كاسترو يرحل.. وأسطورته باقية
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء
مساء يوم الجمعة الماضى حدث شىء مهم؛ فقد غيب الموت رجلاً انفرد بثلاثة أشياء؛ أولها أنه أثبت أن معارضة الولايات المتحدة ممكنة، وقهر إرادتها وارد، وأن مشيئتها ليست قدراً، وثانيها أنه تخلى عن السلطة طائعاً وهو فى قمة المجد والصولجان، وثالثها أنه ظل محافظاً على عقله واتزانه رغم بقائه 50 عاماً فى سدة الحكم، حتى إنه وصف نفسه، حين تقاعد عن الزعامة، بـ«مجرد جندى أفكار».
لقد رحل فيدل كاسترو عن عالمنا قبل ثلاثة أيام، وعلى الأرجح فإن جثمانه قد حُرق أمس الأول السبت، تنفيذاً لوصيته، لكن مسيرة حياته الثرية والعامرة بالزخم لن تتحول رماداً، لأنها تركت علامات راسخة يصعُب أن تمحوها التطورات.
لأكثر من خمسين عاماً أمضاها كاسترو فى السلطة، ظل ديكتاتوراً تقليدياً، وقد أغلق المجال العام، وقوض الحريات الشخصية، وأساء إلى حقوق الإنسان، لكنه منح بلاده مكانة، وأبقاها منيعة، وحقق لها إنجازات ملموسة صلبة، وصمد فى مواجهة عدو قادر بإمكانيات شديدة البؤس والتواضع.
قبل ثلاثة أشهر، كان كاسترو يتلقى التهانى بعيد ميلاده التسعين، الذى صادف مرور ثمانى سنوات على تقاعده، وتركه طائعاً صولجانه وسلطته، التى امتدت عقوداً طويلة، تعرض خلالها لأكثر من 600 محاولة اغتيال، وواجه استهدافاً ومؤامرات بوتيرة شبه يومية، وكان على لائحة الأكثر عداءً للولايات المتحدة فى فترة الحرب الباردة وما بعدها، ومع ذلك، فقد وجد فرصته للحياة، والعمل، ثم التخلى عن السلطة، والاحتفال بعيد ميلاده التسعين، وتلقى هدية سيجاراً بطول 90 متراً.
لم يصدق العالم قبل ثمانى سنوات أن الرئيس الكوبى الذى كرس زعامته، وبدا عصياً على المحاولات الأمريكية لاستهدافه، يمكن أن يتخلى عن سلطته ببساطة، حتى وإن كان هذا التخلى لمصلحة شقيقه وتلميذه راؤول.
لكن فيدل، كما يحب أبناء شعبه أن يطلقوا عليه، فعلها وتنازل، طائعاً، عن ألذ النعم وأشدها إغراءً.. سلطة لا يحدها حد، ولا يربطها قيد، ولا يفت فى عضدها الزمن.
فعلها الرئيس الكوبى السابق، بعدما حكم بلاده قرابة نصف القرن؛ فكان مالئ الدنيا وشاغل الناس، محط الأنظار وعدسات الكاميرات، وخالب ألباب سامعين، ومدغدغ عواطف متابعين، ومثير أحقاد كثيرين.
فعلها وقد كان تعلقه بالسلطة واضحاً، واستمتاعه بالقيادة لا شك فيه، وحرصه على البقاء فى الزعامة هدفاً لا يساوم عليه.
فى عام 1959، وفى ذروة عصر الكتلتين، وتنازع عقل العالم وقلبه بين قطبين، وتقسيم النفوذ والثروات والمقدرات على رقعة الشطرنج الكبيرة بين الاتحاد السوفييتى السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وصل كاسترو إلى سدة الحكم، بعدما أطاح بـ«فولخنسيو باتيستا» بعصبة من الرجال محدودة العدد، وبعزم لا ينفد، وبكثير من الحظ والدأب والإصرار.
وإذ تمركز الشاب، آنذاك، كاسترو على دكة الحكم، بات من الصعب على أحد أن يطيحه من عرشه. تسعة من الرؤساء الأمريكيين تعاقبوا عليه؛ خمسة منهم على الأقل اعتبروه هدفاً للتصويب، وعدواً صريحاً، وأربعة آخرون فعلوا الكثير لتكدير أحواله وانتظار سقطاته.
لكن الرجل مضى فى طريقه بين حقول الألغام وحدائق الخطر، وكاد أن يدخل بالعالم إلى أتون حرب عالمية ثالثة، تُستخدم فيها الأسلحة النووية كما تُستخدم البنادق، وغير مرة تأرجح كرسيه على إيقاعات المجاعة والعوز، وتجرع كأس السم صاغراً فى سنوات الحصار، وبدّل تكتيكاته مرات ومرات، ليتوافق مع عصر القطب الأوحد، حيث الولايات المتحدة قوة كونية تأمر الكون فيطيع، وحيث بات عثوره على صديق معلن أسهل بكثير من اجتراح معجزة من المعجزات.
