرغ لهم الساحة ليحصلوا على فرصتهم.. وفى المقابل فقد استقبلت تلك التيارات الهدية بكل ترحاب.. وتمسكوا بها بكل قوتهم.. حتى تمكنت تلك الجماعات من جيل كامل.. وبدأت فى إظهار قوتها وبأسها من خلالهم.. والتى كانت أول دلالة لتلك القوة هى قتل السادات نفسه!

لقد نجح السادات أن يحتل موقعه كأذكى من حكم مصر.. ونجح فى تحدى الحرب واستعادة الأرض والكرامة.. ونجح فى صد التيار الناصرى الذى كان يعوق أفكاره فى سياسات الحكم.. ولكنه فى الوقت نفسه.. دمر كليات الطب.. دمرها تماماً.. ربما إلى يومنا هذا!!

سيدى الوزير.. عفواً.. نحن لا ندرس التطرف فى كليتنا.. وإنما نقرأ الفاتحة للسادات كل صباح..!