المزارع السمكية بالشرقية.. ديون بـ«الملايين» وصيادون مهددون بـ«الحبس»

كتب: نظيمة البحراوى

المزارع السمكية بالشرقية.. ديون بـ«الملايين» وصيادون مهددون بـ«الحبس»

المزارع السمكية بالشرقية.. ديون بـ«الملايين» وصيادون مهددون بـ«الحبس»

وسط مساحات شاسعة من الزراعات تنمو آلاف الأطنان من الأسماك فى المزارع السمكية بمختلف مراكز محافظة الشرقية، التى اختار أصحابها طريقاً يبدو صعباً للاستثمار فى المرحلة الحالية، خاصة بعد ارتفاع أسعار الدولار وما تبعه من ارتفاع أسعار الأعلاف وتكلفة العمالة والإيجارات إلى جانب المشكلات المتراكمة منذ سنوات، التى تتعلق بلجوء بعض أصحاب المزارع السمكية لمياه الصرف الصحى واعتمادهم على الحيوانات النافقة لتربية الأسماك ما جعلها مصدراً للأمراض.

{long_qoute_1}

على بعد أكثر من 90 كيلومتراً من مدينة الزقازيق تقع مزارع الأسماك بمناطق «سهل الحسينية» بمنشأة أبوعمر، و«بحر البقر وصان الحجر»، وأمام إحدى المزارع وقف صبحى ربيع عبدالحميد، برفقة نجله، يحملان «أجولة أعلاف»، ويلقيان كميات منها فى المياه، وبسؤاله تبين أنه «علف عائم»، يلقيانه على سطح المياه لتخرج الأسماك إلى السطح تأكله، مشيراً إلى أن هناك نوعاً آخر من العلف يسمى بـ«العلف الغاطس»، لافتاً إلى أن «العلف العائم» أغلى من «الغاطس» ويحتوى على بروتينات أكثر.

«معظم أصحاب المزارع فى سهل الحسينية تعتمد على مياه ترعة السلام، زى ما أنتم شايفين، لا فيه صرف صحى ولا غيره ورائحة المياه طبيعية ولازم الناس تعرف إن مش كل المزارع تستخدم الصرف الصحى»، بتلك الكلمات رد «صبحى» على ما يثار بشأن استخدام المزارع السمكية مياه الصرف الصحى، ثم توقف صاحب الخمسين عاماً عن الحديث وطلب من نجله التوجه لإحضار شبكة صيد ثم شرعا فى تجهيزها، وطلب منه النزول معه لاصطياد بعض الأسماك. لحظات قليلة تمكن خلالها «صبحى» من القبض بيديه على مجموعة أسماك، قائلاً «السمك زى الفل لون وشكل، إحنا بنراعى ربنا فى شغلنا بس المشكلة أننا مهددون بالحبس وبنعافر عشان نستمر، مع أننا مش عارفين هنواجه ارتفاع الأسعار إزاى واحنا كل يوم بنخسر»، لافتاً إلى أنه كان من المقرر صيد السمك من المزرعة وبيعه منذ شهرين، إلا أن عدم استقرار السوق أربك حساباته، خاصة بعد ارتفاع أسعار الأعلاف ومستلزمات الإنتاج.

