الحرب بالوكالة بين الحكومة والمعارضة
* المشهد السياسى المصرى يتلخص فى كلمتين هما «الحرب بالوكالة»؛ فالحكومة المصرية تدارى فشلها وعجزها السياسى والاقتصادى بالاحتماء بجندى الأمن المركزى البسيط القادم من أعماق القرى والصعيد والمقهور اجتماعياً ومادياً وإنسانياً.
* والنخبة السياسية المعارضة المتمثلة فى جبهة الإنقاذ تدارى فشلها السياسى على أرض الواقع بالاستخدام السياسى وغير الأخلاقى لأطفال الشوارع والبلطجية ليواجه بالمولوتوف جندى الأمن المركزى المسلح بالغاز.. فالجنود يحاربون معارك الآخرين «بالوكالة» باستخدام «الغاز» وأطفال الشوارع والبلطجية يفعلون ذلك بـ«المولوتوف».. دون أن يدرى الجندى أسرار هذه المعارك السياسية المعقدة التى يعتبر وقودها الأول نيابة عن الآخرين.. فإن قتل فى المعركة لن يهتم به أحد.. وإن قتل أو سحل أو جرح آخرين أو أساء معاملتهم تخلى عنه الجميع وشتموه وألقوه فى السجن.. دون أن يجنى من حربه السياسية بالوكالة شيئاً.. فلا هو يتقاضى مرتباً جيداً.. وليست له ساعات عمل محددة.. ولا يعامَل معاملة إنسانية مثل جندى الشرطة الأمريكية أو البريطانية مثلاً.. لكنه يتعلم بـ«الشومة» والعصا ويتعامل بهما مع الآخرين.. ويحشر مع 60 جندياً فى سيارة لا تسع أكثر من ثلاثين.. ويوضع الآلاف منهم فى قطار الصعيد المتهالك رغم أن سعته الحقيقية عُشر هذا الرقم.. فالخلاصة أن هذا الجندى هو نسخة مكررة من «أحمد سبع الليل».
* أما أطفال الشوارع والبلطجية فقد تجمعوا من كل الأقاليم إلى ميادين الثورة بعد أن تركها أبطالها الحقيقيون الذين لم يبيعوا أنفسهم لأحد.. هم جزء من المجتمع المصرى وناتج من نواتج أزماته وفشله.. جاءوا تحت لواء من شرعن لهم حصار المؤسسات واستخدام المولوتوف ثورياً.. ليغسلوا خطاياهم السابقة.. وليتحولوا من الذنب إلى الفخر.. ومن الإجرام إلى شرف الثورة.. ويتحولوا من عصاة إلى ثوار وهم فى الحقيقة كارهون للحكومة وللمجتمع كله الذى ألقاهم فى الشارع.. ومن المكسب الحرام الواضح إلى المكسب الذى ظاهره حلال وباطنه حرام.. وما لهم لا يشرعنون العنف ثورياً والبعض يشرعنه دينياً بالفتاوى الزائفة لقتل المعارضين؟!
* أطفال الشوارع وجندى الأمن المركزى.. كلاهما أصغر مواليد غياب دولة القانون.. هؤلاء ظلمهم كل من أدخلهم معاركهم السياسية.. وكل من ستر فشله السياسى بهم.. وكل من استتر بهؤلاء سينكشف فشله إن عاجلاً أو آجلاً.
* فالحكومة المصرية تعانى التخبط والفشل الاقتصادى، ولم تستطع أن تصل إلى المصرى الفقير والبسيط ولم تخفف من غلواء حياته شيئاً أو تحسن الخدمات الحكومية ولو قليلاً.. ولكنها زادته رهقاً.
* أما قوى المعارضة فقد فشلت سياسياً ومجتمعياً ولم تستطع أن تصل لرجل الشارع أو تتواصل معه أو تعيش قضاياه.. ولم تدرك أهم أسرار نجاح ثورة 25 يناير، وهى: السلمية ورفع شعارات العدالة الاجتماعية.. فإذا بالمعارضة ترفع شعارات سقوط نظام منتخب من عدة أشهر.. وكأن مصر فى ترف من أمرها.. ثم تصدر فشلها السياسى إلى أطفال الشوارع الذين يحاربون عنها فى معاركها بالوكالة.
* جندى الأمن المركزى هو نتاج الأمن الرخيص الذى تتبناه الدولة المصرية، الذى يقوم على الأمية.. وأطفال الشوارع والبلطجية هم نتاج الاهتراء الاجتماعى والأخلاقى والأسرى للمجتمع المصرى.. وعلى كل من يستتر بالجنود أو أطفال الشوارع والبلطجية فى معاركه السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن يخجل من ذلك.
* فمتى يتوقف الفريقان عن تصدير فشلهم إلى الآخرين والاستتار خلفهم والتضحية بهم بدلاً من الإصلاح السياسى والاقتصادى والعمل وتنمية المجتمع؟!