مساعد وزير الخارجية الأسبق: قرض «النقد الدولى» بداية لحل مشكلاتنا ونحتاج إلى ترشيد الإنفاق

كتب: محمد السعدنى

مساعد وزير الخارجية الأسبق: قرض «النقد الدولى» بداية لحل مشكلاتنا ونحتاج إلى ترشيد الإنفاق

مساعد وزير الخارجية الأسبق: قرض «النقد الدولى» بداية لحل مشكلاتنا ونحتاج إلى ترشيد الإنفاق

أبدى السفير جمالى بيومى، مساعد وزير الخارجية الأسبق أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، تفاؤله حيال مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولى، وقال إن قرض الصندوق سيكون بداية لحل مشكلات الاقتصاد المصرى. أضاف «بيومى» فى حوار لـ«الوطن» أن مصر بحاجة إلى الاستعانة بالتجربة الألمانية عقب الحرب العالمية الثانية، حينما طلبت نقابات العمال الألمانية بضرورة تجميد الأجور ووقف زيادتها، ووقف التعيينات وزيادة ساعات العمل، مشيراً إلى أن مصر بحاجة إلى ترشيد الإنفاق.

■ أثار قرض صندوق النقد الدولى حالة من الجدل.. برأيك هل يستدعى ذلك كل هذه الضجة؟

- أنا متفائل باللجوء للصندوق مجدداً، وأعتقد أن القرض سيكون بداية لحل المشكلات الموجودة فى الاقتصاد المصرى، وتجربتنا مع الصندوق الدولى يُضرب بها المثل، وأتحدى أن يدَّعى أى شخص أن مصر كان لها تجربة سيئة مع صندوق النقد الدولى من قبل، فتجربة مصر مع الصندوق ناجحة، والصندوق ذاته يتباهى أمام العالم بالحكومات المصرية منذ حكومة عاطف صدقى، وأنتظر من يناظرنى ويقول لى فى أى مرة فُرضت على مصر أى شروط وطبقتها دون إرادتها أو على عكس ما يريد الشعب المصرى. {left_qoute_1}

■ معنى ذلك أن تجربة مصر فى فترة حكومة عاطف صدقى كانت جيدة مع الصندوق؟

- نعم.. ولكن دعنا من الماضى، دعنا نشخّص الوقت الحالى، هناك عجز ضخم فى الموازنة العامة، رغم أن الصادرات تألقت فى الفترة الراهنة بعد اتفاقيات التجارة الحرة مع أوروبا وأفريقيا، أى زادت الصادرات من 3 مليارات إلى 13 مليار دولار فى 8 سنوات.

■ إذن أين الأزمة؟

- الأزمة أنه بعد ثورة 25 يناير وقعنا جميعاً فى خطأ الاعتقاد بأنه طالما هناك ثورة فالجميع سيأخذ حقه بالتوازى مع وجود «أموال قارون» بالخارج، أى «لو جبنا أموال قارون اللى فى الخارج و«أموال الحرامية اللى جوه البلد»، وطبقنا الحد الأقصى للأجور ورفعنا الأدنى للأجور» لانتهت أزماتنا، وهذا غير صحيح، وكانت النتيجة تضاعف بند الأجور من 80 إلى 280 مليوناً، وفى هذه الأثناء كان لديك 37 مليار جنيه كاحتياطى نقدى انخفض فى بعض الفترات إلى 13 مليار جنيه قبل أن يتجاوز مجدداً الـ 15 مليار دولار.

