50 عاماً على إعدام سيد قطب

بالأمس مرت الذكرى الخمسون لإعدام سيد قطب (29 أغسطس 1966). وليس ثمة شخصية مارست تأثيراً على فكر المتطرفين، ومخاصمى أنظمة الحكم والمجتمعات، مثل شخصية سيد قطب. والمتأمل لحياته -رحمه الله- يجد نفسه أمام شخصية شديدة التعقيد، مفتاحها تلخصه عبارة «رجل فاقت طموحاته قدراته». مكث حياته يبحث عن تحقيق حلم «العظمة» و«التفوق على الآخرين» الذى غرسته فيه أمه، لكن تركيبته النفسية التى تحتشد بـ«التناقضات»، وشخصيته التى يغلب عليها «الارتباك»، رغم ما كان يبدو عليه من «ثبات خارجى»، عطلاه عن تحقيق ذلك. وفى نهاية الرحلة وجد ضالته فى الشذوذ الفكرى، بحثاً عن الاختلاف، ليس ذلك وفقط، بل قرر أيضاً أن يلعب «لعبة الدم» من أجل «أفكاره»، قناعة منه بأن الفكرة «وجدان» وليست «عقل»، وأن الموت فى سبيل الفكرة سيشعل الوجدان فى اتجاه «التسليم بها»، حتى ولو كان العقل يرفضها. أخيراً حسمت الشخصية رحلة تناقضاتها، وحسمت عجزها عن «التحقق العظيم والفائق» فى الحياة باختيار طريق «الموت»، والجلوس على عرش منصة الإعدام.

مكث سيد قطب فى الحياة ستة عقود، من عام 1906- 1966. وقد ازدحمت هذه الفترة بالعديد من الشخصيات الفكرية والأدبية والسياسية التى جمع بين غالبيتها الأصل القروى، حيث ولدوا ونشأوا وقضوا مرحلة الطفولة وشرخ الشباب فى القرية، ثم انتقلوا إلى المدينة بحثاً عن تحقيق أنفسهم. وقد تفاعلت هذه الشخصيات مع الأحداث التى سادت مصر خلال هذه الفترة، وقدمت العديد من الأفكار التى ساهمت فى تشكيل الوعى المصرى وتحديد مواقف المصريين من العديد من القضايا والأحداث، وما زالت أغلب الأفكار التى أنتجتها هذه الشخصيات تمارس تأثيرها على الواقع المعيش، ومن الوارد أن يمتد تأثيرها فى المستقبل. فى هذا السياق ظهرت شخصية «سيد قطب» كحالة خاصة. فقد أنتج أفكاراً شديدة الخطورة ارتبطت بتركيبته الإنسانية الخاصة وأسلوب تفاعله المختلف مع الأحداث التى عاصرها، بالإضافة إلى تجربته فى السجن خلال الفترة من 1954- 1964، بعد انضمامه إلى جماعة الإخوان، والأثر النفسى العنيف الذى خلفته مقتلة السجن الحربى بداخله. تقلب سيد قطب على محاولات عديدة بحثاً عن عرش يجلس عليه، يماثل العرش الذى كان يجلس عليه طه حسين والعقاد، لم يحالفه نجاح يذكر عندما كتب الشعر والرواية، وعلى العكس حقق نجاحات ملحوظة فى مجال النقد الأدبى، لكنه لم يرض بحظه منه، فقدم نفسه كخطيب لثورة يوليو 1952، وكان من أشد المطالبين بإعدام «خميس والبقرى»، لكن الضباط الأحرار خذلوه ولم يمنحوه عرش فيلسوف الثورة، كما كان يحلم. وأخيراً وجد ضالته فى جماعة الإخوان التى منحته لقب مفكرها ومنظرها الأول، ليسوقوه فى النهاية إلى حبل المشنقة، بعد أن أنتج ألغاماً فكرية ما فتئت تنفجر داخل وخارج مصر منذ السبعينات وحتى الآن.

منح إعدام سيد قطب لهذه الأفكار، التى لا تحمل فى جوهرها وجاهة عقلية، حياة بعد إعدامه، وظهرت -ولم تزل- جماعات عديدة أضفت على أفكاره تلك قدراً كبيراً من القداسة، ومضت تترجمها فى الواقع بحمل السلاح ضد السلطة والمجتمع، غافلين عن السياقات الشخصية والإنسانية والتاريخية والظرفية التى أنتجت فيها. فليرحم الله الجميع.