«الوطن» تزور أسرة تعانى من ارتفاع الأسعار

كتب: عبدالفتاح فرج

«الوطن» تزور أسرة تعانى من ارتفاع الأسعار

«الوطن» تزور أسرة تعانى من ارتفاع الأسعار

فى الطابق الثالث من إحدى عمارات شارع فايز طه، المتفرع من شارع حضانة السعد، يعيش مهلل عدلى محمد، فى منطقة صفط اللبن بمدينة الجيزة مع أسرته الصغيرة فى شقة منمّقة ونظيفة، مثل عشرات الآلاف من المصريين يتقاضى «مهلل» المولود فى محافظة الأقصر راتباً يتخطى الحد الأدنى للأجور الذى أقرته الحكومة، حيث يبلغ راتبه الشهرى 1500 جنيه مقابل عمله بإحدى شركات القطاع الخاص بمنطقة أبورواش بالجيزة.

يبدأ يومه فى تمام السادسة صباحاً، يستيقظ فى هدوء حتى لا يزعج الأبناء الصغار، وينصرف بسرعة من البيت قاصداً الطريق الدائرى، يسير بخطوات مسرعة أسفل محور صفط اللبن بمسافة تزيد على 2 كيلو متر، ثم يستقل سيارة أجرة نحو محور 26 يوليو ومنه يتجه إلى طريق مصر الإسكندرية الصحراوى ومنه إلى القرية الذكية، ومنها إلى محطته الأخيرة فى أبورواش حيث عمله، وفى رحلة العودة يسلك الرجل نفس المسارات الإجبارية التى اعتاد عليها قبل عودته للبيت فى المساء: «باشتغل من الساعة 8 الصبح لحد الساعة 5 المغرب فى الأيام العادية، لكن ممكن أتأخر لحد الساعة 11 بالليل بسبب تأخر المهندسين فى الشغل، وبامشى كل يوم حوالى 3 كيلو عشان أوفر 6 جنيه تمن أجرة التوك توك، من البيت لحد الطريق الدائرى، لأنى باصرف كل يوم 15 جنيه على المواصلات بس، غير الفطار والغدا».

{long_qoute_1}

يقيم «مهلل» الذى يبلغ من العمر 43 عاما فى شقة مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ وحمام، بعد زواجه منذ 11 عاما، أنجب خلال هذه المدة 3 أبناء، الابن الأكبر اسمه مروان (10 سنوات) تلميذ بالصف الرابع الابتدائى، ومريم (5 سنوات)، وأحمد (7 شهور فقط).

يحدد «مهلل»، صاحب الوجه النحيف القمحى، المبالغ الثابتة التى يدفعها شهرياً: «بادفع إيجار شهرى 550 جنيه، وفاتورة كهرباء بحوالى 70 جنيه، وبيقولوا الشهر الجاى هتزيد الضعف والمياه 75 جنيه، ودرس إنجليزى لمروان بـ150 جنيه، وكتّاب تحفيظ القرآن بـ50 جنيه، وأثناء الدراسة يتم تخصيص 400 جنيه دروس خصوصية له فقط، وحضانة مريم 250 جنيه، واضطررت مؤخراً إلى منع مريم من الذهاب إلى الكتاب لتوفير 50 جنيه، بالإضافة إلى أكثر من 30 جنيه مصروفى الشخصى اليومى، أكل وشرب ومواصلات، يعنى حوالى 700 جنيه فى الشهر، دا غير مصاريف الأكل والشرب بتاعة البيت، لو حسبنا المصاريف دى كلها هتعدى الراتب الشهرى وهتعمل عجز حوالى ألف جنيه كل شهر، عشان كدا مش قادر أدفع الإيجار الشهرى بقالى 7 شهور».

يضيف «مهلل»، بنبرة منخفضة ومملوءة بالحزن: «قبل ثورة يناير كنت شغال فى شركة دعاية وإعلان وكنت باقبض 1100 جنيه، كانوا بيغطوا جميع مصاريفى وبوفر منهم كمان، واشتريت شاشة كبيرة بالقسط، لكن بعد الثورة تبدلت الأحوال للأسوأ وأصبح الراتب ينتهى فى اليوم الثالث من بداية الشهر بعد تسديد الديون الشهرية».

ينظر «مهلل» فى الفراغ ويصمت قليلاً، كأنه يريد أن يتذكر شيئاً أو يحسب أرقاماً: «أنا سالف لحد دلوقتى 800 جنيه ولسه نص الشهر ما خلصشى، وطبعاً فى رمضان ما قدرتش أجيب هدوم جديدة للعيال فى العيد، وعيّدوا بملابس قديمة، وفيه واحد صاحبى قال لى خد فلوس وهات هدوم للعيال، قلت له أنا هكوم عليّا فلوس وخلاص مش مهم العيد دا، مصاريف رمضان كانت كتيرة جداً والأسعار كانت مولعة لكن مش زى دلوقتى، الحكومة بتقول إن الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه، أنا باقبض أكتر منه 300 جنيه، ومش قادر أعيش أنا وعيالى وأنا حسبتها بالورقة والقلم».

