مؤسس أول لواء «مشاة أسطول» بالشرق الأوسط لـ«الوطن»: العدو الإسرائيلى «وحش» فى طائراته ودباباته.. و«فأر» خارجها

كتب: مروة عبدالله ومحمد مجدى

مؤسس أول لواء «مشاة أسطول» بالشرق الأوسط لـ«الوطن»: العدو الإسرائيلى «وحش» فى طائراته ودباباته.. و«فأر» خارجها

مؤسس أول لواء «مشاة أسطول» بالشرق الأوسط لـ«الوطن»: العدو الإسرائيلى «وحش» فى طائراته ودباباته.. و«فأر» خارجها

كشف اللواء أركان حرب متقاعد محمود شعيب، قائد اللواء 130 مشاة أسطول فى حرب أكتوبر المجيدة، عن تكليف الفريق أول محمد صادق، وزير الحربية قبل الحرب، عن تشكيله للواء فى يناير 1972 ليُحمل عبر القطع البحرية المصرية لتنقله عبر قناة السويس للتصدى لاحتياطات العدو أثناء فتح الثغرات فى خط بارليف باستخدام خراطيم المياه العملاقة، موضحاً أن عمل اللواء الذى تولى قيادته أشبه بـ«المارينز» فى الجيش الأمريكى.

{long_qoute_1}

أضاف «شعيب»، فى أول حوار صحفى يجريه عقب مرور 43 عاماً على حرب أكتوبر، أنه فوجئ بقدرة القوات البحرية على نقل 24 مركبة من اللواء الذى شكله، لافتاً إلى أن اللواء تكون من 150 دبابة، ومدرعة «توباز»، وأنه اقترح على الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقت الحرب، أن يقوم بـ«تعويم الباقية»، لافتاً إلى أنه وافق، فى الوقت الذى علق خبير سوفيتى على مقترحه، قائلاً: «أنت مجنون.. لا تستطيع أن تعبر بها البحر المفتوح»، إلا أنه تم التدريب عليها مراراً وتكراراً حتى نجحنا فى مهمتنا وقت الحرب.

ولفت قائد اللواء 130 مشاة أسطول فى حرب أكتوبر إلى أن «التجربة عزم»، التى أجراها اللواء التابع له فى سواحل مصر الشمالية بالمياه المفتوحة لمسافة 30 كيلومتراً من مدينة الحمام بمرسى مطروح، وحتى سيدى كرير، نجحت خلالها القوات فى العبور بالمياه، مشيراً إلى أن مركبتين مدرعتين غرقتا خلال تلك التجربة.

■ كنت أحد قادة حرب أكتوبر.. وكنت مسئولاً عن تشكيل اللواء «130».. حدثنا عن حكايتك مع الحرب؟

- الحكاية تبدأ قبل الحرب بسنوات، حين كنت ضابطاً فى قوات المظلات، وكان هناك استعداد لإجراء تفتيش لقوات المظلات، وكنت قائد كتيبة، وكانت الكتيبة المجاورة لنا مستعدة للتفتيش، ونحن لم نكن مستعدين بالقدر الكافى، وحينها أخذتنا الحمية، وتوجهت يوم أربعاء إلى أفراد وضباط كتيبتى، وقلت: «اعتباراً من يوم السبت سأبات بالكتيبة عشان نقدر نستعيد مكانتنا، ونأخذ المركز الأول فى المظلات»، وجميعهم وافقوا، وأخذنا فى العمل»، حتى وجدت تليفوناً موجهاً لى من قائد قوات المظلات فى هذا الوقت، الفريق عبدالمنعم خليل، وقال: «انت هتعمل انقلاب؟»، فرددت: «انقلاب إيه يا فندم»، فقال: «انت منيم الكتيبة بقالك أسبوع من غير ماحد يعرف فى المعسكر»، فقلت: «بنستعد عشان التفتيش اللى علينا»، ثم جاء الفريق محمد فوزى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة حينها، ليشهد التفتيش علينا، وأخذنا المركز الأول فى «التفتيش»، ثم بعدها بشهر، وجدت اتصالاً من الفريق عبدالمنعم خليل بانتقالى لـ«الصاعقة»، قائداً لمجموعة قتالية فيها. {left_qoute_1}

■ وماذا حدث بعدها؟

- تم ضم قوات الصاعقة، والمظلات، وكان قائدها الفريق سعد الدين الشاذلى، الذى كان رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة وقت حرب أكتوبر، وحين جاء، شاهدنى، وقال لى: «أنا سايبك فى المظلات آجى ألاقيك فى الصاعقة»، فقلت: «أنا عبد المأمور»، ثم صدر أمر بتعيينى قائداً لمدرسة الصاعقة فى 1 يوليو 1967، وهى أساس الصاعقة، وكنت قادماً للمظلات، وذلك جاء بعد القبض على الفريق جلال هريدى، قائد مدرسة الصاعقة، حينما توجه لمنزل المشير عبدالحكيم عامر، وزير الحربية وقت النكسة، أثناء خلافه مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لكن «عبدالناصر» استطاع أن يحسم الأمر لصالحه فى النهاية.

