مدير «إف بى آى» المغربى: أجهزة الأمن المصرية «قوية ومتطورة» فى مجال الاستخبارات.. ونتبادل معها المعلومات

كتب: وفاء صندى

مدير «إف بى آى» المغربى: أجهزة الأمن المصرية «قوية ومتطورة» فى مجال الاستخبارات.. ونتبادل معها المعلومات

مدير «إف بى آى» المغربى: أجهزة الأمن المصرية «قوية ومتطورة» فى مجال الاستخبارات.. ونتبادل معها المعلومات

«رجل المهمات الصعبة.. أو قاهر الإرهاب»، كما يحب أن يسميه المتتبعون له، الذين اعتادوا ظهوره ليعلن عن تفكيك خلية إرهابية هنا أو هناك، كانت تستهدف المملكة المغربية.. هو عبدالحق الخيام، المدير السابق للفرقة الوطنية للشرطة القضائية؛ وهى الفرقة الخاصة التى كانت تتكفل بالقضايا المعقدة والحساسة للدولة، والمدير الحالى للمكتب المركزى للأبحاث القضائية، أو ما يطلق عليه «إف بى آى» المغربى، الذى بدأ عمله منذ مارس 2015.

وإذا كان المغرب قد استطاع منذ 2002 إلى اليوم تفكيك ما يقرب من 150 خلية إرهابية واعتقال ما يزيد على 2700 شخص فى قضايا إرهاب، فقد تحدث مدير «إف بى آى» المغربى فى هذا الحوار الخاص بجريدة «الوطن»، عن استراتيجية المغرب فى مواجهة الإرهاب، وأيضاً استراتيجية الإرهاب تجاه المملكة المغربية، مؤكداً أن المغرب ظل عصياً على كل مخططاته، وأن يقظة الأجهزة الأمنية المغربية أجهضت كل العمليات الإرهابية التى استهدفت المملكة.

تحدث «الخيام» فى هذا الحوار عن الأعداد الحقيقية للمقاتلين المغاربة فى صفوف التنظيمات الإرهابية المختلفة، رافضاً ما يقال عن أن المغرب بلد مُصدّر للإرهاب، كما تحدث عن تعاون المغرب مع الدول الغربية والعربية فى مواجهة الإرهاب، مشيراً إلى القدرات الرفيعة لأجهزة الاستخبارات المغربية، وإلى أن المغرب أسهم بشكل فعال وأساسى فى إجهاض عدة عمليات إرهابية كانت تستهدف عواصم غربية. واعتبر أن هناك تعاوناً جيداً فيما يتعلق بتبادل المعلومات بين المغرب ومصر، مشيراً إلى أن الأجهزة المصرية من الأجهزة القوية والمتطورة فى مجال الاستخبارات.

{long_qoute_1}

وأكد مدير «إف بى آى» المغربى أن الوضع فى العالم يحتم على جميع الدول تطوير علاقاتها فى المجال الاستخباراتى وتبادل المعلومات والتجارب، معتبراً أنه يجب توحيد التشريعات القانونية المتعلقة بجرائم الإرهاب وجهود جميع الدول للقضاء على هذه «الآفة».. وإلى نص الحوار:

■ منذ أن تم إنشاء المكتب المركزى للأبحاث القضائية منذ سنة ونصف السنة، حقق نجاحات كبيرة فى تفكيك الخلايا الإرهابية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، ما جعل منه محط اهتمام دولى كبير.. كيف تم ذلك؟

- إنشاء المكتب المركزى للأبحاث القضائية جاء ضمن مخطط تطوير الجهاز الأمنى فى المغرب بعد العمليات الإرهابية التى شهدتها المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة، وأيضاً من أجل مواجهة الخطر الإرهابى الذى يحدق بجميع دول المنطقة اليوم، وعلى رأسها المغرب، بحكم موقعه الاستراتيجى، ومنذ أحداث الدار البيضاء فى 2003، حيث إن خطاب جلالة الملك محمد السادس كان واضحاً، ودعا لوضع استراتيجية شاملة ومندمجة متعددة الأبعاد تشمل الجانب الدينى والاجتماعى مع تعزيز الترسانة القانونية وتطويرها بشكل يتلاءم مع الواقع فى إطار حق المواطن فى الأمن واحترام حقوق الإنسان.

