عرقلة تشكيل الحكومة المغربية بين خيار التحكيم الملكي وإعادة الانتخابات

كتب: وفاء صندي – الرباط

عرقلة تشكيل الحكومة المغربية بين خيار التحكيم الملكي وإعادة الانتخابات

عرقلة تشكيل الحكومة المغربية بين خيار التحكيم الملكي وإعادة الانتخابات

مرّ أكثر من شهرين على الانتخابات التشريعية المغربية، ولا يزال عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين من طرف الملك محمد السادس، لم يتقدم قيد أنملة في مشاورات تشكيل حكومته، التي دخلت نفقا مسدودًا، بسبب خلافات بين "بنكيران"، ورئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، عزيز أخنوش، حيث يصر بنكيران على مشاركة الأحرار داخل حكومته، بينما يربط الأحرار مشاركته بعدم مشاركة حزب الاستقلال، وهو الحزب الذي سبق وإلتزم بنكيران بأن لا حكومة بدونه.

وأمام حالة الانسداد هذه، وعدم قدرة بنكيران على استكمال أغلبيته الحكومية، وفي غياب أي نص دستوري يحدد آجال تشكيل الحكومة، ذهبت بعض الآراء إلى ضرورة اللجوء إلى تحكيم ملكي كمخرج من حالة الفراغ والجمود هذه، بمقتضى الفصل 42 من الدستور المغربي، الذي ينص على أن: "الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية"، لكن خيار اللجوء إلى التحكيم الملكي لم يلق تجاوبا كبيرًا لدى قياديي حزب "العدالة والتنمية"، الذين رفضوا هذا الحل، كما رفضوا حل حكومة وحدة وطنية لتجاوز هذا المأزق الذي يهدد بأزمة سياسية ودستورية.

من جانبه، استبعد عضو الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية"، عبدالعالي حامي الدين، خيار التحكيم الملكي، مفضلا خيار اللجوء إلى انتخابات سابقة لأوانها، وأعلن وزير الخارجية السابق ورئيس المجلس الوطني لذات الحزب،سعدالدين العثماني، رفضه لمقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأحزاب السياسية، مؤكدًا عدم وجود أي مبرر لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وعن التحكيم الملكي، يرى المحلل السياسي، حسن طارق، أن فكرة التحكيم الملكي ليست صائبة لـ4 أسباب، أولها: يتعلق بالفصل 42 من الدستور، الذي يتطرق إلى المهام السيادية والضمانية والتحكيمية التي يمارسها الملك، كرئيس للدولة، معتبرا أن الوظيفة التحكيمية المشار إليها ترتبط وفقا للنص بعمل المؤسسات الدستورية للدولة، وأشار طارق إلى أنه لا يبدو الخلاف المفترض بين الأحزاب السياسية في تشكيل الأغلبية البرلمانية، قابلا لأن يكيف كنزاع مؤسساتي، وهو ما يجعله بالتالي لا يصلح لأن يكون موضوعا للتحكيم الملكي .

وأشار طارق، إلى أن السبب الثاني، يتعلق بتداعيات تحكيم ملكي في موضوع بناء الأغلبية، معتبرا أن من شأن التحكيم الملكي المساس عمليا بتوازنات السلطة كما حددها الدستور، موضحًا أن دستور 2011، وهو يعزز المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، ويقنن للمنهجية الديمقراطية، وينص على التنصيب البرلماني للحكومة، كان في الواقع يرسخ المنطق البرلماني في بناء الحكومة، واستنتج المحلل، أن انبثاق أغلبية برلمانية، بضمانة ملكية، من شأنه التشويش على هذا المنطق، وعلى كل الهندسة الدستورية.

وفي تحليله للسبب الثالث، يرى حسن طارق، أن الدعوة إلى التحكيم الملكي ترتبط بالرهان السياسي على تأويل رئاسي للدستور، معتبرًا أن بعض النخب تستبطن روح دستور 1996 وهي تتعامل مع دستور جديد، مؤكدًا أن الطلب الحزبي لتحكيم ملكي في تدبير الأغلبية الحكومية، يعني تجاوز الإمكانيات الدستورية التي تتيحها العلاقة "البرلمانية" بين الحكومة والسلطة التشريعية، والانتقال رأسًا إلى الإمكانيات التي قد يتيحها تأويل معين للعلاقة "الرئاسية" داخل السلطة التنفيدية، عبر قراءة جديدة للفصل 42، ربما من شأنها تقويض الهامش المعقول من الاستقلالية الذي تصورته الهندسة الدستورية، للحكومة، تجاه المؤسسة الملكية، من حيث التأليف والصلاحيات، ومن حيث مسؤوليتها أساسًا أمام البرلمان.

وأوضح طارق، أن الدعوة هنا إلى التحكيم، هي في العمق، طلب على إحياء الفصل 19 من الدساتير القديمة، وأشار المحلل، إلى أن السبب الـ4 لعدم صواب فكرة التحكيم الملكي، هو تواتر حالات من قلب الممارسة السياسية والدستورية، لما بعد 2011، أثبتت تعامل الملك بتجاهل مع طلبات سابقة للتحكيم في نزاعات ذات طبيعة سياسية وحزبية، وهو ما يؤكد انتصاره للتأويل الديمقراطي للدستور، وعدم انجراره لمحاولات جزء من النخب، والتي كانت ترمي في العمق إلى إخراج المؤسسة الملكية من رقعة الشرعية الدستورية.

بدوره، يرى الباحث في علم السياسة والقانون الدستوري، أمين السعيد، في تصريحات إعلامية، أنه من داخل المقاربة السياسية، يمكن أن يكون هناك تدخل ملكي بالاستناد إلى الفصل الـ42 وباحترام للفقرة الأولى من الفصل الـ47، مشددا على أن هذا يعني أن يكون هامش من التدخل الملكي في الشق المتعلق بالمشاورات، في مقابل استبعاد أي تدخل ملكي في الحزب الذي يتولى رئاسة الحكومة، وفي هذه الحالة ستعيش الممارسة السياسية تدخل ملكي بتأويل ديمقراطي للدستور.

وأشار السعيد، إلى أن التأخر في تشكيل الحكومة فتح المجال لبروز تأويلين مختلفين لدستور 2011، موضحًا أن التأويل الرئاسي يطالب بضرورة التحكيم الملكي، وتجاوز الحزب الحاصل على المرتبة الأولى لحل أزمة التأخر في تشكيل الحكومة، في مقابل تأويل برلماني يدافع عن فكرة التشبث بمنطوق الدستور ويرفض كل توجه يحاول الالتفاف على المنهجية الديمقراطية، وتابع الباحث قائلًا، إنه داخل هذين التأويلين لا يوجد خلل دستوري، لكون الفصل الـ47 من الدستور لا يقيد رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة في مدة دستورية محددة، معلنًا أن المشرع الدستوري على وعي بصعوبة المشهد السياسي في المغرب وبنمط الاقتراع المتحكم فيه الذي لا يمنح الحزب المتصدر حيازة أغلبية مريحة، وبناء على هذا المعطى، فالتأخر في تشكيل الحكومة لا يسقط رئيس الحكومة المكلف في خرق دستوري ولا يستدعي إلى الاستنجاد بالتحكيم الملكي.


مواضيع متعلقة