■ وكيف كان عملك فى «مدرسة الصاعقة»؟

- فى البداية كان صعباً للغاية لأننى قادم من قوات المظلات، وليس الصاعقة، ولكن مع العمل، والعلاقات الطيبة مع الجميع حين خرجت من مدرسة الصاعقة كنت على علاقة طيبة مع قاداتها، ومسئوليها، وأغلب ضباطها، ولكن صدر أمر من الفريق محمد فوزى، وزير الحربية حينها، ليتم نقلى لمجموعة مقاتلة.

خضنا تفتيشاً حين كنت قائداً للمجموعة، وأخذنا المركز الأول على القوات الخاصة كلها، وليس الصاعقة فحسب، وكانت مجموعتى تابعة للجيش الثانى الميدانى، وكلفنا بحماية «رقبة الوزة»، وهى المنطقة من بورسعيد، وحتى البحيرات المرة، وظللنا بها حتى عبر العدو بدورية صغيرة ليصطاد سيارة تموين ومؤن للجنود فجراً، وحرق العربة، وكنت المسئول عن تأمين هذا القطاع، وأخذت عقاباً صارماً، ولكن قلت إن قواتى لم تكن كافية لتأمين كل تلك المنطقة، ليزال العقاب، ولكن تم نقلى رئيساً لعمليات قطاع بورسعيد من 1 يوليو 1969، ثم نقلت إلى اللواء الثالث المشاة، وعينت رئيساً لأركانه فى 1970، ثم وجدت «عسكرى» يقول إن «كاتم الأسرار على التليفون»، وكاتم الأسرار هو مدير إدارة شئون الضباط بالقوات المسلحة، ثم ذهبت له ليقول: «تجينى بالليل»، قلت: «قائد اللواء مش موجود»، فرد: «تجينى بالليل»، فذهبت لقائد الفرقة، وأخذت منه الإذن بالتوجه لـ«كاتم الأسرار».

■ وماذا حدث عند لقائك به؟

- قال لى إن الفريق محمد صادق، وزير الحربية حينها، اختارك لتكون قائداً للواء «130 مشاة أسطول»، وفى الغرفة المجاورة لى تليفون آمن غير مراقب، تحدث مع من تريد، لتخرج لتقول هل أنت موافق على تولى المسئولية أم لا، وقلت: «موافق يا فندم»، فصدر القرار فى 1 يناير 1972، بتعيينى قائداً لهذا اللواء، ولكن لم يكن هناك لواء وقتها، ولا كيان له، ثم بدأنا تشكيل اللواء، لأنه لواء مشاة لم يكن له مثيل بالشرق الأوسط.

■ وماذا تعنى كلمة «مشاة الأسطول»؟

- هى مثل «المارينز» فى أمريكا، بمعنى أنها وحدات مشاة مقاتلة، ولكن تتعاون مع القوات البحرية لنقلها، وإعطائها قوة نيرانية، ومعاونة، لتنزل على الأرض لتكون قوات مشاة عادية، وهى من تذهب لأصعب المهمات، وكان تشكيل اللواء يجرى عبر مجهود جبار.

{long_qoute_2}

■ وما السبب الذى وجه القيادة العسكرية لإنشاء مثل هذا اللواء فى مصر؟

- فى يناير عام 1972، وفى أثناء بحث الخطط المقترحة لعبور قناة السويس، صدر قرار القيادة العامة بإنشاء «اللواء 130»، الذى أطلق عليه اسم «مشاة الأسطول» فى بادئ الأمر، وقبل حرب أكتوبر بفترة قصيرة تقرر تغيير اسمه ليصبح «اللواء 130 مشاة ميكانيكية البرمائى»، وكان الغرض من إنشائه إيجاد قوة مشاة ميكانيكية لديها القدرة على التحرك بمركباتها البرمائية سواء عبر الأراضى أو عبر المسطحات المائية المحدودة، مثل البحيرات التى تقع على مجرى قناة السويس، وهى بحيرات التمساح، والبحيرات المرة الكبرى والصغرى أو مثل خليج السويس، بغرض مفاجأة العدو فى «عمق دفاعاته» لشل مراكز قيادته، وتعطيل تقدم احتياطاته التعبوية، التى كانت ستلاقى قواتنا، وذلك طوال فترة فتح ثغرات فى «الساتر الترابى»، وعبور قواتنا.