■ ماذا كانت خطوات المغرب لمواجهة الجريمة الإرهابية؟

- بعد 2003 وما شهده المغرب من تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية، تبين أن عناصرها تستعمل وثائق رسمية مزورة للإفلات من رقابة الأجهزة الأمنية، ما حدا بالسلطات الأمنية لتغيير بطاقات التعريف الوطنية وجوازات السفر إلى وثائق «بيومترية».

ولمواجهة الخطر الإرهابى، أصدر المشرع المغربى قانون الإرهاب «03/03» الذى فصل جرائم الإرهاب عن باقى الجرائم. بعد ذلك جاءت ضرورة تطوير رجال الأمن وتكوينهم من الناحية القانونية والتقنية وتطوير آليات عملهم، فظهر فى المغرب ما يعرف أولاً بـ«شرطة القرب»، وبقى مسلسل الإصلاحات مستمراً حتى ظهرت مؤخراً فرق «حذر»، وهى فرق أمنية مشكلة من رجال الأمن ورجال القوات المسلحة الملكية، وهدفها حماية المواطن والمؤسسات العمومية والأماكن العامة.. إلخ.

بعد هذه الخطوات اتضح ضرورة إنشاء جهاز يختص فقط بمواجهة الخطر الإرهابى والجريمة العابرة للقارات، وارتأى المشرع المغربى أن تفكيك جميع الخلايا الإرهابية الذى تم بعد عملية الدار البيضاء كان بناءً على معلومات توفرها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى لصالح الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التى كنت أعمل على رأسها، وبالتالى كانت جميع تحركات هذه الفرقة تتم بطريقة ناجعة، لأن المعلومة كانت تأتى مباشرة من المديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى. من هنا لاحظ المشرع أن هذه المديرية كان لها دور أساسى فى إجهاض عدة مخططات إرهابية كانت تستهدف المملكة وعدة جرائم عابرة للقارات، فارتأى أن يمنح للعاملين بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى الصفة الضبطية، وصدر قرار مشترك بين وزيرى الداخلية والعدل والحريات من أجل إنشاء هذا المكتب الذى يعتبر الذراع القضائية للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطنى.

{left_qoute_1}

■ صار واضحاً الهدف من إنشاء هذا المكتب، لكن ما الهدف وراء الإعلان عنه بهذه الصورة الإعلامية الواضحة، خصوصاً أن المواطن العربى أو الغربى أيضاً، تعود على سرية عمل أجهزة الاستخبارات؟

- الأعمال الاستخباراتية لا تزال تمارسها مديرية مراقبة التراب الوطنى فى إطار سرى حتى تنضج المعلومة وتصبح مستعدة للدخول فى قالبها القضائى وبعدها فقط يتم تحويلها إلى المكتب المركزى. والمكتب المركزى، بدوره، يقوم بإبلاغ هذه المعلومة إلى الرأى العام، لأنه، أولاً، الحق فى الوصول إلى المعلومة حق دستورى. وثانياً، لأنه من حق جميع المواطنين معرفة ما يواجهه المغرب من مخاطر. وخروج هذا المكتب المركزى إعلامياً إلى الوجود يهدف بالدرجة الأولى إلى إشعار المواطن بالمخاطر التى يواجهها المغرب بحكم موقعه الاستراتيجى؛ فهناك منطقة الساحل وجنوب الصحراء حيث تنشط عدة جماعات إرهابية، وأيضاً بعد ما تلا أحداث «الربيع العربى» من تقلبات جعلت الوضع الأمنى فى المنطقة هشاً، وبالتالى أكثر خطراً على المغرب. من هنا كان من المفروض أن يعلم المغاربة حجم الخطر المحدق بوطنهم، وكان لا بد من إشراك المواطن المغربى فى عملية التتبع هذه كنوع من التوعية الاستباقية، وأيضاً من أجل الانخراط فى عملية المساهمة والحفاظ على أمن المغرب الذى هو مسئولية الجميع.

■ منذ 2002 إلى اليوم تم تفكيك ما يقرب من 150 خلية إرهابية فى المغرب، وتم اعتقال ما يزيد على 2700 شخص فى قضايا إرهاب.. ماهى برأيكم أسباب تنامى الخلايا الإرهابية بهذا الشكل المقلق، خصوصاً فى السنوات الخمس الأخيرة؟

- قوة المغرب فى محاربة الإرهاب تكمن فى إجهاض جميع المحاولات التى تستهدف المساس بأمن المملكة. هذه هى الاستراتيجية الاستباقية التى ينتهجها المغرب، وهى الاستراتيجية التى وضعت لها قوانين حتى تشتغل السلطات الأمنية تحت مظلتها، وحتى تتم مواجهة الشباب الذى يلتحق بالتنظيمات الإرهابية من أجل تلقى تدريبات أو تعليمات بالقانون أيضاً.

