مقاهى الإسكندرية: شيشة بطعم «التاريخ»

كتب: حازم الوكيل ومروة مرسى

مقاهى الإسكندرية: شيشة بطعم «التاريخ»

مقاهى الإسكندرية: شيشة بطعم «التاريخ»

«قعدات شبابية فى حضن التاريخ»، أدق وصف يمكن إطلاقه على المقاهى العريقة فى مدينة الإسكندرية، التى ترتبط بشخصيات أو حقب تاريخية، ومنها «الملك فاروق»، و«التجارية»، و«الريحانى»، و«سيد درويش»، فى تلك المقاهى يعيش الشباب أجواءً مختلفة، ويشعرون وكأنهم جزء من التاريخ، فى مقهى «الملك فاروق»، أشهر وأقدم مقهى شعبى تاريخى فى المدينة، تجد تاجاً ملكياً يتصدّر واجهته وصور الملك الشخصية مع أسرته معلقة على الجدران، بخلاف صورة أخرى له وهو يجلس فى المقهى، وهى الصورة التى وضعها صاحب المقهى فى الصدارة لإثبات عراقة المقهى، الذى يمتد عمره إلى 88 عاماً، واختاره «الملك فاروق» ليكون ملاذه فى المدينة الساحلية.

{long_qoute_1}

«لما يكون فى إسكندرية، كان ييجى الصبح يشرب القهوة التركى، ويقعد فى ركن المنصة، ويدخن حجر الشيشة الخاص به»، حكاية يحفظها عمال المقهى عن ظهر قلب، رواها لهم من سبقوهم بالعمل أو أصحاب المقهى، ويُردّدها طارق عبدالجواد، أحد أهالى المنطقة: «بصراحة القهوة عليها شيشة مفيش زيها فى أى قهوة ثانية، ده غير أننا بنتصور جنب صور الملك فاروق، تحس كده أنها قهوة شعبية بنكهة ملكية، بصراحة قعدتها حلوة وجنب البحر، وفى نفس الوقت رخيصة».

فى مقهى «التجارية»، لا يختلف الأمر كثيراً، تأسس المقهى عام 1890 بمنطقة المنشية، أسفل العمارات القديمة، التى شيّدها مهندسون إنجليز، وحصل المقهى على اسمه من التجار الأجانب الذين اعتادوا الجلوس فيه، وعقد الصفقات به، ورغم السنوات الطويلة التى مرّت عليه، فإن أصحابه رفضوا تغيير ديكوره، فما زالت الصور المعلقة على الجدران تحكى تاريخ المقهى، صورة للفنانة شادية مع يحيى شاهين أثناء تصويرهما أحد الأفلام، وأخرى لإنجليز أثناء جلوسهم أمام الواجهة البحرية.

ويقول «عم على»، أقدم عامل بالمقهى، 65 سنة: «إحنا لحد دلوقتى مش بندخّل مشروبات خارجية للمقهى، كل حاجة بنعملها داخل البوفيه، مش بنبيع أى حاجة مقفولة، ولا حتى ميّة معدنية»، بينما يحكى «عم أحمد سلامة»، 60 سنة، أحد رواد المقهى: «عمرى كله قضيته على القهوة دى، لا شُفت بلطجى ولا مسجل ولا حد مشتبه فيه، زبائنها معروفين»، مشيراً إلى أن المقهى لم يحدث به أى تجديدات أو ترميمات منذ القدم، وما زال محتفظاً برخامه وخشبه القديم: «وانت قاعد على التجارية، مش هتحس بجو بارد ولا حر، المكان مافيهوش رطوبة، ودايماً فيه نسمة بتطل عليك من الكورنيش».

أما مقهى «الريحانى»، الذى كان يوماً مسرحاً يحمل اسم الفنان الراحل، قبل هدمه وبناء عمارة سكنية ومقهى يطل على الكورنيش بـ«كامب شيزار»، فيشعر من يجلس فيه بأنه داخل «متحف فنى تاريخى»، حيث يتميز بديكور كلاسيكى قديم، وتنتشر صور نجيب الريحانى على جدرانه، للدلالة على عراقة الماضى، وحسب «طارق محمد»، مدير الكافيتريا، فإن المقهى تم بناؤه على أطلال مسرح نجيب الريحانى، وصاحب المقهى رفض تغيير الاسم أو ملامح المكان، لعشقه الشديد للفنان الراحل: «ملاك المقهى اتفقوا على الحفاظ على الطراز الفنى القديم المميّز للمسرح، وتعاقدوا مع مهندسى ديكور لتصميم مقهى يحمل رائحة الريحانى وفنانى الزمن الجميل، وهو ما دفعهم لإعداد قائمة الطعام والمشروبات على أسماء أفلام الريحانى، ومنها لعبة الست، وغزل البنات، وسى عمر، وأحمر شفايف، وليلة زفاف، وياقوت أفندى، وأبوحلموس».

وبعيداً عن الكورنيش، ينزوى عدد قليل من المثقفين وعاشقى فن سيد دويش، فى مقهى يحمل اسمه فى مسقط رأسه بـ«كوم الدكة»، وهو المقهى الذى يتميز بطابعه المعمارى الأثرى، إذ يرجع عمره إلى 103 سنوات، ويمتلئ بصور سيد درويش وحسب «أحمد الزواوى»، أحد مرتادى المقهى: «كان فى الأصل منزل فنان الشعب، ثم تحول إلى مقهى فى حياته، وكان دائماً ما يعقد اللقاءات المهمة فيه، خصوصاً مع أصدقائه بيرم التونسى، ومحمد عبده عواد، وأم كلثوم».


مواضيع متعلقة