■ وكيف جرى تشكيل «اللواء»؟

- تم فى الأشهر الأولى من عام 1972 فى منطقة العامرية بالإسكندرية بعد أن تم اختيارى لقيادته، وكنت برتبة عقيد أركان حرب، وكان يتكون من كتيبتى مشاة ميكانيكيتين اختير أفرادهما من قوات الصاعقة، وجرى تقسيم اللواء إلى مفرزتين؛ الأولى تولى قيادتها المقدم أركان حرب محمود سالم، والأخرى المقدم إبراهيم عبدالتواب، إضافة لوحدات الدعم الخاصة باللواء، التى كانت من أهمها كتيبة دبابات برمائية من طراز 76، وكتيبة مقذوفات صاروخية موجهة مضادة للدبابات من طراز «مالوتكا»، وكتيبة مضادة للطائرات، وكتيبة هاون 120 ملى متر، كما زودت كل كتيبة مشاة ميكانيكية بعدد 40 مركبة مدرعة برمائية من طراز «توباز» لنقل أفراد المفرزة. {left_qoute_2}

وفى أواخر سبتمبر عام 1973، تم نقل اللواء 130 من «العامرية» لمنطقة القناة، حيث تمركز فى معسكر حبيب الله شمال غرب مدينة السويس، وجرى تدعيم «المفرزتين» بـ10 دبابات برمائية «ت 76»، من كتيبة دبابات اللواء، لتنفيذ المهام المكلفين بها، وأصبحت كل منهما مفرزة مستقلة، وكان لدىّ نحو 150 دبابة ومركبة من طراز «توباز»، وأخذنا التدريب المكثف بالتعاون مع القوات البحرية، وواجهنا تحديات كبيرة. 

■ وماذا كانت مهمة اللواء عقب حرب أكتوبر المجيدة؟

- كان فكر القيادة أن يعبر هذا اللواء البحيرات المرة، لينطلق لتعطيل اندفاع احتياطات العدو حتى قناة السويس، وكنا نحتاج لـ6 ساعات لفتح ثغرات فى خط بارليف لتعبر القوات، وكنا من ضمن القوات المكلفة بذلك بالتعاون مع باقى تشكيلات القوات المسلحة، وكان يطلق علينا اسم «اللواء الرايح ومش جاى»، وكنا متقبلين ذلك لأننا أخذنا نتدرب لفترات طويلة حتى كنا نتمنى أن نحارب، ونسترد أرضنا، وشرفنا، وسمعة قواتنا المسلحة الباسلة.

■ وهل شاركت به المفرزتان، التى تشكل منهما اللواء، كاملتين أم كل واحدة بذاتها؟

- كانت مهمة المفرزتين؛ الأولى الاندفاع حتى الطريق المؤدى لـ«مضيق الجدى»، والأخرى الدفع بها للطريق المؤدى لـ«مضيق متلا»، بغرض الاستيلاء على المدخلين الغربيين للمضيقين، وبذلك يتم تأخير وصول الاحتياطى التعبوى للعدو حتى صباح يوم 7 أكتوبر، أى بعد ضمان إتمام إقامة المهندسين العسكريين المصريين للكبارى والمعديات على القناة، وعبور الألوية المدرعة للانضمام إلى الفرق المشاة الملحقة بها، وبهذا تكون «الفرقة الخامسة»، التى عبرت قناة السويس، جاهزة لصد أى هجوم مضاد تعبوى للعدو.