أما فيما يتعلق بتنامى الظاهرة الإرهابية فيجب وضعه فى الإطار العام الذى يعيشه العالم العربى والعالم بصفة عامة. كانت البداية مع القاعدة التى استغلت وضعاً قائماً فى أفغانستان، فتم التحاق مقاتلين فى إطار ما يسمى «الجهاد» حيث قاموا بتشكيل خلايا. وبعد استهداف الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر وما تلاه من أحداث، عادت تلك الخلايا إلى بلدانها الأصلية حيث بدأت تشكل خطراً عليها. بعد ذلك جاءت أحداث الربيع العربى، وكلنا يعلم أن التنظيمات الإرهابية تستغل الأوضاع التى تكون مخلخلة داخل الدول، ففى العراق، مثلا، تم استغلال الوضع الأمنى الهش والتطاحن الطائفى بين السنة والشيعة مما أدى إلى إنشاء تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق»، وجبهة النصرة وجماعات أخرى تنشط فى المنطقة. وفى سوريا، استغلت «داعش» هذا الوضع المأزوم وجعلت لها موطئ قدم فى سوريا وخلقت لها ولايات داخلها، ثم بدأت تفكر فى خلق ولايات أخرى فى دول عربية أخرى، ونجحت فعلاً فى اختراق ليبيا مستغلة فى ذلك سقوط نظام القذافى وتناحر الفرقاء الليبيين.

{long_qoute_2}

■ عندما نتحدث عن رغبة «داعش» فى التمدد الجغرافى، فنحن نتحدث فى المقابل عن العدد الكبير للمقاتلين المغاربة الملتحقين سواء بـ«داعش» أو بباقى التنظيمات الجهادية (والمغرب يحتل المرتبة الرابعة بعد تونس والسعودية والأردن).

- أريد هنا، بداية، أن أصحح مسألة أساسية، حيث يقال دائماً إن الشباب المغربى هو الأكثر التحاقاً بصفوف التنظيمات الإرهابية، وما أريد قوله هو أن السلطات المغربية لم تلتزم أبداً الصمت أو السرية فى إعطاء الأرقام الصحيحة بخصوص هذه الأعداد. الموقف المغربى كان دائماً واضحاً ويقول الأرقام الحقيقية دون أدنى تحفظ، وعدد الملتحقين المغاربة بمختلف التنظيمات هو 1609 أشخاص. لكن، للأسف الشديد، عدة دول تتحفظ على ذكر الأرقام الخاصة بها، مما يظهر أن عدد الملتحقين المغاربة أكبر، لكن إذا اظهرت باقى البلدان حقيقة الأرقام لديها فسوف يتبين أن نسبة المغاربة قليلة بالمقارنة، لعدة أسباب أهمها وجود مؤسسة إمارة المؤمنين ونظام البيعة الذى وحد جميع المغاربة منذ عقود. وأيضا حالة التعايش السلمى الذى يعيشه المغاربة بمختلف دياناتهم الإسلامية واليهودية والمسيحية. هذا بالإضافة إلى ما نهجه المغرب من سياسات استباقية وتشريعات قانونية، والعمل الجبار الذى تم فى مجال إصلاح الحقل الدينى من أجل نشر تعاليم الإسلام الوسطية الحقة وتصحيح الأفكار المغلوطة عن تعاليم الدين الإسلامى، والتى لا تصل إلى الكراهية والقتل خلاف ما يعتقده معتنقو فكر «داعش» وباقى المنظمات الإرهابية التى لا تميز بين الجهاد فى سبيل الله والأيديولوجيات التى تتبعها هذه الجماعات. ومع كل هذه المجهودات يجب الاعتراف بأن «داعش»، للأسف، استغلت الطفرة الإعلامية الحالية، واستطاعت أن توظف الإعلام، وهذه نقطة قوتها، فى استقطاب شباب يحمل فى مجمله تكويناً دينياً بسيطاً.

