مستشفى الدمرداش: مرضى يصرخون من الوجع.. وأطباء «قليلو الحيلة»
أحد المواطنين أثناء الذهاب إلى المستشفى للكشف على ابنه
لا يوجد مدخل يؤدى إلى الحياة بمستشفى الدمرداش بجامعة عين شمس، فكل المداخل قد تفضى فعلياً إلى الموت بأشكاله المختلفة، أكوام من المرضى تنتظر العلاج دون جدوى، يأتيك من بعيد صوت الصراخ المتواصل من العديد من الأمهات بسبب وجع أبنائهن، يذهب المريض للبحث عن علاج، لكن ما تعانيه المستشفيات الجامعية، بعد امتناع شركات الأدوية عن توريد المستلزمات الطبية اللازمة والعلاج اللازم، بعد ارتفاع سعر الدولار، كثير جداً.
«نعيمة»: «أسافر يومياً من الصعيد للقاهرة والدكاترة بتقول لنا مفيش أدوية.. ونناشد الرئيس التدخل لعلاجه»
كانت الساعة تشير إلى التاسعة ونصف صباحاً، عندما شهد محيط مستشفى الدمرداش زحاماً من المرضى على البوابات الرئيسية، وافترش عشرات رصيف المستشفى انتظاراً لدورهم فى الكشف والحصول على العلاج، ورصدت «الوطن» وجود رجال ونساء، وأطفال وعجائز، وشيوخ وشباب، تشاركوا المرض.
داخل المستشفى يمكن رصد نموذج للوضع المؤلم داخل المستشفيات الجامعية، وتزايد الأزمة عقب امتناع شركات الأدوية عن توريد المستلزمات الطبية للمستشفيات الجامعية ومنها «الدمرداش». حالة الألم انتابت جميع المرضى داخل المستشفى، مصحوبة ببكاء لعدم توافر المستلزمات الطبية لمعالجة أمراضهم المتنوعة ما بين «السرطان» وفيروس «سى»، وسط قلة حيلة من الأطباء المعالجين والعاملين بالمستشفى.
«أحمد»: «زوجتى تعانى من ورم فى الثدى وصايمة من 5 أيام.. ولم أجد أى دكتور لتشخيص حالتها»
فى ساحة انتظار مستشفى الدمرداش، جلست نعيمة محمد، بجوار زوجها الجالس على كرسى متحرك، تضرب كفاً بكف وتردد: «حسبى الله ونعم الوكيل، يارب انت العون والسند»، وبالحديث معها قالت وهى تغالب دموعها: «والله تعبت ومش عارفة أعمل إيه وعلاج زوجى مش موجود وكل يوم باجى من الصعيد علشان الأدوية، والدكاترة هنا بتقول لينا مفيش علاج، مش عارفة أعمل إيه، وأتمنى من الله عز وجل تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى لحل أزمة الأدوية بمستشفى الدمرداش، حفاظاً على أرواح المرضى».
أحمد محمد عمران جاء بصحبة زوجته إلى مستشفى الدمرداش، ليخوض معركة صعبة لإنقاذ زوجته من الموت، حيث إنها تعانى ورماً فى الثدى، حيث أكد أن زوجته لم تتناول الطعام منذ 5 أيام، بسبب شدة التعب، وعدم توافر علاجها، ويقول: «لم أجد أى دكتور للتحدث معه لمعرفة ماذا أفعل مع صراخ زوجتى المتواصل»، وأناشد رئيس الوزراء والمسئولين عمل زيارات مفاجئة على مستشفى الدمرداش لمعرفة ما نعانى منه.
دقت الساعة الواحدة ظهراً، وسمعنا صراخ إحدى الأمهات، وهى تردد: «موجودة فى المستشفى من الساعة 8 صباحاً، بسبب تعرض ابنى لحادث سير»، وأكدت أن الدكتور قال لها: «الأماكن كلها مشغولة.. ومفيش أماكن فاضية لاستقبال حالة ابنك»، وتروى مأساتها قائلة: «عملت العملية لابنى مرة وللأسف ما نجحتش، وطالبت الدكاترة بعمل عملية أخرى علشان ابنى يعرف يمشى تانى، والدكاترة قالوا العملية مش هتنجح لو اتعملت تانى، مش لازم يرجع يمشى تانى، والعلاج المطلوب مش موجود، وممكن تشترى كل الأدوات من بره ونحاول نعملها له تانى، لكن هنا فيه نقص فى جميع المستلزمات الطبية».