■ وبالتأكيد كان التدريب المكثف أولى خطواتكم للاستعداد لتلك المهمة الهامة؟

- بالفعل، ولكن حدثت مشكلة صغيرة لأن إمكانياتنا وقت الحرب لم تكن تسمح بتحميل القوات البحرية لقواتى بتسليحها لـ«شرق القناة» لأنها كانت قادرة على نقل 24 مركبة ودبابة فقط، وكان التساؤل: ماذا سيحدث لباقى اللواء؟ فقلت إن هناك مشكلة فى نقل القوات لشرق قناة السويس، ثم قلنا إن مركبة «التوباز» المدرعة «بتعوم بالمياه»، ثم بدأت العمل مع المقدم محمد أمين، رئيس عمليات اللواء 130، لنفكر كيف سيعبر اللواء فى المياه، وعرضت هذا الحديث على الفريق سعد الدين الشاذلى، وكان رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ووافق على فكرتنا، وأخذنا التدريب عليها فى منطقة «أبوقير»، وجاء خبير سوفيتى ليقول لى: «انت راجل مجنون». {left_qoute_3}

■ لماذا؟

- قال إن مركبة «التوباز» برمائية لعبور عائق مائى لكن لا يمكن أن تسير فى البحر لتكون مثل «المركب»، ولكننا عملنا حتى نجحنا، وأجرينا تجربة سميناها «عزم» لعبور المركبات والدبابات من مدينة الحمام إلى سيدى كرير فى البحر المفتوح على مسافة تمتد لـ30 كيلومتراً، لنجرب هل سينفع الأمر، وكانت أول مرة فى تاريخ القوات المسلحة يتم سير التوباز لهذه المسافة فى «البحر المفتوح»، وذلك بعد تدريب شاق للغاية، وكانت مهمة صعبة.

■ وماذا حدث فى تلك التجربة؟

- واجهتنا مشكلة؛ لأن مركبة التوباز لم تكن بها وسائل توجيه، ولكن التوجيه كان يجرى بواسطة القوات البحرية، وشكلنا مفرزتين من اللواء، وهما كتيبتان، الأولى كان مسئوليتها إغلاق ممر الجدى، والأخرى لممر متلا بسيناء، وكان لدينا مركبان نسير وراءهما، وجاء الفريق الشاذلى لنتوجه لنقطة وصول المركبات، ولكنى طلبت منه الاطمئنان على الوحدات التى ستنزل للمياه ثم سآتى لك إلى نقطة الإبرار لنرى وصولهم، وسارت الكتيبة الأولى بشكل جيد، والثانية تم توجيهها بشكل خاطئ، وأنها تتجه إلى «قبرص»، وتحدثت مع قائد القاعدة البحرية، وسارت الكتيبة على طول، وكنت أحسب الوقت، لأن هناك «ماتور» لنزح المياه من المركبة، ولو انتهى السولار ستغرق المركبة، ثم وجدت أن الوقت أزف، وكنت حينها برتبة عقيد أركان حرب، وكنت خائفاً من أن الكتيبة ستغرق، ثم تحدثت باللاسلكى مع اللواء محمود سالم، قائد تلك الكتيبة، وكان إبراهيم عبدالتواب، قائد الكتيبة الثانية الموجود فيها، الذى استشهد، ويعلم الجميع بطولاته، وقلت لـ«سالم» أن يرى اتجاه القمر، وطلبت إعطاء أمر بـ«الخلف در»، ورجعت الكتيبة ما عدا مركبتين نفد السولار منهما.

■ من كم مركبة تكونت الكتيبة؟

- 60 مركبة من الكتيبة بضباطها، وعساكرها، وسلاحها، ومركباتها.

■ وكم عدد الضباط والعساكر؟

- نحو 500 ضابط وعسكرى، غرق منهم نحو 20 شهيداً فى التدريب، ولكننا أنقذنا قرابة 480 ضابطاً من الغرق أثناء التدريب، وتوالى التدريب حتى ذهبنا إلى حرب أكتوبر.

■ وماذا عن «اللحظة الحاسمة» فى الحرب؟

- كنا نريد أن نحارب اليوم قبل الغد، وكان هناك تسلسل من سرية الهجوم، المستوى الأقل من القيادة العامة كانت لديها مهلة حتى تتدرج لمستوى قائد لواء، وعرفت بالمهمة قبل تنفيذها بيومين يوم 4 أكتوبر، وجاءت تعليمات لى: «استعد للهجوم»، ونقلت لقائد الكتائب يوم 6 أكتوبر مساءً، وفى 9 صباحاً نقلت لقائد السرايا، ثم قائد الفصائل فى تمام 11 صباحاً، وكانت الروح المعنوية عالية للغاية.

■ وكيف كنت تشعر وأنت تنتظر الساعة 2؟

- كانت الدقائق تمر بمنتهى البطء حتى وجدنا الطائرات تعبر أعلى رؤوسنا، وكانت الفرحة كبيرة، لتنطلق منا دون أوامر «الله أكبر.. الله أكبر»، وكنا صائمين رغم وجود فتوى من الإفتاء بإفطارنا.

