«السكر» يشعل حماس أمة..!

منذ هزيمة 1967 وحتى منتصف السبعينات -إن لم تخنى الذاكرة- عانى المصريون أشد المعاناة فى الحصول على السلع الغذائية التى يحتاجون إليها، وخصوصاً السكر!. كانت عبارة «عندك سكر» من العبارات الأساسية التى يرددها المصريون أمام دكاكين البقالة، لم يكن الشح فى السكر فقط، بل امتد إلى العديد من السلع الأخرى، وكانت عبارة «فى فراخ فى الجمعية» أو «فى لحمة فى الجمعية» من العبارات القادرة على إشعال حماس أمة المصريين ليسارعوا أفراداً وجماعات إلى طابور الجمعية، تماماً مثل عبارة «فى سكر فى المحلات»!.

حالنا الآن لم يعد يخفى على أحد، أو يحتاج إلى شرح أو تفسير، فنحن نعيش أجواء وظروفاً تتشابه إلى حد كبير مع أجواء فترة الحرب، حين كان التموين لغزاً من ألغاز حياة المصريين. رغم طول الفجوة الزمنية بين عقد السبعينات من القرن العشرين، والعقد الثانى من القرن الحادى والعشرين الذى نحيا فيه، إلا أن الظروف تتشابه. وزير التموين فى الحالتين هو الأكثر حضوراً والأشد مساءلة من جانب النواب، ومن قبل رئيس الحكومة، ولعلك تابعت الاستدعاءات الأخيرة له من جانب السلطة لسؤاله فى موضوع «شح السكر» وارتفاع سعره إلى الجنيهات العشرة الكاملة.

هل المسألة تحتاج إلى استدعاء أو سؤال؟، أتصور أنها لا تحتاج. السبب ببساطة إن الحكومة «ممعهاش تجيب سكر»، فنسبة لا بأس بها مما نستهلكه من هذه السلعة نستورده من الخارج، ولكى يتيسر لنا ذلك لا بد أن يكون لدينا دولارات، ولسان حال السلطة فى مصر يقول: «ممعييش أجيبلك». الحكومة منذ فترة سلمت بأنها مفلسة على مستوى العملة الصعبة، ولم تعد تسعى إلى تدبيرها، بعد أن حاولت ولم تفلح، وبالتالى أصبح منهجها فى إدارة الأزمة قائماً على نظرية «تلبيس الطواقى». تظهر أزمة فى حليب الأطفال -سببها شح الدولار- فيصرخ الناس، فتهرول الحكومة إلى تدبير «شوية دولارات» لاستيراد «شوية علب حليب» لسد جوع الأطفال، لكن السحب هنا يتم على حساب مخصصات سلعة أخرى، مثل السكر، فتشح فى الأسواق وترتفع أسعارها. ومما يزيد من حجم المشكلة أن لكل سلعة فى مصر قرصاناً أو إمبراطوراً يحتكر استيرادها، وهو يتحكم بعد ذلك فى سعرها، حين تطرح فى الأسواق، ومع الشح وازدياد الطلب، تصبح يد المحتكر طليقة فى حلب المواطنين حتى آخر قطرة.

لابد للإنسان أن يعيش بالأمل، ويعلم أن فرج الله قريب، لكن ثمة حقائق على أرض الواقع تقول إن استمرار أزمة الدولار، قد يؤدى إلى خلع الطواقى، وتعرية رأس الحكومة، لتمتد الأزمة إلى المزيد من السلع، وتتوسع الأزمات المحدودة التى ضربت سلعاً معينة فى الوقت الحالى، لتصبح أزمات كبرى، ويقع المواطن بين مطرقة الغلاء من ناحية والشح من ناحية أخرى. ولا يعلم أحد وقتها ماذا سيكون رد فعل الناس؟. فى كل الأحوال على السلطة التى أتت بالحكومة الحالية أن تلحق وقتها وتتصرف، وعليها أيضاً أن تنظر فى العوامل الخارجية التى أدت إلى هذه «الخنقة الاقتصادية» وتحاول أن تفعل شيئاً. مصر تحتشد الآن بالعديد من المؤشرات الخطيرة التى تدلل على «العجز»، وهى مؤشرات تتناقض مع تصورات المواطن عن «السلطة القادرة» على فعل الكثير. هذا التناقض قد يأخذ بالبلاد إلى نتائج غير مأمونة.. من كان له أذنان للسمع فليسمع!.