يبتسم ابن مدينة الأقصر قائلاً: «لما باتفرج على التليفزيون وأشوف كلام المسئولين وشعاراتهم الرنانة عن حماية محدودى الدخل وعدم المساس بهم باضحك طبعاً، هما مش شاطرين غير فى الكلام وبس لأن اللى بيدفع تمن أى قرار هو المواطن البسيط والوزير والمسئول قاعد فى مكتبه ومرتبه بيزيد، محدش حاسس بينا، الطبقة المتوسطة اتبهدلت وغلاء الأسعار لا يصيب إلا الفقراء».

{long_qoute_2}

تلتقط زوجته زينب عبدالله حسن أطراف الحديث وتقول بصوت متعب: «لو نزلت السوق بـ100 جنيه بتخلص وما بتشتريش حاجة، كيلو الطماطم بـ7 جنيه وكيلو البطاطس بـ5، وكيلو الرز بـ7 وكيلو البامية بـ14 وكيلو اللحمة بـ90 جنيه والفراخ بـ23 جنيه، والزيت بـ11 جنيه... طبعاً الطلبات دى مش هتكفى أكتر من يومين وهتخلص وهنحتاج نشترى أكل تانى، ارتفاع الأسعار زاد عن الحد فى الشهر اللى فات يعنى السكر زاد جنيه ونص عن الشهر اللى فات، والبيض والحاجة اللى بترفع ما بتنزلش تانى».

تضيف السيدة الثلاثينية وهى تحمل رضيعها على كتفها: «لمّا عيالنا بتتعب بنوديهم الصيدلية والصيدلى بيكتب لهم علاج عشان نوفر تمن كشف الدكتور اللى بـ50 جنيه، وابنى مروان لما تعب من شهر رحنا بيه للصيدلية مرة واتنين، لكن لما العلاج ما جابش نتيجة فى الآخر رحنا بيه للدكتور وكتب له على أشعات وتحاليل وعلاج، كان عنده سخونية شديدة، وصرفنا فى الموضوع دا 300 جنيه يعنى تقريباً صرفنا ربع ميزانية الأسرة فى يوم واحد».

تنهض «زينب» من جلستها بالصالة المنمقة والتى تحتوى على أثاث جيد وشاشة تليفزيون كبيرة، وتتوجه إلى المطبخ المواجه للصالة وتشير بيدها نحو البوتاجاز وتقول بانفعال: «البوتاجاز دا عمره أكتر من 10 سنين، من جهاز فرحى، متاكل من جوا ومهرى ومصدى وبيوجّ فيّا، وكل مرة باشغّله بكون خايفة يحصل لى حاجة، خصوصاً أن الغاز الطبيعى متوصل لشقتنا، وطبعاً جوزى دخله ثابت ومش قادرين نجيب بوتاجاز عادى جديد حتى لو بالتقسيط».

تتوقف السيدة الثلاثينية صاحبة الوجه القمحى والنظرات الحزينة عن الكلام قليلاً وتنشغل فى إسكات رضيعها عن البكاء ثم تعاود حديثها قائلة: «الست بتحس بارتفاع الأسعار أكتر من الراجل لأنها هى اللى بتنزل تشترى وتروح السوق على طول، وإحنا بنتسوق الصبح بنفضل نشتكى لبعض من الغلا، زمان كنت ممكن أروح السوق أشترى 4 كيلو طماطم و3 كيلو بطاطس وكيلو بامية و5 كيلو رز و2 كيلو سمك دلوقتى باشترى من كل حاجة كيلو أو نص كيلو، إحنا بناكل لحمة مرة واحدة فى الشهر، ولو أكلنا فراخ مرتين فى الشهر يبقى كويس، أنا بقالى سنتين منزلتش بلدنا فى الأقصر، ومش عارفة أشوف أهلى عشان مصاريف المواصلات وطبعاً لو منزلتش الأيام دى مش هقدر أنزل تانى عشان المدارس». يقاطع «مهلل» زوجته قائلاً بنبرة مرتفعة ممزوجة بالغضب: «بيضحكوا علينا فى التليفزيون والمواطن مطحون من الأسعار ومفيش حد بيحميه، مفيش رقابة، مفيش ضمير، ربنا يرحمنا من اللى إحنا فيه، لسه مصاريف المدارس والدروس الخصوصية والهدوم والعيد الكبير داخل علينا».

يُقسم «مهلل» بصوت مرتفع قائلاً: «والله العظيم أنا بقالى سنين ما اشتريتش أى هدوم جديدة ليّا، والهدوم اللى أنا بالبسها، المهندسين اللى فى الشركة بيعطوها لى والدنيا ماشية كدا هنعمل إيه، المشكلة أنا مش قادر أشتغل شغلانة تانية، مين اللى هيرضى يشغلنى بعد الساعة 6 المغرب، وأنا أصلاً بكون راجع من الشغل خلصان لأنى باركب 5 مواصلات دا غير الـ3 كيلو اللى بمشيهم عشان أوفر أجرة التوك توك اللى هو كان رفع الأجرة من جنيه إلى 6جنيه بحجة ارتفاع سعر قطع الغيار بسبب ارتفاع سعر الدولار، ربنا يرحم الناس الغلابة».


مواضيع متعلقة