■ وماذا حدث بعد العبور؟

- كان هناك حقل ألغام ينتظر عبور إحدى المفرزتين، ولكنى كنت أعرف به قبل ذلك، فنعم أنا خالفت الأوامر قبل موعد الحرب، حين قيل لى إنه لا يوجد ألغام، وجئت بضابط استطلاع جيد للغاية، وأمرته أن يذهب للضفة الأخرى ليستطلع هل هناك ألغام أم لا، وذهب، ووجد ألغاماً، وعاد ليخبرنى بها، وأزلنا ألغاماً، وفور العبور قامت مجموعة من مهندسى اللواء مشاة الأسطول 130 بفتح ثغرة فى حقل الألغام الذى تم اكتشافه، وواصلت المفرزة تقدمها عقب اشتباك قصير بالنيران مع العدو من اتجاه حصن «بوترز الإسرائيلى»، وهو حصن «كبريت شرق»، وذلك وفقاً للخطة الموضوعة، ولم تكد تقطع 15 كيلومتراً فى أراضى سيناء حتى كان آخر ضوء قد حل، حيث اصطدمت بكتيبة مدرعة إسرائيلية قادمة من مضيق الجدى تابعة للواء، كان مسئولاً عنه العقيد الإسرائيلى دان شمرون، الذى كان مسئولاً عن القطاع الجنوبى لديهم، ودارت معركة عنيفة غير متكافئة فى الظلام استخدمت فيها الدبابات الإسرائيلية من طراز «M48» أشعة النور الباهر، التى «تعمى العيون»، ونيران مدافعها من عيار «105 مم»، ودارت معركة ضارية غير متكافئة بين الجانبين قاتل فيها جنود المفرزة قتالاً شرساً نتج عنه خسائر فادحة لكلا الجانبين، وبالرغم من ذلك استطاعت المفرزة تخفيف الضغط على رأس كوبرى «الفرقة الخامسة»، وواصلت سرية بقيادة المقاتل عادل كريم من المفرزة تقدمها شرقاً مهددة قوات العدو الإسرائيلى فى مطار المليز، وكان قائد «المفرزة» يترجاه ليهدئ سرعة تحركه، أما باقى قوات المفرزة فقد صدرت لها الأوامر بالعودة للدفاع عن مطار كبريت.

■ وماذا عن «المفرزة» الأخرى؟

- نعم، كانت المفرزة يتولى قيادتها الشهيد المقدم إبراهيم عبدالتواب، وكانت مهمتها التقدم على طريق «الشط - متلا» للاستيلاء على «ممر متلا»، وعبرت تلك «المفرزة» من البحيرات المرة، خلف الأخرى، ووصلت إلى الشاطئ الشرقى فى نحو الساعة الرابعة والنصف مساء، وتجمعت خارج حقل الألغام، حتى دارت معركة عنيفة بينها وبين سرية دبابات إسرائيلية كانت متقدمة من اتجاه «كبريت شرق»، وقامت بمعاونة المفرزة سرية مقذوفات صاروخية (مالوتكا) من الفرقة «7 مشاة»، ما أدى إلى تدمير دبابتين للعدو، و3 مركبات مدرعة، وصدرت التعليمات لـ«المفرزة»، التى تشكلت من كتيبة مدرعة، بالبقاء فى موقعها، والدفاع عن «رأس الشاطئ» الذى تحتله.

■ وهل نجح لواؤكم فى تعطيل العدو عن استهداف القوات العابرة لقناة السويس؟

- عطلنا العدو على التأثير على عبور قواتنا فى قناة السويس بأكبر صورة ممكنة.

■ وهل كانت لكم أدوار أخرى فى الحرب؟

- يوم 9 أكتوبر جاءت لنا معلومات أن العدو يجمع قواته فى منطقة كبريت، ليخترق قناة السويس فى اتجاه الغرب، ولكن قواتنا أفشلت عبوره، فهى أضيق نقطة موجودة فى البحيرات المرة، وتمسكنا فى نقطة كبريت، ما منعه من العبور للضفة الأخرى، ما دفعه للتحرك نحو ثغرة الدفرسوار.

