أمين إسكندر يرد على مذكرات رفعت السعيد فى «الوطن»

كتب: الوطن

أمين إسكندر يرد على مذكرات رفعت السعيد فى «الوطن»

أمين إسكندر يرد على مذكرات رفعت السعيد فى «الوطن»

تعوّد الدكتور رفعت السعيد فيما يكتبه من «تأريخ» أن يصوغ سياقات الأحداث حسبما يريد، حاذفاً منها بعض الوقائع، ومقدماً أو مؤخراً البعض الآخر، ناسباً لنفسه دوراً، وهذا هو بالضبط ما حدث فى استعراضه لواقعة اللقاء الثانى مع الفريق سامى عنان، رئيس أركان القوات المسلحة السابق، المذكورة ضمن حلقات مذكراته المنشورة بـ«الوطن»، ولم تكن تلك رؤيتى وحدى، بل سبقنى لذلك فى روايات أخرى لـ«السعيد» عن تاريخ اليسار المصرى العديد من المؤرخين والكتاب منهم الراحل رؤوف عباس والكاتب والمترجم بشير السباعى. {left_qoute_1}

والدكتور «رفعت» هو مؤسس نظرية «الأسقف المنخفضة» للمعارضة المصرية، وهى رؤية تمنحها سبلاً لينة فى معارضة السلطة، وتخفض سقفها حتى لا تكون جذرية فى صدامها، وبعد أن تبنى هذه تم تعيينه فى مجلس الشورى من قبل المخلوع حسنى مبارك، ومن المعروف أيضاً أنه عندما تم تسريب بعض الأوراق من مباحث أمن الدولة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2011، نشر بعض النشطاء إحدى تلك الأوراق التى تفيد بأن «السعيد» وآخرين ضمن المتعاونين مع الجهاز، وعندما تفكك الاتحاد السوفيتى وخرجت وثائق من جهاز الاستخبارات السوفيتى «كى جى بى» تم الكشف أيضاً عن أن «السعيد» كان عميلاً للجهاز، ورغم معرفتى بأن هذه الأوراق والوثائق قد تكون مزيفة، فإن السؤال الأهم سيظل مطروحاً عن الدور الذى لعبه «السعيد» فى تقليص وتهميش اليسار المصرى، وفى القلب منه حزب التجمع الوحدوى بعدما كان الحزب فى طليعة الرفض والمقاومة ضد كامب ديفيد؟

أما بشأن واقعة اللقاء مع الفريق «عنان» التى ذكرها الدكتور فى ذكرياته، فقد كان معروفاً ومثبتاً أن اللواء عمر سليمان عقد اجتماعات متعددة مع القوى السياسية أثناء ثورة 25 يناير، ووجه لحزب الكرامة عبر رمزه التاريخى حمدين صباحى 3 دعوات متتالية لحضورها، ووقتها عرضنا أمر تلك الدعوات على المكتب السياسى للحزب، ورفضها فى المرات الثلاث، وكانت وجهة نظرنا تنصب على عدم إعطاء السلطة الفرصة لتخترق صفوف القوى الوطنية، ورفعنا رؤية جذرية للتغيير منتمين فيها وبأمانة للجماهير المحتشدة فى الشوارع والميادين تطالب بإسقاط «مبارك» ونظامه، ومن المعروف أيضاً أن الدكتور رفعت كان حاضراً تلك اللقاءات على يسار اللواء عمر سليمان بجوار القيادى الإخوانى سعد الكتاتنى. وبعد خلع «مبارك» نظّم المجلس العسكرى جلسات متعددة بعضها كان مع أفراد وقادة أحزاب وشخصيات عامة فاعلة وأخرى جماعية، وكانت تلك اللقاءات تتم فى وزارة الدفاع المصرية وكنت آنذاك رئيساً منتخباً لحزب الكرامة، وتمت دعوة الحزب وقبلها المكتب السياسى، وعندما دخلت قاعة الاجتماعات لفت انتباهى وجود الشامى على المغربى، وحضور قيادات معروف عنها اتصالاتها الأمنية ووجود شخصيات لها مصداقية، وبعد 10 دقائق من التأخير على الموعد، دخل الفريق سامى عنان ومعه اللواءات محمد العصار وممدوح شاهين وإسماعيل عتمان وآخرون لا أعرفهم، وتقدم الفريق عنان باعتذار عن التأخير قائلاً: «معلش أصل كان عندى الأخ أبومازن وانتم عارفين الفلسطينيين بياكلوا عيش على قضيتهم»، وعندما سمعت تلك العبارة وجدتنى مندفعاً قائلاً له: «هذا كلام كان من الممكن أن يصدر عن الرئيس المخلوع، أما أن يخرج من الذين انحازوا للثورة فغير مقبول»، ولاحظت أن التوتر بدأ يظهر على وجوه كثيرين، ورد الفريق علىّ غاضباً: «أولاً الرئيس مبارك لم يُخلع بل تخلى عن السلطة». عندها قاطعته قائلاً: «إذن لا شرعية لوجودك بيننا»، فرد فوراً: «من عينيك يبان إنك ناصرى»، فقلت له وبسرعة أيضاً «هذه مسألة لا تحتاج لمجهود أو تحليل للوصول إليها، فأنا رئيس حزب ناصرى وفضل عبدالناصر علىّ هو أنى من أبناء الطبقات الفقيرة والآن أنا رئيس حزب وأجلس أمامك، ومن فضل عبدالناصر عليك أنك رئيس أركان الجيش المصرى وتجلس الآن بيننا».

