روايات جنود الأمن المركزى من خلف «المدرعات»
![روايات جنود الأمن المركزى من خلف «المدرعات»](https://watanimg.elwatannews.com/old_news_images/large/96033_660_2752627.jpg)
الساعة تقترب من الثامنة مساءً، المسيرات القادمة من ميدان مصطفى محمود ودوران شبرا والسيدة زينب تنضم إلى المحتشدين أمام دار القضاء العالى، لإحياء الذكرى الخامسة لتأسيس حركة 6 أبريل، تمتزج هتافات المتظاهرين المطالبة بإسقاط النظام والمناهضة للإخوان باشتعال الشماريخ والألعاب النارية وقرع الطبول وسط المتظاهرين، المئات يتدافعون للوصول إلى الباب الرئيسى لدار القضاء العالى، تتصدى لهم قوات الأمن القابعة خلف بوابة سوداء ترقد فوقها «محكمة النقض»، كلمات كتبت على لافتة خشبية قديمة تدل على عراقة المبنى، يزداد تدفق المتظاهرين على مدخل دار القضاء، تنجح قنابل الغاز المتتالية فى إعادة المتظاهرين إلى الخلف بعد وقوع حالات اختناق للعشرات منهم.
حالة من الكر والفر بين المتظاهرين تمكنت خلالها قوات الأمن من إحكام قبضتها على مبنى دار القضاء، بإعادة نشر قواتها فى أروقة المكان، عشرات الجنود يصطفون على مدخلى المبنى الأمامى والخلفى، بينما شرفات دار القضاء العالى يطل منها بعض رجال الأمن يقتصر دورهم على مراقبة المكان لمنع محاولة أى متظاهر التسلل إلى المبنى أو إشعاله، هكذا حذر أحد الضباط الجنود الذين تولوا تأمين الشرفات من أى محاولة تسلل من الأشخاص المجهولين أو المتظاهرين إلى داخل المبنى.
يبدأ رشق المتظاهرين الحجارة على قوات الأمن، التى احتلت أماكنها أمام المدخل الرئيسى لدار القضاء عند تقاطع شارع رمسيس مع شارع 26 يوليو، حيث اصطف العشرات من الجنود خلف مدرعتين لم تترددا فى إطلاق قنابل الغاز وطلقات الصوت على المتظاهرين لصد أى محاولات لتقدم المتظاهرين نحو المبنى، وهو ما تكرر أمام المدخل الخلفى، الذى تمركزت أمامه قوة مماثلة من قوات الأمن، لكنها لم تدخل فى اشتباكات كبيرة كما حدث أمام المدخل الرئيسى، حيث اشتبك الباعة الجائلون وبعض العاملين فى محال وسط البلد «خوفا على أكل عيشهم» كما كانوا يرددون، لينجح الباعة فى إبعاد المتظاهرين حتى منتصف شارع طلعت حرب أمام سينما ميامى، ومن جهة أخرى حتى تقاطع شارع شريف مع 26 يوليو، لتنتهى الاشتباكات التى امتدت بينهم لأكثر من ساعة باتفاق بين الطرفين المتظاهرين من جهة وأصحاب المحال والباعة من جهة أخرى إلى عدم التظاهر فى شارع طلعت حرب و26 يوليو، لينضم بعدها العشرات من المتظاهرين إلى رفقائهم المشتبكين مع قوات الأمن بشارع رمسيس والجلاء.
وقام أصحاب المحال التى أوصدت أبوابها وأطفأت أنوارها بتشكيل لجان شعبية لحمايتها بمعاونة العاملين معهم وبعض الباعة الجائلين، ونجحوا فى فرض سيطرتهم على المكان، هو ما برره سعيد فتحى -أحد الباعة الجائلين- بقوله «اللى بيحصل ده وقف حال، هما هيسيبوا التحرير وينزلوا على وسط البلد علشان تخرب هى كمان».[Image_2]
وتتشكل قوات الأمن من ضباط أمن مركزى يرتدون الزى الميرى وقوات خاصة بالزى المدنى، يتسلح بعضهم ببنادق طلقات صوت، والبعض الآخر ببنادق لضرب القنابل المسيلة للدموع التى يوجد منها نوعان الحديث منها يتسلح به الضباط والقديم يحمله بعض جنود الأمن المركزى، من يضربون قنابل الغاز المسيل يرتدون القناع الواقى الضخم للحماية من الغاز.
بينما العشرات من جنود الأمن المركزى يكتفون بالوقوف خلف المدرعات وأحيانا ما يتبادلون التراشق بالحجارة مع المتظاهرين، ويكون هذا التراشق فى حالتين الأولى صدور تعليمات لهم من القيادات كما يروى «سيد»، أحد جنود الأمن المركزى بمعسكر شبرا المشاركين فى تأمين المكان، بينما الحالة الثانية كما يرويها عند سخونة الأحداث وحدوث إصابات بين الجنود قائلا: «زميلى بيموت قدام عينى ومش عارف أعمل حاجة فلازم ندافع عن أنفسنا بالطوب زى ما هما بيرمونا بالطوب».