{left_qoute_2}

■ أغلب التفجيرات التى شهدتها أوروبا مؤخراً غالباً ما نجد بين المنفذين أو العقول المدبرة لها أوروبيين من أصول مغربية.. بماذا تفسر هذه الظاهرة؟

عندما نتحدث عن المتورطين سواء فى تفجيرات فرنسا أو بلجيكا، أو إسبانيا فى وقت سابق، فيجب أن نوضح شيئاً مهماً، هو أن الجنسية المغربية تتوافر فقط لدى آباء وأمهات المتورطين فى هذه العمليات، أما المعنيون فهم أبناء هذه الدول، ازدادوا وتربوا وتعلموا وتكونوا داخل مجتمعات أوروبية وحملوا جنسياتها، وبالتالى فهم تبنوا الفكر المتطرف داخل المجتمعات التى ترعرعوا فيها ولا دخل للمغرب الذى ربما لم يقوموا بزيارته ولا مرة فى حياتهم، فى تكوين فكرهم ولا أفكارهم المتطرفة، ومع ذلك دائماً أقول إن الإرهاب والتطرف لا دين لهما ولا وطن.

■ ومع ذلك هناك من يشير بأصابع الاتهام لكون المغرب بلداً مصدراً للإرهاب.. ما تعليقك على ذلك؟

- أستغرب لمن يردد هذا الكلام، وأتساءل كيف لمن قضى حياته كلها داخل مجتمع أوروبى وعاش حياته بالطول والعرض وبعد ذلك انتقل من النقيض إلى النقيض وتحول بين عشية وضحاها من قمة الانحلال إلى قمة التطرف، فهل للمغرب دخل بهذا التحول؟ السؤال المفروض طرحه على الدول الأوروبية هو لماذا تطرف هذا الشباب عندكم؟ وأنا هنا لا أوجه أصابع الاتهام إلى هذه الدول، لكن أقول لها فقط إنه لا يجب أن تستمر فى سياسة الإقصاء، بل يجب التعامل مع الجيل الثانى من المهاجرين كمواطنين متساوى الحقوق مع المواطنين الأصليين ويجب الاعتناء بهم وإدماجهم داخل المجتمع حتى لا يكونوا ضحية ولقمة سهلة فى يد التنظيمات الإرهابية.

{left_qoute_3}

والشىء الأكيد أن المغرب يحارب الإرهاب، والمغرب كان له الدور المهم فى إجهاض العديد من العمليات الإرهابية فى العديد من الدول الأوروبية من بينها بلجيكا وفرنسا والدنمارك وإيطاليا وهولندا وغيرها، وكان دائماً سباقاً فى إعطاء المعلومة فى وقتها. أما الأشخاص الذين تورطوا مؤخراً فى عمليات فرنسا وبلجيكا، فهم إرهابيون أوروبيون، وأرفض تسميتهم إرهابيين مغاربة أو جزائريين أو تونسيين.

■ بالعودة إلى المقاتلين المغاربة فى صفوف داعش أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، كيف يتم التعامل مع العائدين من هؤلاء المقاتلين، خصوصاً التائبين منهم أو ممن أخذ الرحلة إلى هذه التنظيمات من باب المغامرة أو الارتزاق؟

- هناك قانون وضعه المشرع للحد من محاولات الالتحاق بالجماعات الإرهابية. وبالنسبة لى كرجل أمن، أى شخص التحق بسوريا أو ليبيا وتم إثبات أنه ذهب وعاد، حتى وإن كان نادماً على ما قام به، ستتم مساءلته وسيتم تقديمه للعدالة، والعدالة وحدها لها حق النظر فى مصيره. وفى المجمل، المملكة المغربية فى سياستها العامة، فيما يتعلق بالأشخاص المتورطين فى الانضمام لهذه التنظيمات، أو أكثر من ذلك، ممن ثبت تورطهم فى استهداف المملكة، لديها نظام سجون يحتوى على خاصية إعادة إدماج هؤلاء المتهمين/المجرمين من خلال تصحيح أفكارهم. وأذكر هنا ببعض مشايخ السلفية الجهادية ممن تراجعوا عن أفكارهم السابقة وتمت إعادة إدماجهم فى المجتمع المغربى واليوم هم يعيشون حياة طبيعية خارج السجون بعد أن قضوا مدتهم أو صدر عفو ملكى فى حقهم.

