3 ملايين طن تهرب من «السحابة السوداء» وتهدد خصوبة التربة

كتب: نادية الدكرورى

3 ملايين طن تهرب من «السحابة السوداء» وتهدد خصوبة التربة

3 ملايين طن تهرب من «السحابة السوداء» وتهدد خصوبة التربة

 

رغم تباهى وزارة البيئة باختفاء «كابوس السحابة السوداء» بعد السيطرة المحدودة على حرق مخلَّفات الأرز، لكن تخوف المزارعين لم يمنعهم من تخزين نحو 3 ملايين و600 ألف طن من «القش» سنوياً، بحسب إحصاءات الوزارة، فى ظل ضعف الاستفادة من هذه الكميات التى يصفها خبراء الاقتصاد بـ«الثروة» ويصفها خبراء البيئة بـ«الكارثة»، إذ حذرت دراسة حديثة لجهاز شئون البيئة من خطورة ضعف التخلص من قش الأرز، لتأثيره السلبى على خواص التربة الطبيعية والكيماوية مثل التهوية ومستوى الرطوبة، وخفض المحتوى الميكروبى فى الطبقة السطحية للتربة.

وطبقاً للدراسات التى أُجريت بالمراكز البحثية بوزارة الزراعة والجامعات والإحصائيات المتاحة فإن قيمة محتويات المخلَّفات الزراعية من المكونات العضوية والمعدنية تعادل 3 مليارات جنيه، يمكن تفصيلها بأن نسبة المكونات العضوية تساوى 50%، أى نحو 18 مليون طن بقيمة 1800 مليون جنيه.

وتشير معظم الدراسات إلى أن مصر تحتاج سنوياً إلى ما يزيد على 350 مليون متر مكعب من الأسمدة العضوية نتيجة التوسع الأفقى فى الأراضى المستصلَحة، وهى الاستفادة الرئيسية من إعادة تدوير القش بتحويله إلى سماد عضوى، وتعد مصر من الدول الفقيرة فيما يسمى بـ«طاقة الكتلة الحيوية» التى تحوى الأشجار والغابات والمخلَّفات النباتية، وضعف الاستفادة من المخلَّفات الزراعية، بما فيها قش الأرز، يعد إهداراً لطاقة متجددة، بخاصة أن كل طن محصول ينتج عنه من 5 إلى 6 أطنان من المخلَّفات، وهى بالأساس منجم لمواد عضوية بنسبة 50%.

وقال الدكتور أحمد فرغلى، أستاذ التكاليف البيئية وعميد كلية التجارة الأسبق بجامعة القاهرة، إن تعظيم الاستفادة الاقتصادية من قش الأرز يبدأ بحصر شامل للمساحات الزراعية التى تنتج عنها المخلَّفات الزراعية، وحصر لكمية القش. وأضاف «فرغلى» لـ«الوطن» أن «الاستفادة من قش الأرز سواء لتصنيع الخشب الحبيبى أو السماد العضوى تأتى بعد التعاقد مع المصانع قبل جمع المخلَّفات، على أن تلتزم المصانع بنقل القش من المزارع».

وطرح أستاذ «التكاليف البيئية» مقترحاً بديلاً فى حال تعثر التعاقد مع مصانع إعادة تدوير قش الأرز لنقله من المزارع، بأن تكون هناك مخازن مركزية للمخلَّفات يُسحب منها قش الأرز بحسب حاجة المصانع فى كل محافظة، ما يحوّل القش إلى مخلَّفات لها قيمة اقتصادية.

ولفت «فرغلى» إلى أن مصر تفتقر لنظام نقل مخلَّفات قش الأرز، أو إعادة تدويره وتسويقه، وهى مهام مسئول عنها جهاز شئون البيئة بالتعاون مع وزارة الزراعة، مشيراً إلى أنه رغم وجود استراتيجية قومية للاستفادة من هذه المخلَّفات، فإنها تحتاج للتفعيل، كما توجد دراسات جدوى للاستفادة من مخلَّفات القش تحتاج للتطبيق.