هنا تدخل الدكتور نور فرحات للتهدئة وبادئاً للحديث، ثم طلبت الكلام أكثر من مرة، أثناء الحديث فى ملفى الإعلام والعشوائيات وغيرهما، وبالطبع أثناء مناقشة أزمة الدستور أولاً أم انتخابات البرلمان أولاً، وقضايا أخرى عديدة، فقد ظل الاجتماع منعقداً لمدة تقترب من 6 ساعات، خرجنا بعدها للعشاء وتلقيت ثناء بعض الحاضرين عسكريين ومدنيين على حديثى. تلك هى الواقعة بالضبط لكن ما قصّه وكتبه رفعت السعيد حاول فيه أن يعطى لنفسه دوراً لم يكن قائماً، واصفاً ما قلته بأنه «خطاب ناصرى» وأنا أعترف بذلك لأن مثل هذا الخطاب لا يدين إلا من يختارون الأسقف المنخفضة، وبالطبع حاول «السعيد» أن ينال من المناضل حمدين صباحى، فهو لا يترك مناسبة إلا ويعمل على النيل منه، لكن أهل مصر وأهل اليسار يعلمون من هو حمدين صباحى ومن أى معدن يكون، ويتعاملون مع تلك الأقوال الباهتة وفق الآية التى تقول «فأما الزَّبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض».

وأخيراً نأتى لقضية رفعت السعيد الأثيرة التى يزايد بها على بعض رفاقة من قيادات التجمع، وهى «العلاقة مع الإخوان المسلمين» فمن المعروف أن حركة «كفاية» بدأت بـ6 قيادات ذات مشارب فكرية وسياسية مختلفة وهم «جورج إسحق، أبوالعلا ماضى، أحمد بهاء الدين شعبان، أمين إسكندر، محمد سعيد إدريس، د. سيد عبدالستار من قيادات الإخوان ونقيب العلميين وقتها»، وكان اجتماعنا فى حزب الكرامة، وفى الوثيقة التأسيسية للحركة اجتهدنا فيما سميناه بـ«بناء كتلة وطنية جامعة على أرضية مشروع عبدالناصر الوطنى من استقلال وعدالة اجتماعية ووحدة عربية» وكانت حركة كفاية أول تجربة على هذا الطريق، لذلك عندما قامت ثورة يناير 2011 وشاركت فيها جميع القوى وكان من بينها «الإخوان» رغم مشاركتها المتأخرة، ارتأينا فى «الكرامة» أن نضع أيدينا مع جميع القوى لبناء «برلمان الثورة» وبالفعل تشكل تحالف ضم نحو 31 حزباً وحركة إلا أن كثيرين انسحبوا وبالذات بعدما تبين لهم محاولة هيمنة حركة الإخوان عليه، واستمر «الكرامة» فى التحالف بسبب مرور الوقت من بين أيدينا، وكان منسق التحالف الدكتور وحيد عبدالمجيد. المهم دخل بعض رموز «الكرامة» البرلمان وكنت منهم، ويعلم كل من شارك فى المعركة الانتخابية ما فعلناه فى دوائرنا أثناء الانتخابات وموقفنا المنفصل تماماً عن الإخوان. ويعلم الجميع أيضاً موقفى الواضح منهم والمسجل فى مضابط البرلمان أو فى مقالتى التى كانت تُنشر بانتظام وشكت منها جماعة الإخوان لباقى أعضاء التحالف، وجمهور الإخوان اعتبرنى وكل نواب «الكرامة» خصوماً، ويمكن العودة لكتابى «الثورة والمؤامرة» الصادر عن دار المحروسة ويجمع مقالاتى وكتاباتى أثناء ثورة يناير حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، ويتضمن كل مواقفى مسجلة ومنشورة عن الإخوان والبرلمان وفترة المجلس العسكرى والمخلوع مبارك.

أخيراً، تلك هى الوقائع بمتنها وهوامشها، لعلى أكون قد ساهمت فى كشف الزيف والتزييف.


مواضيع متعلقة