خبير الموارد البشرية: نستطيع التعامل مع الحمولة الزائدة بالإدارة والعلم وليس الفهلوة

كتب: عبد الله عويس ورحاب لؤى

خبير الموارد البشرية: نستطيع التعامل مع الحمولة الزائدة بالإدارة والعلم وليس الفهلوة

خبير الموارد البشرية: نستطيع التعامل مع الحمولة الزائدة بالإدارة والعلم وليس الفهلوة

قال الدكتور على فتحى، أستاذ الإدارة وخبير الموارد البشرية، إن مصر لديها الإمكانيات المادية والبشرية لمواجهة الحمل الزائد بكافة أشكاله، فى حال تم وضع برنامج يستند إلى بحث علمى، مشيراً إلى أن الحديث عن غياب الإمكانيات يفتقر إلى الموضوعية، وأكد فتحى فى حواره مع «الوطن» أن تفعيل القانون وتطبيقه بشكل صارم أحد أهم الحلول التى يجب أن تستند إليها الدولة فى محاولتها للخروج من الأزمة، معتبراً أن القوانين التى وضعتها الدولة فى مواجهة المخالفات التى قد ينتج عنها حمل زائد فى بعض الحالات كافية لكنها تفتقر إلى التطبيق، مشيراً إلى «التأخر فى البدء سيضع الدولة فى موقف صعب بعد استفحال الأزمة».. وإلى نص الحوار:

■ الحكومات المتعاقبة ترى أن عدد المواطنين فى مصر «حمل زائد» هل هذا صحيح؟

- لا بالطبع، فهناك دول عرفت قيمة المواطن واحترمته ودعمته حتى تحول إلى أقوى أسلحتها، والنظرة إلى المواطن باعتباره عبئاً نظرة غبية، ولم يعد هناك فى الدول الحديثة مفهوم المواطن العبء، وبدلاً من النظر إلى نماذج نيرة فى تلك النقطة كالصين التى يصل تعدادها لأكثر من مليار و300 مليون نسمة والهند التى يصل سكانها إلى مليار و200 مليون، فنحن نكتفى بالتساؤل حول كيفية مأكلهم ومشربهم وتعليمهم والمستشفيات التى قد يعالجون بها، باعتبار أن هذا عبء على الدولة، وهذه نظرة مشوهة لا تبحث عن حل بل ترتكن إلى الأزمة وتصنع منها شماعة لأخطائها وتقصيرها، وهو ما لا ينبغى أن يكون، نحن وصلنا إلى 91 مليون مواطن ونصف، وإذا تمت الاستعانة بهم فى النهوض بالدولة فنحن على المسار الصحيح.

{long_qoute_1}

■ وماذا عن الإمكانات المادية التى تكفى تلك الأعداد؟

- كل مسئول يقول إنه لا يملك من الإمكانيات اللازمة لعلاج أزمة بعينها، ولذا فالتساؤل يجب أن يكون ولماذا تجلس على كرسى المنصب إذا كنت لا تملك الإمكانيات؟ على الرغم من أن هذا الكلام فى علم الإدارة غير صحيح، فالإمكانات موجودة لكنها بنسب معينة، ومصر تمتلك إمكانات مادية وبشرية بالقدر الذى يكفيها والتعلل بغيابها كذب على المجتمع، فنحن لدينا موقع جغرافى يربط العالم ببعضه البعض، ولدينا موارد مائية كافية وطاقة متجددة كالرياح والشمس ولدينا طاقة معدنية متنوعة فى الكم والكيف، ولدينا خامات طاقة كالبترول والغاز الطبيعى، والخامات الكربونية والفلزية والمشعة، ولدينا احتياطى مصرى من خام الحديد والمنجنيز والكروم، وغيرها من الموارد الطبيعية، ويوجد لدينا علماء متخصصون فى كافة المجالات يسافرون إلى الخارج ويقدمون العديد من الأبحاث والدراسات التى تساعد على نمو تلك البلدان، ويجب أن يكون هناك ترشيد للنفقات، فالوزير المصرى له أسطول من السيارات فى الوقت الذى أتى فيه رئيس سنغافورة إلى مصر بطائرة ركاب عادية، ولدينا ملايين الموظفين الذين يجلسون داخل المكاتب دون عمل، وهؤلاء هم العبء على الدولة، ويجب أن تقوم بتدريبهم على أعمالهم وإرساء مبدأ العقاب، ومن هنا سيبدأ كل شخص فى العمل على دوره، لأن هذا الموظف هو ذاته «حمل زائد» على الدولة.

