أمر الشعب.. احتراز أمريكا وتضليل دويتشه بنك.. زمن العبث

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

■ أؤمن بحق الشعوب فى أن تحيا حياة هانئة مريحة عادلة، ولكننى أرفض تغييب الوعى ومغازلة المواطن البسيط لكسب وده دون تنمية مهاراته وإفهامه المعنى الحقيقى للمواطنة. ولذا توقفت كثيراً عند حملة «الشعب يؤمر» التى أعلنها المذيع عمرو أديب على قناة «أون تى فى»، وبعيداً عن رأيى الشخصى فى المذيع الذى لم ننسَ له بعد مكالمته على الهواء مع خالد صلاح وتهديد كل منهما للآخر بكشف المستور فى حياتهما وفضحهما لأفعال كل منهما، فإن ما تم هو التغييب بعينه يا سادة لأن الشعب ليس بحاجة ليأمر بل ليعمل بجد وينتج بكثافة فى ظل ما نعانيه من أزمة اقتصادية سببها الأساسى تراجع الإنتاج والتصدير. كما أن التجار المعلنين فى الحملة على شاشة القناة -التى يحصل المذيع على نسبة من إعلاناتها- ليسوا بحاجة للمنّ والتفضل، بل هم فى حاجة لأن يُطبق عليهم القانون لضبط تعاملات سوق مشوهة فقدت السيطرة منذ سنوات طويلة حينما قبلنا بالانفتاح دون ضوابط فكان السداح مداح. ولهذا فالشعب كله-مستهلكين وتجاراً- بحاجة لاكتساب ثقافة جديدة تقوم على الترشيد وموازنة الدخل بالإنفاق وزيادة العمل من جانب المستهلك. والالتزام بقوانين هامش الربح وتفضيل مصالح الدولة وآليات حاسمة لضبط ومراقبة السوق من قبَل المؤسسات المختلفة. ليعلم الجميع ثمن بناء المجتمعات والارتقاء بها بلا تغييب ولا اتجار باسم «الشعب».

■ كما أؤمن بحق الدول فى رعاية مصالح رعاياها وأمنهم وأقدّر فى الحكومات ذلك الصنيع، ولكننى توقفت أمام بيانات أمريكا وكندا وبريطانيا لرعاياهم بتوخى الحرص فى مصر يوم الأحد 9 أكتوبر والتشديد على عدم الوجود فى الأماكن المزدحمة دون توضيح لأسباب تلك البيانات التى برروها بأنها إجراءات احترازية يقومون بها. وتساءلت: ولمَ لم تحترز أمريكا وتحذر رعاياها فى تركيا التى وقع بها انفجار ضخم بجوار قسم للشرطة بجانب مطار إسطنبول يوم الخميس ونتج عنه عدد من الإصابات، كما فجّر انتحاريان نفسيهما فى سيارة كانا يستقلانها فى أنقرة صباح السبت؟ وتماديت فى أسئلتى لأفكر فى أمريكا التى تحترز فى مصر ولكنها لم تحترز فى أحداث باريس ونيس وبروكسل؟ كما لم تحترز فى ولاياتها المختلفة بينما نظرية الذئاب الإرهابية تحصد الأرواح؟ بمعنى: هل يتنبأون بالإرهاب فى بلادنا ولا يملكون نفس القدرة فى بلادهم؟ أم أن بلادنا مرتع لتجاربهم وعملائهم، ولذا يسهل الاحتراز اللاإرداى فيها؟ ألا إنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

■ وأتوقف أمام ما يحدث لدويتشه بنك، وهو أكبر تجمع مصرفى فى ألمانيا، وهو يعانى مرحلة الأزمة بعد أن قام بتسريح 3000 من موظفيه فى يونيو الماضى لتطوير أدائه ثم أعلن يوم السبت الماضى عن تسريح 1000 موظف آخر ليبلغ عدد المسرحين فيه 4000 فى أربعة أشهر دون أن يتوقف أحد أمام الخبر ويعيره اهتماماً من قادة الإعلان فى بلادى المنتشرين على فضائيات «الليل وآخره»، ودون أن يتوقفوا عند تقارير فرض محاكم الولايات المتحدة الأمريكية غرامة 14 مليار دولار على ذات البنك لقيامه بعمليات رهن شابها التضليل. بمعنى أن البنك الألمانى الكبير لم يكتف بتسريح 4000 موظف، ولكنه يمارس التضليل وعليه دفع غرامة ضخمة لأمريكا، وهو ما دفع بكبريات الشركات الألمانية لإعلان تضامنها معه وضخ أموال فيه وشراء أسهم به لتدعيم احتياطياته. ولوهلة قارنت بين حالنا وحال البنك وتساءلت: ماذا لو كان هذا يحدث فى مصر الآن؟ وتخيلت الإجابة لدى من يعانون من نقص الهوية وضعف الرؤية واختزال المواقف مما جعلهم يرون فى بلادى كل نقيصة فينتظرون الفرص للانقضاض عليها، ولا يتابعون فى الغرب إلا كل مشهد يؤكد أوهامهم بأن هناك جنة بلا نقائص.

أدرك أننا فى زمن عبثى يتهاوى فيه المنطق ولكن ما زلت أراهن على الإنسان ووعيه.