{long_qoute_1}

■ وما المطلوب بعد تشخيص الأزمة؟

- «نلم نفسنا»، أى نرشد الإنفاق، حيث إن أكبر بالوعة للإنفاق 3 أبواب، الأول أكثر من 30% للدعم، وثلثى الدعم للوقود، والوقود لا يمكن أن يكون أهم شىء فى حياتنا، يجب أن يخصص الدعم للزيت والعيش والسكر لكن «الوقود ما ينفعش»، وربع آخر لسداد القروض وفوائدها، وربع ثالث للأجور، أى إن هناك 20% فقط من الميزانية متاح أمام الحكومة لاستغلاله. ويجب أن تكون هناك معايير لتخفيض عجز الموازنة وتخفيض الدعم، وللعلم التقيت مرتين بـ«كريستين لاجارد» مدير صندوق النقد الدولى، الأولى كانت فى قبرص وقالت «إننا لسنا ضد الدعم فى مصر ولكن ضد الدعم لغير مستحقيه»، والثانية كانت فى بيروت ورددت نفس الجملة، ووجدتها متحيزة لمصر جداً. {left_qoute_2}

■ وهل تستطيع مصر أن تنفذ هذه الخطة دون مساعدة الصندوق؟

- ما أريد أن يصل للقارئ أن هذه الروشتة ليست فرضاً من الصندوق كما أنها تقرر بديهيات اقتصادية ومنطقية لأى حكومة تسعى لتحسين أوضاعها وتستطيع أى حكومة إذا كان لديها القدرة أن تنفذها بعيداً عن الصندوق لكنها فى هذه الحالة سوف تخسر قيمة القرض البالغة 12 مليار دولار واللازمة لسد الفجوة التمويلية. ولا ننسى أيضاً أن الصندوق هو أكبر بيوت الخبرة العالمية فى السياسات المالية والنقدية، ورأيه إذا توافق مع برنامج الحكومة معناه أن مصر تسير على الطريق الصحيح، أى من باب «ولكن ليطمئن قلبى» بدليل أن أكبر مؤسسة تمويل عالمية تؤيدنى، وهذا جزء من عملها، وإذا ترافق مع ذلك سيطرة الحكومة على ضبط سعر صرف الجنيه فسيتم جذب الاستثمار مرة أخرى والتجارة أيضاً وأخيراً يجب أن نعلم جميعاً أننا فى محنة اقتصادية، وإن لم نقف على أقدامنا «تبقى مصيبة».

■ مصر استقبلت نحو 30 مليار دولار مساعدات ومنح بعد 30 يونيو.. لماذا لم تنفذ هذه الخطة فى هذا التوقيت؟

- ذلك لأن الحكومة آنذاك كانت مصممة على زيادة أجور العاملين.. أنا درست التاريخ الألمانى الاقتصادى، وعندما انهارت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، طلبت نقابات العمال هناك بضرورة تجميد الأجور، أى وقف زيادتها، ووقف التعيينات وزيادة ساعات العمل، العامل هو من طلب ذلك لأنه عاقل ويفهم مصلحته ونحتاج لاستدعاء التجربة الألمانية لإنعاش اقتصادنا.

■ وما حقيقة أزمة المستثمرين فى مصر؟

- قانون الاستثمار لم يغطِّ كل طلباتهم، وإليك مثالاً، مستثمر يريد إنشاء مصنع مواد غذائية ويحتاج إلى أرض مساحتها 500 فدان، إذا أخذها بتسهيلات مثل ما حدث أثناء ولاية وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان دخل السجن، وإذا كانت عن طريق مزاد مثل أحمد المغربى فهو أيضاً سيدخل السجن. البرازيل مثل مصر ولكنها تعطى الأرض للمستثمرين مجاناً إما عن طريق التخصيص، أو حق انتفاع، والمزاج العام للدولة والثقافة السائدة لا تتيح الأراضى للمستثمرين، وهذه الأزمة ظهرت أيضاً فى أزمة جزيرتى تيران وصنافير، فمنذ 1948 ونحن كنا أطفالاً وكنا نقرأ لحلمى سلام رئيس تحرير المصور، حين كتب «مصر تسلمت تيران وصنافير لحمايتها واستخدامها فى العمليات الحربية» الكلام ده مش محتاج وثيقة، والسبب الثانى هو البيروقراطية الضاربة بجذورها فى كل مناحى الحياة بشكل معطل، والثالث آلية «فض المنازعات». جلست مع مستثمر لبنانى مديون فى مصر اقترض 10 ملايين جنيه و5 ملايين دولار، سدد 120 مليون جنيه والقرض لم ينتهِ لأن الفائدة 22% وزيادة أسعار الدولار الذى ارتفع وقتها لـ8 جنيهات بعد أن كان 480 قرشاً، وتم منع سفره من مصر، وعمل تسوية مع أحد البنوك حتى يستطيع الرجوع لبلده مرة أخرى، بزيادة 90 مليون جنيه. والسبب خوف أى مسئول من مخالفة القوانين المتضاربة خوفاً من المساءلة.. هل هذا معقول؟