ووجدت أميرة حسنين بصحبة محمد حمدى، زوجها المريض، أمام قسم الاستقبال فى انتظار دوره فى العلاج رغم معاناته من المرض، حيث إن المرض ينهش بلا رحمة الأجساد الضعيفة، فى الوقت الذى بدأ المرضى فى البحث عن العلاج بلا ملل أو كلل، واليقين فى رحمة الله يجعلهم قادرين على الانتظار لساعات وساعات لحين حصولهم على المستلزمات الطبية المناسبة.
وبعد انتظار 7 ساعات للكشف وتركيب المحاليل يصرخ «حمدى»: «يارب خدنى وريحنى».
وأمام عيادة تجميل الجروح، ارتمت رحمة محمد عبدالوارث على كرسى خشبى، مصفرة الوجه، وتصرخ من شدة آلامها، تجلس إلى جوارها والدتها، وهى منهارة فى البكاء حزناً على تألم ابنتها من شدة الوجع.
وفى لحظة ألم شديدة، لم تطق «رحمة» شدة التعب، وبدأت تصرخ بكل قوة وهى تبكى: «وصلت للمستشفى فى حالة صعبة بعد حادثة سيارة، انتظرت 5 ساعات عشان ييجى أى دكتور يشوف رجلى اللى كانت خلاص هتنفصل من مكانها، ولما لمحت دكتور وناديت عليه بأعلى صوتى، جه قالى مالك؟ قلت له هعمل العملية إمتى؟ الدكتور قالى مفيش سرير، ممكن نعملك العملية وتنامى بعدها على الأرض وتكتبى تعهد على نفسك، قلت له موافقة بس أعمل العملية وأرتاح من شدة التعب اللى أنا فيه».
وحاولت «الوطن» الوصول إلى المسئولين عن مستشفى الدمرداش، لمعرفة حقيقة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والوقوف على حقيقة الإهمال الذى تعانى منه مستشفى الدمرداش ولكن دون جدوى، حيث تم الاتصال أكثر من مرة بالدكتور آسر مصطفى، مدير المستشفى، وكذلك الدكتور أيمن صالح، مدير المستشفيات الجامعية بجامعة عين شمس، لكنهما رفضا الإدلاء بأى تصريحات عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وسبب اختفاء العديد منها.
وأكد مصدر مسئول بوزارة التعليم العالى والبحث العلمى، أن الوزارة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات، سيقدمون مذكرة رسمية إلى مجلس الوزراء بنواقص الأدوية بالمستشفيات الجامعية، وذلك بعد أن قام «الأعلى للجامعات» بتشكيل لجنة عاجلة لوضع حل فورى لتوفير الأدوية الناقصة والمستلزمات الطبية، بسبب امتناع الشركات عن توريد الأدوية بسبب ارتفاع سعر الدولار.
وقال المصدر، لـ«الوطن»، إن المقترحات التى سوف يتم إرسالها إلى مجلس الوزراء لحل أزمة نواقص الأدوية؛ أولها توفير المستلزمات الناقصة من وزارة الصحة أو التأمين الصحى أو إدراجها على بند نفقة الدولة، أو توفير بيت الدولار للأدوية الأساسية المصرية أو المستوردة التى ليس لها بديل، موضحاً أنه سيتم إرسال المذكرة خلال أيام.
وأفاد المصدر بأن أزمة نواقص الأدوية بالمستشفيات الجامعية تزيد يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن هناك تشاورات بين وزارة التعليم العالى والأعلى للجامعات والصحة لوضع حلول سريعة للأزمة حفاظاً على أرواح المواطنين، مؤكداً أن المستشفيات الجامعية تعالج نحو 17 مليون مواطن مصرى سنوياً.
وقال الدكتور أشرف حاتم، أمين المجلس الأعلى للجامعات، لـ«الوطن»، إن العديد من شركات الأدوية امتنعت عن توريد المستلزمات الطبية المطلوبة، وذلك بعد ارتفاع سعر الدولار، إضافة إلى التوقف عن الدخول فى مناقصات، موضحاً أنه كانت هناك مناقصة للمستلزمات الطبية وقتما كان سعر الدولار بـ8 جنيهات و80 قرشاً، وصل سعره فى الوقت الحالى إلى 17 جنيهاً الأمر الذى تسبب فى أزمات بالمستشفيات الجامعية.
وأفاد «حاتم» بأن هناك مشاكل فى نقص الأدوية بمستشفيات جامعات «الزقازيق وأسيوط والمنوفية وبنى سويف»، مشيراً إلى أن مخزون الأدوية يكفيها لشهرين فقط، ثم تليها مستشفيات القاهرة وعين شمس، حيث يكفى مخزون الأدوية بها لمدة 3 أشهر فقط، موضحاً أن الإدارة المركزية بوزارة الصحة تعمل على حل الأزمة مع شركات الأدوية وستعرض الوضع على مجلس الوزراء للوصول إلى حلول لهذه الأزمة.