«البلابيش»: المُورِّد الرئيسى فى الصعيد.. «ممنوع اقتراب الشرطة»

كتب: خالد الغويط ورجب آدم

«البلابيش»: المُورِّد الرئيسى فى الصعيد.. «ممنوع اقتراب الشرطة»

«البلابيش»: المُورِّد الرئيسى فى الصعيد.. «ممنوع اقتراب الشرطة»

على الحدود الجبلية لمركز «دار السلام»، بمحافظة سوهاج، تقع «البلابيش»، قرية صغيرة ذاع صيتها بين أبناء الصعيد فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، بعد أن أصبحت مقصداً لتجار السلاح من مختلف المحافظات، ما أدى إلى انتعاش «التجارة المحرمة»، فى غياب شبه تام للأجهزة الأمنية. {left_qoute_1}

وساعدت الصراعات بين أبناء القبائل والعائلات فى محافظة سوهاج والمحافظات القريبة منها، فى انتعاش التجارة غير المشروعة للسلاح، بعدما أصبحت أرباحها تفوق ما يمكن أن يحققه تجار المخدرات، وفق تأكيد عدد من القائمين على تلك التجارة، ولفت أحدهم إلى أن إحدى الصفقات التى تمت مؤخراً، بلغت قيمتها 150 مليون جنيه، وتم تهريب السلاح وبيعه وتصريفه فى غضون أيام قليلة، ليحصد المهربون أرباحاً «خيالية».

وتطورت تجارة السلاح سريعاً فى «البلابيش» بعدما تمكن عدد من أبنائها من الوصول إلى مصادر تجارتهم فى كل من السودان وليبيا، وأصبحت القرية «المورد الرئيسى» لجميع محافظات الصعيد، ويسيطر على «سوق السلاح» فى القرية 3 أشخاص، بينهم شقيقان فى الأربعينات من عمرهما، تمكنا من تجنيد العديد من أبناء القبائل التى تعيش فى المناطق الجبلية، ومنها قبيلة «معاذة»، لمساعدتهم فى السيطرة على الطرق والمدقات الجبلية، لتهريب تجارتهم من خلالها، بالإضافة إلى مرشح سابق لانتخابات «مجلس الشعب» عام 2010، بدأ صيته فى الانتشار بين تجار السلاح مؤخراً، ويعاونه فى ذلك أحد أبنائه.

{long_qoute_1}

ويستعين المهربون بهواتف «الثريا»، التى تعمل بالأقمار الصناعية، فى اتصالاتهم وتحركاتهم، بمعاونة عدد كبير من «أدلة الصحراء»، الذين يعرفون كل شبر منها، ويتولون إرشاد قوافل السلاح ومساعدتهم فى شق طريقهم وسط المدقات الجبلية الوعرة، ولا تتطلب عملية بيع السلاح مجهوداً كبيراً، فمعظم الطلبيات تكون «محجوزة مسبقاً»، بحسب عاملين فى «سوق السلاح» ومهربين التقت بهم «الوطن»، وأكدوا أنه «عقب وصول البضاعة إلى مدخل قرية صديق المنشاوى، يتسلم تجار التجزئة بضاعتهم فى وضح النهار، لتنطلق بها السيارات إلى مختلف محافظات الصعيد».

ولفتت المصادر إلى أنهم يسيّرون بعض العناصر الاستكشافية لرصد التمركزات الأمنية على الطرق الزراعية، قبل بدء قوافل السلاح فى التحرك إلى المحافظات الأخرى، مشيرين إلى أنه يتم تخزين كميات قليلة من السلاح لدى كبار التجار فى قرية «البلابيش»، ويتم بيعه لاحقاً بأسعار مرتفعة، خاصةً للعائلات التى تطلب أسلحة بشكل فورى، نظراً لوجود نزاع مع عائلات أخرى، ووقتها لا يتم الفصال فى السعر كثيراً، حيث يكون همهم الأول هو الحصول على السلاح فى أسرع وقت بسبب الثأر، وفى بعض الأحيان، وبحسب الحاجة، يتم إرسال طلبيات عاجلة من السودان، تصل خلال 3 أيام، ولكن تلك الطلبيات عادةً ما تكون بأسعار أعلى.

{long_qoute_2}

ولم يكن دخول «الوطن» إلى المدقات الجبلية فى صحراء مركز «دار السلام» بالمهمة اليسيرة، بل كانت عملية شديدة الخطورة، نظراً لوجود عدد كبير من أرباب السوابق و«المطاريد»، ينتشرون فى المنطقة المتاخمة لقرية «صديق المنشاوى»، ملتقى مهربى وتجار السلاح، وليس من المعتاد أن تشهد المنطقة وجود أى «غرباء»، ومن يحاول الدخول إليها دون استئذان فلن يكون بمنأى عن نيران أسلحتهم، حتى لو كان ذلك «الزائر الغريب» من أفراد الشرطة، وفق ما أكد واحد من أهم «أدلة» الدروب الصحراوية فى المنطقة، الذى رافق «الوطن» فى رحلة إلى مناطق تهريب السلاح فى عمق الصحراء الشرقية.