{long_qoute_2}

■ هل تقصد أن هناك حملاً زائداً فى الجهاز الإدارى للدولة؟

- بالطبع هناك حمل زائد، فالعديد من الأشخاص يتعاملون مع الوظيفة باعتبارها مكاناً يمضى فيه للحضور والانصراف، دون تقديم أى منتج حقيقى، فى الوقت الذى يبحث فيه آخر عن فرصة عمل حقيقية يستطيع من خلالها تقديم أفضل ما لديه، وفى مصر ملايين من الموظفين الذين يعملون فى وظائف ثانوية إلى جوار وظيفتهم الحكومية، لأن المرتبات ضعيفة وبالتالى فعمله فى كل الأحوال لن يكون سليماً، ولذلك يجب أن تقوم الدولة بفرض سياسات حازمة وقوية داخل أجهزتها لضمان سير العمل على الوجه السليم، وأن تشجع الموظف الذى يعمل، ولا تساوى مطلقاً بينه وبين من يتكاسل، وللعلم فإن ثلث المصروفات للموازنة العامة للدولة تذهب إلى هؤلاء الموظفين، بنحو 218 مليار جنيه، وبها أكثر من 6.5 مليون موظف، وهو رقم كبير فى حال عدم عمله بالشكل اللازم، والقطاع الخاص يضم أعداداً كبيرة أيضاً لكن الأعداد تلك أفضل حالاً من الموظفين بالجهاز الإدارى، وبالتالى على الدولة أن تشجع على المشاريع الخاصة وتمول البنوك الأفراد، كما يحدث داخل المجتمعات المتقدمة، عن طريق دراسة المقترح الذى يقدمه الشاب أو الراغب فى تمويل مشروع معين، ويعكف عليه مجموعة من الخبراء ويقدمون له النصائح والدعم الفنى لضمان نجاح مشروعه، وبالتالى ستكون هناك فرص عمل متوفرة للجميع دون أن يكون هناك مواطن واحد يعمل لأكثر من جهة وآخر لا يجد الفرصة بأى مكان.

■ هل «الحمل الزائد» أزمة قوانين أم إدارة؟

- لا نستطيع أن نقول إنها أزمة قوانين، فالقوانين التى تنظم الأمور المتعلقة بالنقل والمواصلات والطرق والأبنية المخالفة واضحة وصارمة، لكنها تفتقد إلى التطبيق، والفساد فى المحليات وبعض أفراد الشرطة هو السبب فى غياب تنفيذ القانون والقبض على المخالفين، ونعلم جميعاً مسألة «شخلل عشان تعدى» التى تحدث جهاراً فى الشوارع من بعض الأفراد، الذين يجب أن تتم محاسبتهم، فإذا كانت الأجهزة المنوط بها تنفيذ القانون وإعماله فى الشارع لا تقوم بدورها فما الذى ننتظره سوى المزيد من المخالفات، التى ستؤدى فى نهاية المطاف إلى كارثة كبيرة، وأصبح المسئول يتعامل مع منصبه باعتباره «أكل عيش» لكنه فى الحقيقة صاحب رسالة ويجب أن تكون هناك معايير واضحة لمبدأ الثواب والعقاب بالنسبة لهؤلاء، فالمقصر يجب محاسبته بلا تهاون والذى يعمل بجد يجب تكريمه من قبل رؤسائه ليكون نموذجاً لبقية زملائه، فالقانون لا يحتاج إلى تغليظ أو تجديد لكنه يحتاج إلى تنفيذ، كما أن «الحمولة الزائدة» أصبحت جزءاً من السلوك العام لمخالفة القانون، وهى حالة فوضوية تعيشها مصر تبدأ من البيت إلى الشارع إلى المحاكم إلى المدارس، عبرت عنها إحدى الدراسات حول أكثر الدول التى لا تطبق القانون وجاءت مصر فى المرتبة الـ4 من بين 113 دولة شملها التصنيف، ويتم التقييم من خلال 44 مؤشراً عن احترام القانون وسيادته فى تلك الدول.