فعلها كاسترو.. وتنازل عن الحكم. ترك منصبيه التاريخيين؛ رئاسة مجلس الدولة، ورئاسة أركان الجيش، حيث تحكم فى مقادير الحياتين المدنية والعسكرية، قابضاً على سلطتى القمع والإرضاء، متحكماً فى الموارد والقيود، واحداً من دون شريك.. فقط هناك أتباع ومعاونون، سامعون منفذون طائعون.
سلّم الزعيم الداهية السلطة لأخيه وتابعه وساعده الأيمن راؤول؛ فتفادى احتمالات المساءلة والمحاكمة والسجن والإلغاء، وتيقن من حفظ صورته التى كرسها عبر السنين فى منأى عن التلطيخ والإهانة.
ما قاله فيدل آنذاك يجب أن يدرس بعناية؛ فقد علق على اعتزاله وتخليه عن المنصب قائلاً: «سوف أخون ضميرى إن أنا قبلت تحمل مسئولية تتطلب الحركة والتفرغ والتفانى بشكل كامل، فأنا لست فى حالة صحية تمكننى من بذل هذا العطاء».
كثيرون لا يعرفون السر الكبير.
كيف استطاع هذا الرجل ذو الخلفية العسكرية المحدودة أن يناطح أباطرة الزمان والمكان، وأن يتصدر المشهد الكونى، بإمكانيات جزيرة منعزلة، وكتلة حيوية محدودة لا تكفى للبقاء فى خريطة، فى عصر عرف أعتى القوى، وشهد أقسى استخدامات للعنف وأوسعها؟
لم يكن كاسترو فقيراً، مدفوعاً بالإحساس بالظلم الاجتماعى، أو الحقد على الأغنياء، بل كان ابن أسرة ثرية، ورغم هذا، فقد قاده طموحه ورغبته فى تخليص شعبه إلى الثورة.
لم يكن كاسترو ديمقراطياً، لم يحرر الإعلام، لم يتوقف عن الاعتقالات خارج إطار القانون، لم يوفر وسيلة من وسائل القمع، لم يمنح مواطنيه الحرية، لم يكن حداثياً، لكنه كان وطنياً معتداً وصلباً.
أجيال عدة من الكوبيين لا تعرف غيره. أجيال متتالية تعرف أن كاسترو هو كوبا، وأن كوبا هى كاسترو، إنها شمولية كاملة، وديكتاتورية نموذجية، تفاعلت لعقود طويلة فى ظل موجات استهداف من القوى الأعتى فى العالم.
كيف استطاع هذا الرجل الذى يتقن التدقيق فى صورته، بملابسه العسكرية الخشنة، ولحيته غير المهندسة، وسيجاره الكوبى الفاخر، وحركته التى تنزع نحو حلم ثبت لاحقاً أنه غير كاذب، وعباراته التى يصوغها كما تصاغ مانشيتات المجلات، وخطاباته المفعمة بالطاقة والحماس والحدة.. كيف استطاع أن يبقى متمتعاً بالاعتبار؟
لم يسقط نظام كاسترو، رغم مخاصمته للحداثة، ومعاداته للقيم الغربية.
لم يسقط نظام كاسترو، رغم انهيار الاتحاد السوفييتى، وتفتت المعسكر الاشتراكى، وتراجع النظرية الماركسية، وخفوت حركات التحرر الوطنى.
لم تفلح العقوبات، ولم ينجح العزل، ولم يثمر الحصار، وظلت كوبا تحت قيادة فيدل وخلفه وشقيقه راؤول دولة متماسكة ذات اعتبار.
منذ اعتزاله تحدث فيدل فى عدد من المحافل العامة بكلمات محدودة، داعياً إلى السلام، ورافضاً الهيمنة والاستعمار كدأبه، وهو الأمر الذى دعا شقيقه وخلفه راؤول إلى القول: «فيدل هو فيدل.. ونحن نعرف جميعاً أنه لا يمكن الاستغناء عنه».
يمكن لنا أن نستخلص من حياة فيدل الكثير من العبر، بداية من انحداره من أسرة ثرية، واتجاهه إلى الشيوعية، مروراً بالتحدى المستحيل الذى حمله على مقاومة السلطة بالسلاح وليس تحت إمرته سوى مائة رجل، وصولاً إلى صموده الأسطورى أمام جبروت الولايات المتحدة لعقود، وبقائه حياً، يقظ الذهن، مستمتعاً بالمكانة، وبتدخين السيجار، رغم سنوات عمره التسعين.
لكن كل هذا لم يكن ليدل إلى أعظم مناقب الرجل، وأعنى بها قدرته على التخلى عن السلطة، وهو ممسك بزمامها تماماً.
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء
- الأسلحة النووية
- الاتحاد السوفييتى
- الحرب الباردة
- الرئيس الكوبى السابق
- المجال العام
- المحاولات الأمريكية
- الولايات المتحدة الأمريكية
- بشكل كامل
- أباطرة
- أبناء