■ وما تفاصيل ذلك؟

- صدرت الأوامر إلى «المفرزة» بالاستيلاء على «حصن كبريت»، وجرى دعمها بـ«سرية دبابات» من لواء مدرع غير تابع لنا، وبعد الاستعداد للمعركة فى حوالى الساعة التاسعة صباحاً يوم 9 أكتوبر، بدأ التحرك شمالاً بمحاذاة شاطئ البحيرات المرة الصغرى لتنفيذ المهمة التى أسندت إليها بعد تدعيمها بسرية الدبابات، وكان الحصن قد جرى إخلاؤه مساء يوم 8 أكتوبر مساءً، وذلك بعد أن تلقى العقيد دان شمرون، قائد اللواء المدرع بالقطاع الجنوبى، تصديق الجنرال إبراهام ماندلر، قائد سلاح المدرعات الإسرائيلى فى جبهة سيناء، على إخلاء بعض حصون خط بارليف فى قطاعه، ومن ضمنها حصن «بوتزر»، الذى كان يقوده، وفى الساعة الواحدة إلا الربع ظهر يوم 9 أكتوبر، قامت مفرزتى باحتلال الحصن.

وأثناء الدخول لـ«الحصن»، كان العدو قد جهز حقل ألغام لاستهداف قواتنا أثناء المرور لداخل الحصن، لتنفجر دبابة، وعربة مدرعة، ولكن تم التغلب على حقل الألغام، ورفع العلم المصرى على الحصن، وأثناء ذلك تم إلقاء القبض على فردين على مقربة من الحصن، ولكن لم يكونا من قوات العدو، فتم إخلاء سبيلهما.

وعثرت «المفرزة» داخل الموقع على كميات كبيرة من الذخائر، والمعلبات المحفوظة لم يتسع الوقت لـ«الحامية الإسرائيلية» لسحبها معها أو تدميرها، وبادر المقدم إبراهيم عبدالتواب بطلب كميات كبيرة من التعيينات، والمياه، والذخائر من منطقة الشئون الإدارية للواء، وكان يقع على بعد 8 كيلومترات على الضفة الغربية للبحيرات المرة الصغرى فى مواجهة موقع كبريت تماماً، وكانت وسيلة الاتصال المنتظمة بين منطقة الشئون الإدارية فى الغرب وموقع كبريت فى الشرق هى استخدام العربات حتى الشاطئ الغربى للبحيرة ثم عبورها باستخدام القوارب المطاطية، وطلب «عبدالتواب» أيضاً كمية كبيرة من الألغام، وأمر بعمل نطاق خارجى غير محدد من الألغام حول نطاق الألغام الإسرائيلى الذى كان يحيط بالموقع، وكان لهذا الحقل من الألغام الذى بلغ عمقه حوالى 300 متر فائدة كبرى، حينما حاولت إسرائيل استعادة هذا الموقع الذى ظل «شوكة فى ضهرهم» لفترة طويلة.

■ وأين كنت خلال تلك المعارك؟

- كنت موجوداً فى قيادة الجيش الثالث فى تلك اللحظة، وصدرت أوامر لى بأن تتحرك «المفرزة» فى اتجاه «نقطة كبريت»، وقادها «عبدالتواب»، ولكن العدو لم يتركه أثناء التحرك ليغير عليه بالطائرات ليعطل تقدمه، ولكنه استمر، واستولى على النقطة بعد فرار كل الموجودين بها من الإسرائيليين، وذلك بعد صدور تعليمات لهم بذلك، حين شعروا بأن الدبابات المصرية قريبة منهم، وهو ما يظهر أن هذا العدو فى منتهى الجبن.

■ وهل اشتركت ميدانياً فى القتال أم بالتوجيه عن بعد فقط؟

- صدر أمر من الفريق عبدالمنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميدانى، لى بعد ظهر يوم 13 أكتوبر، بالانتقال لنقطة كبريت لقيادة القوات الموجودة فى تلك النقطة، وانتقلت بالفعل لمقر قيادة الفرقة السابعة مشاة الموجودة بالشرق، وهى أقرب وحدة لـ«كبريت»، ومن أول يوم 13 أكتوبر نظمت الدفاع وإجراءات تلك النقطة، وكان معى المقدم إبراهيم عبدالتواب، وحينها خرجنا من تبعية الجيش الثالث الميدانى بشكل مباشر، لأكون تحت قيادة العميد أركان حرب حينها، أحمد بدوى، قائد الفرقة السابعة مشاة، وسحبت من موقع «كبريت» 10 عربات مدرعة «توباز» بسائقيها لتنضم للفرقة السابعة مشاة، ونُقلت المفرزة الأخرى لمطار كبريت «غرب البحيرة» للدفاع عنه.

