دونالد ترامب: العالم يندفع إلى «مجهول»

كتب: عبدالعزيز الشرفى

دونالد ترامب: العالم يندفع إلى «مجهول»

دونالد ترامب: العالم يندفع إلى «مجهول»

بوجه تهللت أساريره.. وقامة منتصبة تنم عن ثقة دفينة فى قرارة نفسه، خرج المرشح الجمهورى يعلن خطاب النصر، خطاباً جاء بينما العالم فى حالة صدمة.. كيف وصل هذا الرجل إلى هذا المكان بعد كل ما جرى؟ والأهم، كيف خسرت المرشحة الديمقراطية ذات الخبرة والحنكة الطويلة فى مواجهة رجل أعمال عُرف بكونه «الأحمق» المتسرع الذى لا يستطيع كبح جماح لسانه السليط على خصومه. وقف الرجل أمام العالم يعلنها: «سأكون رئيساً لكل الأمريكيين.. لقد آن الأوان لأمريكا أن تضمد جراح الانقسام.. سنتفاهم مع كل الدول الأخرى التى لديها رغبة فى التفاهم معنا».

خرجت تلك الكلمات من الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب كالصاعقة على الجميع، فهى التصريحات الأولى التى تخرج عنه بعد إعلان فوزه رسمياً، ولكنها جاءت مغايرة تماماً لخطاب الحدة والشدة الذى انتهجه حينما كان لا يزال مرشحاً للحزب الجمهورى، خصوصاً أنه معروف بكونه مثيراً للجدل أينما حل.

السياسى ورجل الأعمال الأمريكى الشهير عُرف منذ اليوم الأول لظهوره على ساحة الأعمال والاقتصاد فى الولايات المتحدة بكونه واحداً من أكثر الرجال جذباً للانتقادات اللاذعة بسبب تصريحاته العدوانية والعنصرية تجاه عدد كبير من معارضيه. وصلت الانتقادات الموجهة إليه إلى حد التراشق بالألفاظ، وهو ما جعل العالم يتخوف من وصوله إلى الرئاسة. وصل «ترامب» إلى الحكم فى مفاجأة أجبرت العالم على الصمت إزاء ما لا يعرفه، فالرئيس الأمريكى الـ45 هو الرئيس الأول للولايات المتحدة الذى يأتى من خارج دوائر صنع القرار والسياسة فى تاريخ الولايات المتحدة، ما يثير حالة من الجدل حول نواياه وتوجهاته وسياساته، فى وقت كاد العالم يقترب فيه من حد الجنون.

لا حصر أبداً للألقاب التى يمكن أن يسمى بها الرئيس الجديد، فهو «الفاشى» و«هتلر الجديد» فى أعين معارضيه، و«البطل القومى» و«الملك» فى أعين مؤيديه الذين تغلب عليهم النوازع العنصرية. رغم كونه مثيراً للجدل ويتمتع بقاعدة شعبوية كبيرة بسبب خطابه الشعبوى، فإن جميع المحللين والمراقبين كانوا يقللون من فرص وصول «ترامب» إلى الرئاسة، ومنذ اليوم الأول لإعلان ترشيحه رسمياً كممثل للحزب الجمهورى، استبعد الجميع احتمالات وصوله إلى الحكم.

لم تكد الأيام تمر، حتى بات «ترامب» الخوف الأكبر بالنسبة إلى أغلب الأمريكيين، وتغيّرت النظرة العامة إليه من مجرد الاستخفاف والاستهزاء به، إلى مخاوف حقيقية من وصول رجل «معتوه» -كما يصفه معارضوه من الحزب الديمقراطى- إلى الحكم.

كثيرا ما أثار قطب الإعلام جدلاً حول تصريحاته التى يعتبرها البعض «عنترية» لا تحتوى سوى على تهديدات فارغة لا يمكن تحقيقها، وما بين أزمة تصريحاته عن منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وحتى تصريحاته عن بناء جدار يفصل الولايات المتحدة عن المكسيك، استطاع الملياردير الجمهورى أن يجد نقطة ثابتة يستطيع الوقوف عليها للحصول على التأييد فى أوساط الأمريكيين، وبدلاً من أن يتبنى خطاباً حماسياً ثابتاً لجأ «ترامب» إلى تبنى خطاب مراوغ يسمح له بالتراجع عن تصريحاته تارة والتخفيف من حدتها تارة أخرى، خصوصاً تلك المتعلقة بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.

السياسى الأمريكى المولود عام 1946، اعتاد انتهاج سياسات وخطوط تتناقض تماماً مع ما هو سائد فى الولايات المتحدة بشكل عام، فهو «الجمهورى المحافظ» الذى لا يخجل صراحة من إعلان آرائه حتى وإن كانت تتنافى مع الاتجاه السائد فى بلاده، ففى الوقت الذى احتفى فيه الجميع بثورات الربيع العربى، خرج هو يقول: «الربيع العربى.. اسم جميل ستكون له نتائج كارثية فيما بعد». ما يميز «ترامب» عن غيره، بحسب مؤيديه، أنه يمتلك القدرة على المراوغة ومواجهة المصاعب فى إدارة مشاريعه العقارية العملاقة، ففى سنوات التسعينات كاد يشهر إفلاسه خلال أزمة العقارات بعد أن ارتفعت قيمة ديونه وبلغت مليارات الدولارات، لكنه استطاع التغلب على هذه الأزمة قبل أن يواجه واحدة أخرى فى عام 2005، إلا أنه نجح للمرة الثانية فى إنقاذ إمبراطوريته.

اليوم، وبعد جولات انتخابية ومنافسة حادة وشرسة بين وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون والمرشح الجمهورى، بات العالم فى حالة صدمة، فللمرة الأولى فى تاريخ الولايات المتحدة يأتى رئيس لا تُعرف توجهاته حتى وإن كان يعلن آراءه الحادة علناً، فللسياسات الأمريكية حدود ومبادئ لا يمكن الحيد عنها إلا بدرجات معينة تختلف من شخص رئيس إلى آخر.

لدى البعض حالة من التفاؤل تجاه «ترامب»، إلا أنها تنبع من حقيقة واحدة فقط هى قدرته على إدارة أعماله ونجاحه رغم الأزمات التى تعرض لها، فهل سيكون الرئيس الأمريكى الجديد قادراً على إدارة مشكلات وأزمات العالم، وتحديداً الشرق الأوسط، كما أدار أعماله؟ أم أنه لن يستطيع النجاح سياسياً كما نجح اقتصادياً؟


مواضيع متعلقة