«أحمد» شاب عشرينى ذو بشرة سمراء ولهجة قادمة من إحدى قرى الصعيد الجوانى، يقضى تجنيده بمعسكر الأمن المركزى بشبرا، وأحد المشاركين فى تأمين دار القضاء العالى، يتسلل خفية من قيادته إلى سور دار القضاء العالى، يستلقى بظهره للراحة وإشعال سيجارة، يترك من قبضة يده سلاحه الذى يستخدمه فى إطلاق القنابل المسيلة للدموع إلى جواره لكى يتمكن من إشعال السيجارة، وبصره شاخص إلى سلاحه، يأخذ نفسا عميقا، ليعيد إحكام قبضته على سلاحه، قائلا لمن يرقد بجواره: «لحسن مننزلشى إجازة» فى إشارة إلى أنه لو فقد سلاحه لن يتمكن من الحصول على إجازته الدورية لزيارة أهله.
ينتفض «أحمد» من جلسته بمجرد مشاهدة هرولة زملائه يحملون زميلا آخر لهم وسط صراخ: «إسلام رمضان اتصاب برصاصة»، يحمله ثلاثة من زملائه برفقة أحد الضباط الذى ينقله إلى سيارته الراقدة خلف مبنى دار القضاء العالى بجوار نادى القضاة، لتتحرك به السيارة إلى أحد المستشفيات فى محاولة لإنقاذه، ينضم بعدها أحمد لزملائه وسط الاشتباكات.[Image_3]
دقائق معدودة تمر، تزداد سخونة الأحداث، يتكرر المشهد مرة ثانية، يحمل اثنان أحد زملائهما الذى أصيب بطلقة خرطوش، ليحمله أحد العاملين بمحال وسط البلد برفقة زميل له على دراجة نارية إلى مستشفى الهلال.
يصرح أحد جنود الأمن المركزى بصوت مرتفع: «بننضرب بالنار وممعناش حاجة نرد بها، حرام اللى بيحصل لنا ده»، مما دفع أحد الضباط إلى احتضانه وتهدئته، طالبا منه أن يستريح لبعض الوقت لكن الجندى رفض، ليعود للدخول من جديد مع زملائه.
ومن المواقف الطريفة والغريبة وسط هذه الاشتباكات التى تزداد سخونة، وصول اثنين من قيادات الأمن المركزى بزى مدنى، يهرول أمين شرطة إليهم ويقوم بتجهيز كراسى للجلوس تتوسطها ترابيزة صغيرة عليها بعض المشروبات فى المنطقة القابعة فى المنتصف بين تمركز قوات الأمن من الجهتين.
بينما يدخل ضابط آخر يرتدى زيا مدنيا فى حوار مع بعض الباعة وأصحاب المحلات، قائلا «من حق أى حد إنه يتظاهر، لكن ميحاولوش يعتدوا علينا أو على المنشآت العامة»، مضيفا: «أنا مراتى زى مراته بتشترى كليو اللحمة بـ80ج والفراخ بـ50ج، لكن المشكلة إن الناس فاكرة إن ضابط الشرطة بياخد 100 ألف جنيه، رغم إننا بناخد مرتبات معدومة»، ينتهى حديثه بوصول قوات الأمن التى سوف تتولى تأمين المكان بدلا من المجموعة الأولى، تتقدم مدرعتان إلى شارع رمسيس لإبعاد المتظاهرين حتى تتمكن قوات الأمن من تغيير أماكنها، بينما المتظاهرون الذين قسموا أنفسهم إلى ثلاث مجموعات، تمركزت اثنتان منها بشارع رمسيس، الأولى أمام نقابة المحامين بجوار العيادة الميدانية، بينما الثانية أمام سنترال رمسيس يردون على قنابل الغاز وطلقات الصوت بالحجارة وزجاجات المولوتوف، وألقى بعض المتظاهرين زجاجة أسفل إحدى المدرعات، لكن تمكن جنود الأمن المركزى من إطفائها.
وأحيانا أخرى يلجأ المتظاهرون إلى الطرق على أعمدة الإنارة، التى يتخلل بعض الهتافات التى تندد بوزارة الداخلية: «الداخلية بلطجية» والمطالبة بإسقاط الرئيس.
بينما احتلت المجموعة الثالثة موقعها فوق كوبرى 6 أكتوبر فى مواجهة 26 يوليو، ليتمكنوا من رشق قوات الأمن بالحجارة من مكان مرتفع، وقامت مجموعة منهم بقطع الكوبرى ومنع السيارات من المرور.
مع شدة الاشتباكات وتسرب الغاز المسيل للدموع إلى محطة مترو جمال عبدالناصر قامت إدارة تشغيل المحطة بغلق جميع مداخل ومخارج محطة المترو، وتجاهل قطار المترو الوقوف فى المحطة تماما حتى صباح اليوم التالى، مما تسبب فى حالة من الاستياء بين ركاب المترو، سواء من هم بداخل القطار أو القادمين من شوارع وسط البلد قاصدين محطة المترو.