■ وهل هذه العقبات موجودة فى البلاد النامية مثل مصر؟

- استحالة أن تجد مثل هذه العقبات فى بلد غير مصر.

■ وهل السبب فى تباطؤ الإصلاح الاقتصادى طوال السنوات الماضية ضعف إرادة أم أصحاب مصالح؟

- سنذهب لأبعد شىء وهو غياب الديمقراطية، حيث إن الذين يسيطرون على الحكم هم الفئة الغالبة سواء كانوا رجال الأعمال فى عهد مبارك أو طبقة ضباط الجيش فى عهد عبدالناصر، فكان حكم مبارك جائراً ورجاله «ساقوا فيها» بعد مهزلة انتخابات 2010، قلت لواحد من كبار معاونى جمال مبارك «فيه بلد تعمل انتخابات ما ينجحش حد غيركم.. المفروض حتى لو هذه رغبتكم تستعينوا بمخرج كويس علشان التمثيلية تخرج بشكل أحسن»، فأجابنى «إحنا وصلنا لمستوى إننا مش عاوزين مخرجين عشان كل واحد يمثل زى ما هو عاوز».

■ هل هناك أى تكتلات اقتصادية لم نعطها الاهتمام الكافى لزيادة العلاقات معها؟

- على العكس، مصر فعلت ما لم تفعله أى دولة، بداية من عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر عندما قرر أن يدخل الـ«جات» وكانت بداية للانفتاح الاقتصادى لمصر فى أوائل السبعينات، وهناك إشاعة أن «الجات» تلغى الجمارك ولكن الصحيح أنها توحد النظم الجمركية، واليوم هناك تجربة فى العالم العربى، وهى اتفاق منطقة التجارة الحرة العربية الشاملة، صدر به قرار من القمة العربية عام 1996 وتم توقيعه فى العام التالى، على أن يتم إلغاء الرسوم بعد 10 سنوات، وتم تنفيذها فى 2005. الثغرة الخارجية الوحيدة فى تجارتنا الخارجية هى عدم وجود اتفاقيات تجارة حرة مع أمريكا، و«ضحكوا علينا فى اتفاقية الكويز»، التى رفضتها فى نهاية التسعينات، وقتها طلب السفير الأمريكى مقابلتى لمناقشة الأمر فى عام 1999 لكن رفضت تصوره واعتبرت الاتفاقية «وقحة» لأنها تفرض علينا شرط المكون الإسرائيلى كشرط للتصدير للولايات المتحدة ولا تخدم الصناعة المصرية فى شىء يذكر.

■ فى اعتقادك من وراء «الكويز»؟

- عدد من رجال الأعمال المصريين الذين ضغطوا على رشيد محمد رشيد، الذى وقع الاتفاقية، رأوا أن الاتفاقية فى صالحهم، ومبارك فى إحدى المرات قال لى «رجال الأعمال قالوا لى إن الاتفاقية دى هتفيدنا فقلت لهم أوكى». «ضحكوا على الراجل يعنى»، وأرى أن هذه الثغرة لم ينتبه إليها أى وزير تجارة منذ رشيد محمد رشيد وحتى الآن.

■ وبرأيك عدم انتباههم عن جهل أم تعمد؟

- الاثنان، البعض عن عمد بسبب ضغط بعض أصحاب المصالح حيث لا يتم إجبارهم على استخدام القماش المصرى، والآخر عن جهل.

■ وهل حكومة شريف إسماعيل قادرة على اتخاذ الإصلاحات المطلوبة حالياً؟

- لا، ولكن يجب تطعيمها بوجوه جديدة.


مواضيع متعلقة