■ بعيداً عن التهديدات التى يواجهها المغرب من المغاربة العائدين من أحضان الإرهاب.. المغرب أصبح مستهدفاً أيضاً من طرف الأجانب، حيث تم القبض مؤخراً على مواطن تشادى وآخر إيطالى وآخر فرنسى كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية فى المملكة.. فكيف تواجهون هذا النوع الجديد من المخاطر؟

- إذا عكسنا السؤال سنقول: لماذا غيرت التنظيمات الإرهابية من استراتيجيتها تجاه المملكة المغربية بالتحديد؟ والجواب هو أن الهوية المغربية تختلف عن غيرها، فالخلافة العثمانية لم تصل إلى المغرب، وفرنسا لم تستعمر المغرب لكن فرضت عليه نظام الحماية، الشيوعية أو الاشتراكية أو الرأسمالية لم تدخل إلى المغرب، وكل ذلك لأن المغرب لديه هوية يصعب اختراقها. هذا بالإضافة إلى أن الملكية فى المغرب لديها خاصية مميزة جداً وهى كون الملك هو أمير المؤمنين وهو موحد جميع فئات الشعب المغربى باختلاف دياناتهم. ولمحاولة فهم لماذا هذه الاستماتة فى استهداف التنظيمات الإرهابية للمغرب، فتفكيك 150 خلية إرهابية منذ 2002 هذا يعتبر تحدياً بالنسبة للجماعات الإرهابية التى تظل تطرح سؤالاً واحداً: لماذا لم ننجح فى اختراق المغرب؟ وسوف آخذ مثال داعش باعتباره من يتصدر قائمة الإرهاب حالياً، فـ«داعش» حاولت استقطاب مقاتلين مغاربة وترحيلهم إلى سوريا أو العراق من أجل إخضاعهم لتدريبات ثم أعادتهم إلى المغرب لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية داخل المغرب، لكن يقظة الأجهزة الأمنية المغربية كانت لها الكلمة الأولى وكانت سبّاقة فى تفكيك جميع هذه الخلايا وإفشال مخططاتها. وهذا ما دفع هذه التنظيمات إلى تغيير استراتيجيتها، فبدلاً من أن تجند مقاتلين مغاربة وتقوم بتدريبهم قبل إرجاعهم إلى المغرب، قررت استغلال الخلايا النائمة داخل المملكة من خلال إعطائها تعليماتها عن طريق الإنترنت ثم تزويدها بعد ذلك بالأسلحة لتنفيذ مخططاتها، لكن هذه الاستراتيجية قوبلت أيضاً بتدخل أمنى وتم إجهاض جميع المخططات التى كانت تأخذ هذا المنحى. ومع فشل كل مخططات الجماعات الإرهابية فكرت فى إرسال أجانب إلى المغرب، على أساس أنه يمكن أن ينجحوا فى ما فشل فيه المغاربة. ومن هنا تمكن المواطن التشادى فعلاً من دخول المملكة بصفة قانونية وقام باتصالاته مع أعضاء خليته فى الحدود مع الجزائر، والخلية كانت مكونة من مغاربة وجزائريين ممن قاموا بتمويل الأسلحة والمواد التى كان ينوى تزويدها للخلايا الموجودة فى المغرب من أجل تنفيذ عملياتها، لكن هذه المحاولة باءت أيضاً بالفشل بعدما كشفت يقظة الأجهزة الأمنية عن هذه المخططات.

{long_qoute_3}

■ هل تعتقد أن هناك اتصالاً وتنسيقاً بين مختلف التنظيمات الإرهابية (القاعدة، داعش، بوكو حرام، جبهة النصرة، بيت المقدس وغيرها) أم هناك تقاطع وصراع؟

- لكل واحد من هذه التنظيمات أيديولوجية خاصة به، إنما هذه الجماعات بالنسبة لنا تلتقى فى كونها جميعها إرهابية، وجميعها تشكل خطراً على الدول التى توجد فيها. وكل من يحمل فكراً متطرفاً هو خطر على الجميع ويجب التعامل معه على هذا الأساس وفى إطار القانون.

■ المغرب شريك أساسى على المستوى الدولى فى مكافحة الإرهاب، وله علاقات تعاون وتنسيق قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية حيث ساعد فى تفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية فى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا وهولندا.. ماذا تقول عن أوجه هذا التعاون والتنسيق الأمنى ونتائجه؟

- هذا التزام المملكة المغربية، وقد أدى المغرب مقابل هذا الالتزام فاتورة غالية حين اصطف إلى جانب حلفائه بعد أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان المغرب من الدول الأولى التى التزمت بأنها ستحارب الإرهاب إلى جانب جميع حلفائها، ونتيجة هذا الالتزام تم استهداف المغرب فى 2003 فى أحداث الدار البيضاء، وأصبح أيضاً هدفاً لدى الجماعات الإرهابية.