ويحوى التركيب الكيماوى لقش الأرز 34% من السيليوز، و27% من الهيموسيليوز، و10% من اللجنين، و2% من البروتين الخام، و16% من الرماد، و23% من معامل الهضم، وبعض هذه المخلَّفات يُستخدم كوقود، والبعض الآخر يدخل فى بعض الصناعات وتغذية الحيوانات.

وتشير أبحاث وزارة البيئة لطرق التعامل مع قش الأرز فى بعض دول العالم، فمصر تعمل على حرق المخلَّفات، وإنتاج كميات من العلف وزراعة عيش الغراب، ووقود للمنازل وتغطية أسطح، بينما تعمل دولة كوريا على كمر قش الأرز، وإنتاج علف للحيوانات وتغطية الأسطح، فيما تعتمد «تايوان والصين وباكستان والهند» على حرق قش الأرز، إلا أنها تعمل بالتوازى على استخدام الكمر وإنتاج علف للحيوانات وزراعة عيش الغراب وتغطية الأسطح وصناعة لب الورق.

وتساءلت الدكتورة نادية الطيب، رئيس قسم تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث سابقاً، عن سبب تجاهل الدولة لاستغلال قش الأرز داخل المزارع باستخدام نظام «الكومة»، الذى تتبعه دول العالم، من خلال عزل الفطر وتغطية «كوم القش» لتخمير قش الأرز وتحويله لسماد عضوى فى الأرض الزراعية؟! وأضافت «نادية» لـ«الوطن» أن نظام «الكومة» أو التخمير فى الأرض الزراعية بديل عن نقل قش الأرز، بخاصة أن المزارع يواجه مشكلة مع نقل القش لارتفاع تكلفة عمليات النقل.

«بقالنا 25 سنة بنتكلم عن الاستفادة من قش الأرز، وده عيب»، قالها بانفعال الدكتور حسن أبوبكر، أستاذ الزراعة البيولوجية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، متسائلاً عن سبب الإصرار على تجاهل الأزمات، فى ظل توافر تكنولوجيا الاستفادة من قش الأرز على مستوى العالم، مضيفاً: ما زلنا نتحدث عن سبب تجاهل الاستفادة من ملايين الأطنان من قش الأرز سنوياً.

وتحدد تقارير وزارة البيئة استخدامات قش الأرز فى عمل المكمورات للحصول على سماد عضوى صناعى، وإنتاج البيوجاز للحصول على سماد عضوى وطاقة، وعلف غير تقليدى للمواشى بإضافة اليوريا والحقن بالأمونيا، وإنبات بذور الشعير على قش الأرز واستخدامه كعلف أخضر وجاف للمواشى، ويستخدم فى إنتاج عيش الغراب، وفى مزارع الدواجن لفرش أرضية المزرعة، وكبس القش لبيعه لمصانع الورق ومصانع الطوب.

وتستخدم «السرسة» الناتجة من مضارب الأرز فى صناعة الأعلاف المُركزة للحيوانات وفى صناعة طوب البناء، واستخدام قش الأرز فى صناعة الأثاث والموبيليا، واستخدام بالات القش فى بناء المساكن.

وحددت تقارير «البيئة» كذلك المواصفات القياسية لقش الأرز الجيد، على أن يكون ناتجاً عن محصول نفس العام، وأن يكون نظيفاً خالياً من العفن، ويشترط ألا تزيد نسبة الرطوبة به على 12%، والمواد الغريبة على 4%.

واشترط قرار الوزارة رقم «554» لعام 1984 بأنه فى حالة كبس الأتبان وقش الأرز والدريس فى بالات فإنه يستخدم فى حزمها ألياف نباتية أو صناعية، ويحظر استخدام السلك لهذا الغرض لما يصدر عنه من الإضرار بالحيوانات فى حالة تقصفه، واختلاط أجزاء منه بالعليقة.

خبير تكاليف بيئية: الاستفادة من القش بالتعاقد مع المصانع قبل الجمع أو بإنشاء مخازن مركزية وخبير تلوث: العالم يحوله إلى سماد.. والمزارع يواجه مشكلة مع نقل القش لارتفاع التكلفة


مواضيع متعلقة