■ وكيف كان «موقع كبريت»؟

- كان الموقع باعتباره حصناً إسرائيلياً سابقاً من حصون خط بارليف يضم «نقطة قوية حصينة»، كانت تقع فى الجنوب الغربى من الموقع على مقربة من البحيرات المرة، وكانت هذه النقطة القوية تتكون من عدة طوابق تغوص فى باطن الأرض، وتعلو حتى تصل قمة الساتر الترابى، وكانت تضم عدة دشم قوية، وملاجئ للمبيت، وكانت كل دشمة مجهزة بعدة فتحات فى اتجاه الغرب لاستخدام أسلحة الضرب ضد أى هجوم مصرى، لأن الهجوم كان متوقعاً فى هذه الناحية، وجميع تلك الدشم كانت تتصل ببعضها عن طريق خنادق مواصلات عميقة مبطنة بألواح من الصلب وشكاير من الرمل، ومصممة لكى تتحمل القصف الجوى أو البرى الثقيل حتى قنابل زنة 1000 رطل.

■ وماذا جرى بعد ذلك؟

- خصصت الدشمة الرئيسية فى هذه النقطة القوية لإقامة «قيادة اللواء»، وخصصت بعض الدشم الفرعية كمخازن لتعيينات الطعام والمياه الاحتياطية، كما أمرت بتحويل أحد الملاجئ داخل النقطة القوية إلى نقطة طبية ليقيم فيها المرضى والجرحى الذين كان طبيب المفرزة يشرف على علاجهم، وفى شرق الموقع كانت توجد عدة دشم صغيرة أعدها الإسرائيليون عند بناء الحصن لاستخدامها فى صد أى هجوم مصرى من ناحية الشرق عن طريق أى متسللين من هذا الاتجاه، واستفدنا بها عبر احتلالها بثلاث سرايا لصد أى هجوم إسرائيلى من ناحية الشرق، فيما أن الموقع فى شماله كانت توجد به خنادق مواصلات عميقة متصلة، وجرى وضع الدبابات العشر ذات المدفع القوى فى هذا الاتجاه لإخفاء هياكلها، وإبراز أبراج المدافع منها فقط ليكون موقعاً حصيناً يمكنها من قذف قوات العدو حال قدومها للهجوم علينا.

■ وهل ترككم العدو فى نقطة كبريت دون أن يتعرض لكم؟

- يوما 18، و19 أكتوبر بدأت غارات جوية على موقع كبريت بعنف، بمعدل كل 5 دقائق غارة على الموقع، واستغللنا الدشمة للموقع العسكرى، فيها مركز قيادة وُجدت به، ثم دشم كثيرة جداً، واحتللناها، وكدسنا تعيينات المياه، والطعام، وأقمنا نقاط جوية، وكان غرض الهجوم الرئيسى إضعاف الروح المعنوية للموجودين بالنقطة حتى لا نكون شوكة فى ضهر العدو لأننا ننظم دوريات، ونقوم بأعمال مختلفة.

ويوم 20 أكتوبر حاول العدو أن يخترق الموقع بواسطة سرية دبابات لتغرس فى حقل الألغام الذى نظمناه، وتكبد خسائر كثيرة جداً، ويوم 21 أكتوبر بدأ هجوم ثان بالطائرات ثم المدفعية ثم هجوم بالدبابات، واستخدم كل الوسائل حتى يستطيع القضاء على تلك النقطة.

يوم 22 أكتوبر استمر القصف، ووجدنا سيارة جيب، فاشتبكنا معها، وانقلبت العربة، وأسرنا ضابطين، وفرداً إسرائيلياً كانوا بها، وكانت أول مرة فى حياتى أمسك إسرائيلياً، وأتكلم مع عدو مباشرة، وحين كان القصف الجوى يتم علينا، كنا نقف، ولكنهم «كانوا بيستخبوا تحت الطرابيزة خوفاً من القصف»، وقلت له: «ده انت ضابط.. بتخاف من الضرب»؛ فالمقاتل الإسرائيلى داخل الدبابة أو الطائرة يكون مثل الوحش، ولكن طلعه منها تجده «فار»، وسألته «الأرض اللى واقف عليها أرض مين؟!»، ماردش، وكنت أريد أن أقول له إنكم واقفون على أرض مصرية، ثم جرى إرسالهم لقواتنا حتى يتم استجوابهم؛ فيمكن أن يقولوا معلومة نستفيد بها فى القتال.