«رمضان السيد السماحى»، صاحب مزرعة سمكية، روى تفاصيل بداية عمله فى مزارع الأسماك، مشيراً إلى أنه هجر محل إقامته بمحافظة كفر الشيخ منذ 20 عاماً، للإقامة بمنشأة أبوعمر، واستأجر قطعة أرض ليقيم عليها مزارع سمكية، مضيفاً «زمان كان عائد إنتاج المزرعة كويس وكنا بنحقق أرباح أما الآن فجميع أصحاب المزارع يتعرضون لخسائر فادحة ووصل الأمر لتراكم الديون على صاحب المزرعة خاصة خلال العامين الأخيرين»، مرجعاً أسباب تعرضهم للخسارة لارتفاع أسعار الأعلاف وإيجارات الأراضى، وأوضح أن القيمة الإيجارية للفدان منذ 20 عاماً لم تزد على 250 جنيهاً، ارتفعت خلال الفترة الأخيرة ووصلت إلى 7800 جنيه، ووصل سعر طن العلف إلى 850 جنيهاً، بخلاف تكلفة العمالة، حيث كان العامل يتقاضى 250 جنيهاً شهرياً، ووصل الراتب خلال الآونة الأخيرة إلى 2000 جنيه، بخلاف نفقات الماكينات اللازمة لرفع وسحب المياه من المزرعة، وكذلك السولار اللازم لتشغيلها، إضافة للاستعانة بحفار عند تطهير المزرعة بعد تجميع كميات الأسماك وبيعها، ولفت إلى أن الحفار تصل تكلفته فى الساعة الواحدة إلى 80 جنيهاً وتتراوح ساعات العمل ما بين 100 إلى 500 ساعة حسب حجم المزرعة.

{long_qoute_2}

وأشار إلى أن الديون تراكمت عليه بسبب الخسارة ووصلت إلى 2 مليون جنيه، ما يدفعه إلى التفكير فى ترك تلك المهنة وعدم العمل بها ثانية، بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم استقرار أسعار السوق، الأمر الذى يكبده خسائر فادحة. والتقط إبراهيم فرج، أحد العاملين فى مجال الاستزراع السمكى، طرف الحديث قائلاً: «الفدان الواحد يحتاج إلى 2 طن علف بتكلفة 12 ألف جنيه والإنتاج يباع بـ6 أو 7 آلاف جنيه، يعنى الإنتاج لا يغطى سعر العلف، علاوة على أن الحكومة فرضت علينا ضرائب على الأرض تتراوح بين 300 إلى 400 جنيه للفدان، و300 جنيه غرامات استخدام المياه العذبة»، موضحاً أن غالبية أصحاب المزارع فى سهل الحسينية يستخدمون مياه ترعة السلام العذبة لتربية الأسماك حتى لا يلجأوا لمياه الصرف الصحى أو الزراعى، لافتا إلى أن ذلك يعرضهم لفرض غرامات مالية عليهم، إضافة إلى منعهم من استخدام تلك المياه خلال شهرى مايو ويونيو فى موسم زراعة الأرز، لافتاً إلى أنهم فى تلك الحالة يضطرون لإيقاف العمل بالمزرعة والاكتفاء بإطعام الأسماك بكميات قليلة من العلف، ما يؤدى لصغر حجم الأسماك ثم يعاودون استئناف إطعام الأسماك مرة أخرى.

وأضاف أنه يمتلك وإخوته الخمسة مزرعة 20 ألف فدان، ورغم ذلك تراكمت عليهم الديون لدى التجار ومصانع الأعلاف ووصلت إلى 90 ألف جنيه فى عام واحد، مشيراً إلى أنهم قرروا الاكتفاء بموسم واحد فى السنة بدلاً من زراعة الأسماك لموسمين، ومضى قائلاً: «الأعلاف سعرها زاد وكل حاجة زادت وسعر السمك لم يرتفع كثيراً مقارنة بزيادة أسعار تكلفة إنتاجه، يعنى أنا لو كنت ببيع السمك من عدة سنوات بـ6 جنيهات أو 8 جنيهات، ببيعه بنفس السعر لأن احنا بيحكمنا السوق».

