شهدت الانتخابات البرلمانية المصرية عام 1995 متغيراً مهماً وهو مراقبة الانتخابات لأول مرة من منظمات المجتمع المدنى لا سيما الحقوقية، حيث شكلت ثلاث منظمات كبرى، هى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية وجمعية النداء الجديد، لجنة باسم «اللجنة الأهلية لمتابعة الانتخابات» عملت اللجنة على تنظيم وتدريب فريق من المتطوعين لمراقبة العملية الانتخابية، تنسيق الجهود بين المنظمات الثلات لمتابعة العملية الانتخابية، لم تكن التجربة سهلة أو موضع ترحيب من الحكومة المصرية، بل واجهت الحكومة هذه المبادرة بحملة كراهية إعلامية، شملت كل العناصر المعتادة للهجوم على المجتمع المدنى بدءاً من العمالة للغرب، تلقى تمويل أجنبى لتشويه سمعة مصر، وغيرها من الاتهامات الكلاسيكية فى هذا الصدد، وبالطبع لم يقتصر الهجوم على حملة الكراهية الإعلامية بل امتد للواقع، حيث كان جميع فريق المراقبين لا سيما مراقبو المنظمة المصرية لحقوق الإنسان يتعرضون لمخاطر أمنية كبيرة فى وقت كانت صفة ناشط حقوق إنسان كفيلة بالزج فى السجن أو المعتقل لفترة قد تطول، لعبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان دوراً رائداً فى هذا الصدد مع فريق كبير من العاملين والمتطوعين وأعضاء وعضوات المنظمة فى الأقاليم، جميعهم تسلحوا بالإيمان بقيمة وأهمية رسم صورة كاملة موثقة حول العملية الانتخابية فى مصر، وعانى الكثيرون من النشطاء والناشطات من مطاردات أمنية كبيرة لا سيما العاملون والمتطوعون بالمقر الرئيسى فى القاهرة، ورغم ذلك عمل الجميع بجهد وإبداع للتأكد من إتمام مهمته بالدقة والأمانة المطلوبة مهما كانت التبعات، صدر آنذاك عدد من التقارير حول مسار العملية الانتخابية فى جميع الدوائر الانتخابية على مستوى مصر، وتكمن قيمة هذه التجربة فى رسم صورة كاملة موثقة بالمستندات والتقارير حول الواقع البائس للانتخابات المصرية، ورصدت بالأرقام والأحداث حجم التزوير الذى شاب العملية الانتخابية الذى يعد بمثابة تجميع لقطع الصورة وتحويل الحديث عن الانتخابات من تجارب فردية لبعض السياسيين والمرشحين أو سجال واتهامات متبادلة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة بناء على مشاهدات أو انطباعات، نقلها إلى صورة متكاملة موثقة، أدت هذه التجربة المهمة إلى تطور الحديث حول حجم الفساد والتزوير الذى تشهده الانتخابات فى مصر، وأدت إلى نضج الحوار بارتكازه على حقائق ومعلومات لا سيما أن هذه التقارير صدرت من جهات محايدة مشهود لها بالنزاهة مثل المنظمات حتى شكلت اللجنة الأهلية، خاصة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تحت عنوان «الديمقراطية فى خطر - انتخابات لم ينجح فيها أحد» أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرها مؤكدة على أنه لا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان المصرى بغير ضمان حقيقى بأن يكون مجلس الشعب معبراً عن إرادة المجتمع وبغير أن يكون نواب الشعب على يقين من أنهم لا يدينون لأحد غير الشعب فى وصولهم للبرلمان.
بعد عشرين عاماً من النضال جاء برلمان من المفترض أن يكون نتاجاً لتحول ديمقراطى حقيقى وانتخابات من المفترض أن تكون نزيهة، وبدلاً من العمل على تحرير المجتمع المدنى صاحب الفضل من القيود استعاد نفس خطاب الكراهية والتهم الكلاسيكية ليستخدمها فى إنتاج أسوأ قانون للمجتمع المدنى، وهو قانون الجمعيات الذى صدر فى ثلاث ساعات، قانون مقطوع الصلة عن أى حوار مع متخصصين أو معنيين أو حتى احترام لوقت الوزيرة المعنية، قانون صدر يعتقد مصدروه أنهم يتحكمون فى الجمعيات لكن ما لم يعرفوه أنه فى أقل من ثلاث ساعات جعلوا الحديث حول قمع الحريات فى مصر يتصدر عناوين الصحف والمنتديات العالمية وعليهم أن يشرحوا للعالم كيف استطاعوا فى 2015 أن يثأروا لبرلمان 1995.