وبعد محاولة استمرت عدة أيام وافق «الدليل»، ويُدعى «عاطف»، على اصطحاب «الوطن» فى رحلة إلى مناطق تهريب السلاح عبر الدروب الصحراوية، وطلب الحضور مبكراً إلى قرية «صديق المنشاوى»، وهى قرية خاصة بشباب الخريجين، تقع فى حضن الجبل، بمركز دار السلام، وكان موعد اللقاء مع أول ضوء للنهار، وتحرك بنا مستخدماً سيارة مجهزة للسير على الطرق الوعرة، حيث توجه بنا إلى طريق ترابى، فى نهايته صحراء مترامية الأطراف، سرنا بعدها بالسيارة لمدة نصف ساعة إلى أن وصلنا لسلاسل جبلية، ثم أخرج «عاطف» هاتفه المحمول وبدأ يجرى اتصالاً بأحد الأشخاص، وأبلغ محدثه بمواصفات السيارة، وأنه يستقل السيارة بصحبة شخصين «أفندية»، على حد وصفه، وأنهما من أقاربه ويريدان أن يتفقدا المنطقة الجبلية للبحث عن أماكن تصلح لإقامة محاجر فيها، واصلت السيارة طريقها بمحازاة الجبل لمسافة 10 كيلومترات تقريباً، بعدها ظهر مدق جبلى يقف على مدخله حوالى 10 أشخاص يحملون أسلحة آلية ورشاشات «جرينوف»، وبجوارهم سيارة ربع نقل حمراء اللون، وعندما سألنا «عاطف» عنهم أخبرنا بأنهم ينقبون عن الآثار، وليس لهم علاقة بتجارة السلاح، وأكملنا سيرنا على المدق الجبلى لمسافة تجاوزت 70 كيلومتراً، إلى أن توقف بنا الدليل فى منطقة تتقاطع فيها المدقات الجبلية، أكد أنها موقع التقاء شحنات السلاح المقبلة من الشمال أو الجنوب، حيث يتم تفريغ شحنات السلاح فيها، وتوزيعها على التجار، وهناك اكتشفنا آثار إطارات سيارات على الرمال، وأوضح «عاطف» أن هناك شحنة تم تسليمها منذ 3 أيام.

وبدأ «عاطف» يسرد لنا كيفية جلب الأسلحة إلى المنطقة، قائلاً إن مهربى السلاح عادةً ما يستخدمون سيارات «تويوتا» كابينة واحدة، وهذه السيارات لا تخرج نهائياً من وسط الدروب الصحراوية، ويتم تزويدها بالوقود وإجراء الصيانة اللازمة لها داخل الجبال، وأضاف أن «كبار التجار» يتلقون الطلبيات من التجار فى مختلف محافظات الصعيد، وبعدها يتم إجراء الاتصالات عبر تليفونات «الثريا» بموردى السلاح فى كل من ليبيا والسودان، لتدبير الطلبية، وأوضح أن التهريب من السودان أسهل بكثير من ليبيا مروراً بمطروح وبنى سويف، لقرب المسافة، وسهولة دخول البضاعة من على الحدود فى منطقة «العلاقى»، وبتأمين من قبائل «العبابدة»، التى تسيطر على المنطقة الحدودية، وأضاف أن الكميات المطلوبة فى كل طلبية لا تقل عن 100 قطعة سلاح من مختلف الأنواع، بالإضافة إلى الذخائر الخاصة بها، مشيراً إلى أن السيارات تنطلق عبر المدقات فى مسيرة تستمر 3 أيام، ويتم استلام السلاح من داخل أراضى دولة السودان، وتعود إلى دار السلام عبر نفس الدروب، لافتاً إلى أن السائقين يتوقفون للاستراحة والنوم فى عدد من الاستراحات، تم بناؤها بمعرفة المهربين، مؤكداً أن الرحلة ليس بها أى مخاطر، حيث إن الشرطة لا يمكنها الوصول إلى تلك المدقات، ولم يحدث أن دخلتها فى يوم من الأيام.

وعن حجم تجارة السلاح فى سوهاج، قال «عاطف» إن التجار فى البداية كانوا يختطفون بعض الأشخاص من الطرق الصحراوية والزراعية، ويتم اصطحابهم إلى السودان، وتركهم كرهائن لدى البائعين لحين تصريف السلاح، بعدها يتم إرسال النقود وإطلاق سراح الرهائن، بعد أن يحصل التجار على فدية من أهالى المخطوفين، ومع زيادة النقود مع التجار تخلوا عن فكرة الرهائن، ويتم شراء البضاعة نقداً أو بتحويلات بنكية، مؤكداً أن «مكاسب تجارة السلاح تفوق تجارة المخدرات»، وأن الشحنة تربح فى العادة 100% من قيمتها، لافتاً إلى أن إحدى الصفقات، التى تمت مؤخراً، تجاوزت قيمتها 150 مليون جنيه.

 


مواضيع متعلقة