وأشار جمال السيد إلى أنه يتم تصريف الإنتاج بسوق طارق بن زياد بمنشأة أبوعمر، حيث يتم بيعه لتجار الجملة بسعر 6 أو 8 جنيهات للكيلو، ويضطر أصحاب المزارع للسفر إلى سوق العبور، ويستغل التجار الأمر بشراء الأسماك بأسعار أقل من السوق، فيما تباع الأسماك بأسعار مضاعفة للمستهلك ليربح التاجر على حساب أصحاب المزارع السمكية والمواطن، وقال صاحب مزرعة، رفض ذكر اسمه، «احنا عاوزين يجيبولنا الأعلاف بأسعار مناسبة أو يعملوا مصانع لإنتاج الأعلاف بدل ما بيتم استيرادها ويتحكم التجار فى أسعارها، لو الدولة وفرت لنا الأعلاف بسعر مناسب احنا هانبيع بأسعار أقل، عاوزين حل لمشاكلنا لأن كلنا معرضين للسجن عاوزين الدولة تقف معانا مش الجيش يتحول لمنافس فى السوق».

وفى بحر البقر تنبعث رائحة كريهة فى المناطق التى تنتشر بها المزارع السمكية، حيث تتدفق مياه الصرف المختلطة بالصرف الزراعى فى قلب المزارع، وهو ما برره «محمد. س»، صاحب إحدى المزارع باضطرارهم لاستخدام مياه الصرف الصحى لعدم وجود بديل، مضيفاً «طالبنا الحكومة كتير توفر لنا مياه عذبة، دون جدوى، وكل فترة بيحرروا لنا محاضر وبندفع غرامات كما يتم تحرير محاضر فى حالة استخدامهم مياه ترعة السلام، وتمنع الحكومة استخدام المياه الجوفية فى الاستزراع السمكى»، معتبراً أن هناك قيوداً كثيرة تفرضها الحكومة على مزارع الاستزراع السمكى دون أن توفر لهم البديل المناسب لتجنب المخالفات، لافتاً إلى أنه فى وقت سابق ضبطت مديرية الزراعة 25 مزرعة بمركز أبوحماد يقوم أصحابها بإطعام الأسماك حيوانات نافقة، وحينها شكلت المديرية لجنة لمعاينة المزارع بعد تلقى بلاغات بالواقعة وتم ضبط الحيوانات النافقة وتحرير محاضر ضد أصحاب المزارع وإحالتهم للنيابة العامة وتم تشكيل لجان لمتابعة المزارع بعد ذلك لرصد أية مخالفات.

عيدروس رزق، تاجر أسماك، أكد أن ارتفاع أسعار الأعلاف أدى لقلة حركة البيع والشراء بعدما لحقت الخسائر بأصحاب المزارع إضافة لتعرض التجار لسرقة سياراتهم على الطرق المؤدية لقرية خالد ابن الوليد الكائنة بها السوق الرئيسية للسمك، مشيراً إلى أن الطرق غير ممهدة ولا يوجد بها نقطة شرطة واحدة، كما تفتقد الدوريات الأمنية، إضافة لعدم وجود كهرباء ما يؤدى إلى تحول الطرق إلى أوكار للمجرمين، فضلاً عن إهمال السوق وتدهور الأوضاع بها على الرغم من أهميتها.

وقال مصدر بمديرية الزراعة بالشرقية، رفض ذكر اسمه، إن المحافظة بها 1287 مزرعة سمكية بإجمالى 25500 فدان موزعة على مختلف الإدارات والمراكز بالمحافظة، موضحاً أن مصادر الإنتاج السمكى فى المحافظة تشمل فروع النيل والترع والمصارف، وتساهم بحوالى 5% من إنتاج المحافظة إضافة إلى الاستزراع السمكى، ويمثل إنتاجه أكثر من 95% من إنتاج المحافظة، لافتاً إلى أنه تم إنشاء المزارع على أراض زراعية، وتم رصد العديد من المزارع المخالفة ومنها ما تم إغلاقه خلال حملات مكبرة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وتحرير محاضر لمن يستخدمون مياه الصرف الصحى أو الحيوانات النافقة بسبب تلوث الأسماك، ومن ثم إصابة الأهالى بالأمراض مثل الفشل الكلوى وغيره.


مواضيع متعلقة