وتعاوننا مع هذه الدول يتم بشكل جيد، و«علو كعب» الاستخبارات المغربية معروف لدى الجميع، كما أنه معروف أن المغرب أسهم بشكل فعال وأساسى فى إجهاض عدة عمليات إرهابية كانت تستهدف عدة عواصم غربية. مواجهة الخطر الإرهابى فى العالم تحتم على جميع الدول تطوير علاقاتها فى المجال الاستخباراتى، أولاً، ثم تبادل المعلومات وتبادل التجارب ثانياً. وفى المجال القضائى أنا دائماً أقول إنه يجب توحيد التشريعات القانونية المتعلقة بجرائم الإرهاب، وأذكر هنا بأن المغرب له تجربة رائدة فى سن القوانين المتعلقة بالجريمة الإرهابية.

■ ماذا عن مستوى التعاون الأفقى بين دول شمال أفريقيا والساحل وجنوب الصحراء فيما بينهم باعتبار هذه الدول هى خط المواجهة الأول مع الإرهاب؟ وكيف يمكن تكثيف هذا التعاون ليصل إلى مستوى التنسيق الرأسى مع أمريكا وأوروبا؟

- المغرب بلد إسلامى عربى أفريقى بالدرجة الأولى، ولكن هو بوابة لأوروبا ولا يجب أن ننكر هذا، وبالفعل هناك تعاون جيد مع أصدقائنا فى الدول الأوروبية وأمريكا، كما لنا علاقات وتعاون جيد مع عدة دول عربية، ضمنها مصر وتونس وليبيا، وأيضا مع أفريقيا بحكم أن المغرب له سياسته من أجل الدفاع عن الوحدة الأفريقية، وبالتالى التعاون مع هذه الدول يتم بصفة جيدة. فيما يتعلق بالجزائر، فالوضع الراهن يحتم علينا وعليهم أن نتعاون لأننا نقع فى منطقة تجعل منا هدفاً سهلاً لكل التنظيمات الإرهابية، وإذا ما اشتغل كل واحد منا بمفرده دون تبادل المعلومات يسهل اختراقه من طرف التنظيمات الإرهابية الموجودة فى الصحراء ومنطقة الساحل، مع العلم أن المنطق يقول إن هذا التعاون يجب أن يكون أكبر من ذلك، وبالتالى مثلما لا نقبل أن يمس أمن وسلامة المواطن الجزائرى، فالجزائر أيضاً لن تتمنى أن يمس أمن وسلامة المغرب والمواطن المغربى، ونفس الشىء بالنسبة لباقى دول المنطقة، فسلامتها من سلامتنا، وأمنها من أمننا.

■ ما مستوى التعاون بين مصر والمغرب فى هذا المجال وآفاق تطويره فى المستقبل لما يحقق مصلحة البلدين ومواجهة التحديات المشتركة وأبرزها ليبيا والساحل والصحراء؟

- هناك علاقة وتعاون جيد فيما يتعلق بتبادل المعلومات بين المغرب ومصر، والأجهزة المصرية من الأجهزة القوية والمتطورة فى مجال الاستخبارات.

■ هل هناك زيارات متبادلة بينكم وبين الأجهزة الأمنية والقضائية المعنية بالإرهاب فى مصر؟

- ضرورى.. وبيننا اتفاقيات قضائية أيضاً.

■ سؤال أخير، أو ربما هو أمنية نتمنى أن تتحقق.. هل يمكن أن نرى عالماً خالياً من الإرهاب؟ ومتى يتحقق ذلك؟

- هذا فى الحقيقة حلم، لكنه ليس مستحيلاً. فيروس الإرهاب يهدد الإنسانية جمعاء، وإذا توحدت جميع الدول فى محاربتها لهذه الآفة فسيتم بالتأكيد القضاء عليها. ربما ذلك سيستغرق وقتاً، إنما المهمة ليست مستحيلة، وحلمنا جميعاً أن تتحقق حتى تعيش الأجيال التى بعدنا على الأقل بسلام.


مواضيع متعلقة