■ وماذا حدث معكم بعدها؟

- أقام العدو حصاراً فعلياً لموقعنا، منذ صباح يوم 22 أكتوبر، وما يستحق الانتباه أن الحصار لموقعنا بدأ فى نفس توقيت قرار مجلس الأمن رقم 338، وهو أول قرار للمجلس بوقف إطلاق النار، أى إن هذا الحصار قد جرى فى ظل ثلاثة قرارات متتالية أصدرها مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وتأكيده، وهى القرارات رقم 338 فى 22 أكتوبر، ورقم 339 فى 23 أكتوبر، ورقم 370 فى 25 أكتوبر.

■ وما كانت نوعية الطائرات التى هاجمكم بها العدو أثناء الحصار؟

- كانت طائرات إسرائيلية من طراز «فانتوم»، و«سكاى هوك»، وكانت هجماتهم جوية مركزة، وكانت تسقط قنابل زنة ألف رطل على دشم النقطة القوية بكثافة شديدة توحى بمدى تصميمها على هدمها وتقويض أركانها.

■ وهل كان هناك هجوم برى عليكم؟

- حاولت سرية من دبابات العدو اختراق الدفاعات الأمامية لموقع كبريت من اتجاه الشرق، وأصدرت أوامرى بصد الهجوم؛ فتصدت لها الأسلحة المضادة للدبابات، وتمكنت سرية المقذوفات الصاروخية الموجهة (مالوتكا) من تدمير بعضها على مسافة بعيدة عن الموقع، وعندما استعدت الدبابات الإسرائيلية لاقتحام الموقع، تورطت داخل حقل ألغام خارجى الذى تمت إقامته، والذى كان الإسرائيليون يجهلون وجوده، وانفجرت ثلاث دبابات داخل الحقل بالقرب من الدفاعات المصرية وبادرت الدبابات الباقية بالانسحاب فى اتجاه الشرق.

■ ولكن ما قصة إصابتك فى الحرب؟

- أثناء وجودى بالحفرة البرميلية، وقصف النقطة جاءت لى شظية من قنبلة عنقودية انفجرت بالموقع، وقطعت الشظية عصب صباع يدى، وأحدثت إصابة كبيرة، وقلت لضابط استطلاع إنى أُصبت؛ فأخرج لى الشظية بـ«سنانه»، وربطها برباط ميدانى، ولم يعد معنا اتصال لاسلكى، أو طبيب أو أكل أو شرب، لنصبح منعزلين عن العالم.

ولم يعد الطيران يستهدفنا، ولكن قوات مدفعية، وكان كل نصف ساعة يتم ضربنا بمدفعية«الهاوتزر»، وفى يوم 24 أكتوبر بدأنا إرسال دوريات حتى تتصل مع قواتنا، وتخبرهم أننا موجودون على قيد الحياة حتى يصل إلينا دعمهم.

■ وماذا حدث بعدها؟

- جاءت دورية فى الفرقة السابعة يوم 27 أكتوبر، من اللواء بدوى، قال أقدر لك بسالتك، حافظ على النقطة لآخر طلقة، وآخر رجل، وبدأنا فى إعادة تنظيم أنفسنا، وإرسال الجرحى للفرقة السابعة، وظلت يدى مصابة وورمت، وكان العقيد إبراهيم عبدالتواب موجوداً، وأوكلت له الموقع، وذهبت للفرقة السابعة، وبلغ قائد الفرقة، وهو المشير أحمد بدوى، وكان برتبة لواء وقتها، وقال إنه طالب الذهاب للنقطة الطبية، وقال الدكتور إن الجرح بسيط، ولم يكن له أشعة أو خلافه، وسأل «بدوى» الدكتور، وقال إن «الجرح بسيط قوى»، وأخذت العلاج لنحو 10 أيام أخرى، وكلفت بعمل دوريات لعمل العساكر تعيينات، ومياه لنقطة كبريت، واكتشفها العدو، وبدأ يقطع الطريق، ثم لجأنا لاستخدام القناة، وكنت أنسق ذلك مع عساكرى أثناء إصابتى، ثم تم اكتشاف هذه الطريقة، وكانت رحلات الدعم للنقطة هى «رحلات الموت»، وكان يجب أن تصل تعيينات المياه لتلك النقطة، ولم ينجح علاجى بالنقطة الطبية، وقال الدكتور إن «دراعك فيه حاجة غلط» ثم ذهبت لمستشفى السويس العسكرى، وحينما ذهبت اتعمل أشعة، وظهر قطع عصب إصبع، وكسر فى عظمة «الزند»، ثم أُرسلت لمستشفى المعادى العسكرى، وظللت أعالج لمدة 6 أشهر هناك.


مواضيع متعلقة