■ ما الذى تحتاجه مصر كدولة للخروج من «الحمولة الزائدة» التى تنتشر بكافة مرافقها ومؤسساتها؟

- الإدارة الصحيحة لمواردها البشرية والمادية، وإخضاعها للعلم وليس للفهولة، لكننا وللأسف نعمل وفق مبدأ «ترييح الدماغ» وتلك أحد الأمور الخطيرة التى نعانى منها، والبعض يردد كلمة إدارة دون أن يعرف محتواها، وبالتالى يصدر أحكاماً وتصريحات أحياناً غير مسئولة، والإدارة حسن إدارة الموارد الموجودة، وإخضاعها للعلم وتطبيقها على أرض الواقع.

■ ولماذا يختفى ذلك المفهوم فى اعتقادك عن البعض؟

- أستطيع أن أجزم بأن المسئولين فى المناصب العليا يعرفون جيداً ما هى الإدارة لكن هناك فرقاً بين المعرفة والعمل، وبعض الأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية فى الدولة خريجو جامعات متخصصة فى علم الإدارة، لكن المناصب تغير الأشخاص بشكل غريب، وبالتالى عند الحديث عن أزمة مثلاً كالتعليم وكثافة الفصول، ستجد أن كافة التصريحات تتجه إلى قلة الموارد، لكنك لن تجد حلاً أو رؤية لإخضاع الإمكانات الموجودة والبدء فى العمل عليها، وفى كثافة المصريين وسكنهم فى شريط ضيق حول نهر النيل، تجد أن مساحة مصر حوالى مليون كم2، بينما تبلغ المساحة المأهولة 79 كم2، أى ما يعادل 7.8% من المساحة الكلية، فى الوقت الذى ستجد بعض العلماء المصريين قدموا أفكاراً كثيرة للبدء فى استغلال المساحة الكبيرة غير المسكونة، لكن أحداً لم يستجب أو يلق لها بالاً، كما أن هناك خطأ جسيماً لدى الوزارات المتعاقبة، وهى أن كل وزير يأتى ببرنامجه الخاص، فبدلاً من أن يقوم بإكمال ما بدأ به الوزير السابق، يقوم بهدمه والبدء من جديد، وهذا أحد الأمور الخاطئة، التى يجب أن تتغير فى القريب وإلا ستتفاقم الأزمة.

■ فى حال ما قررت الدولة أن تواجه الحمولة الزائدة، ما الوقت الكافى للقضاء عليها؟

- إذا بدأت مصر من الآن فإن أمامها على الأقل 20 عاماً لكنها إن تأخرت فسوف تتفاقم الأزمة كما أشرت مسبقاً، وسيتضاعف الوقت اللازم، وسيبدأ الناس فى أكل بعضهم البعض نتيجة لهذا التأخير، وللأسف نحن دوماً نتحرك بعد الأزمة لا قبلها، ولا توجد لدينا خطط معلنة وواضحة للوقوف على مسببات أى أزمة وتلافيها قبل وقوعها من الأساس.


مواضيع متعلقة