وزير التضامن الأسبق: شروط قبل التفاوض وبعده

كتب: محمود الجمل

وزير التضامن الأسبق: شروط قبل التفاوض وبعده

وزير التضامن الأسبق: شروط قبل التفاوض وبعده

قال الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التضامن والعدالة الاجتماعية الأسبق، إن الحكومة لجأت إلى نفس الدواء المر القديم لمعالجة أزمتها الاقتصادية بالتفاوض مع صندوق النقد الدولى، وصحتنا اعتلّت عليه مثلما حدث فى عام 1991.

وأضاف «عبدالخالق»، فى حوار لـ«الوطن»، أن ترويج الحكومة لأن القرض هو البديل الأوحد خاطئ تماماً، مؤكداً أن الإجراءات التى يطلبها الصندوق ليس لها مسمى آخر غير أنها شروط، وهى ليست طلبات، وتلك أدبيات الصندوق، وفلسفته تفرض الشروط المسبقة.

{long_qoute_1}

وأشار إلى أن الحكومة نفذت الشروط المسبقة التى فرضها الصندوق قبل الجلوس للمفاوضات مثل «ضريبة القيمة المضافة، وتحرير أسعار الطاقة والكهرباء تدريجياً»، محذراً الحكومة من تكرار أحداث يناير 1977 بسبب الغلاء، خاصة مع تآكل شبكة الأمان الاجتماعى بسبب التضخم. واستنكر ما وصفه بـ«انبطاح الحكومة» خلال المفاوضات مع صندوق النقد، قائلاً: «كان ناقص يستقبلوهم بفرقة حسب الله».

■ ما رأيك فى تفاوض الحكومة حالياً للاقتراض من صندوق النقد الدولى؟

- نفس الدواء المر القديم الذى نلجأ إليه كل فترة مثلما تجرّعناه من قبل واعتلّت صحتنا الاقتصادية به أكثر من مرة كان آخرها عام 1991 من تعويم الجنيه أو تخفيض كبير للجنيه وتطبيق الخصخصة، وفقدنا السيطرة على بعض البنوك، ونكرر الأمر ذاته حالياً، وهو شىء مؤسف ومحزن ولا توجد جاهزية فنية لدى الحكومة للجلوس والتفاوض بطريقة آمنة مع بعثة صندوق النقد الدولى، وهذا قرار خاطئ.

■ البعض يؤكد بشكل رسمى وغير رسمى أن صندوق النقد هو البديل الأوحد لحل الأزمة الاقتصادية؟

- غير صحيح، ولا نحتاج شهادة جدارة ائتمانية، ولو حصلنا عليها من الصندوق فلن نحصل عليها سوى بشروط الصندوق فقط، وهى شروط وإجراءات صعبة على الحكومة وعلى المواطن، وليس عدم وجود بديل يعنى أن أسير فى الطريق الخاطئ، ولكن الأفضل أن أتعامل مع المشاكل الاقتصادية الأساسية بدلاً من التعامل مع الأعراض والآثار الناتجة عن المشاكل، فعلى سبيل المثال حدثت أزمة مالية فى ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند وكوريا عام 1997، وقررت إندونيسيا وتايلاند السير فى إجراءات الاقتراض من صندوق النقد الدولى بينما رفضت ماليزيا شروط الصندوق وبدأت فى معالجة مشاكلها الداخلية.

■ هناك جدل كبير حول تسمية المفاوضات مع الصندوق هل هى شروط أم طلبات.. فما التسمية الصحيحة؟

- القضية ليست مسمى طلبات الصندوق أو اعتبارها شروطاً، فعلينا أن ندرس الآثار لكى نحدد المسمى، فلو أطلقنا عليها نية حسنة أو أن الصندوق يتوسل إلينا مثلاً فما هى النتائج وطبيعة الإجراءات، وأدبيات الصندوق الدولى التى تطلق عليها «شروط» صراحة تعنى أنك فى حاجة للقرض وعليك تنفيذ مجموعة من الإجراءات لكى تحصل على هذا القرض، فليس هناك فارق بين كونها طلبات أو مشروطيات الصندوق، ولكن الأهم ما هى طبيعة الإجراءات المقترحة وآثارها على الاقتصاد من تعويم الجنيه أو طلب خصخصة الشركات أو رفع الدعم عن السلع، والأهم من ذلك هل لجوء الحكومة للصندوق سيجعلنا نعبر الأزمة الاقتصادية التى نمر بها. {left_qoute_1}

■ الحكومة تؤكد أن الإجراءات ليست شروطاً وأنها ضرورية للإصلاح الاقتصادى.. ما تعليقك؟

- غير صحيح بالمرة، فطبيعة الإجراءات المطلوب تنفيذها، على سبيل المثال، تخفيض كبير للجنيه لإنهاء وجود سعرين لصرف الجنيه أمام الدولار فى السوق، دون الاقتراب من التجارة الخارجية، والأزمة الحقيقية أننا نعالج مشاكل هيكلية فى الاقتصاد بإجراء نقدى بتخفيض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، والأزمة هنا أن أغلب الصناعات المحلية تعتمد على المكون الأجنبى بصفة أساسية سواء للاستهلاك المحلى أو للتصدير، فعند تخفيض الجنيه ترتفع أسعار المكون الأجنبى المستورد فى السلع فترتفع أسعارها، مما سينتج عنه ضعف التنافسية للصناعات، وقدرتنا على المنافسة ستتآكل وهو ما لا يقبله الصندوق فى كل تخفيض للجنيه أمام الدولار.

■ بعض الخبراء يؤكدون أن تخفيض الجنيه بيئة صحية للمصدّرين والمستثمرىن.. ما رأيك؟

- هى نظرية ثابتة فعلاً، ولكن يكون ذلك بيئة صحية فى حالة اعتماد المصدّرين على نسبة كبيرة من مكونات الإنتاج محلياً وليس استيراد غالبية المكونات من الخارج بالعملة الصعبة.

{long_qoute_2}

■ هل الحكومة بدأت فى تنفيذ شروط الصندوق قبل زيارة البعثة؟

- للأسف الشديد فلسفة عمل صندوق النقد تفرض مجموعة من الشروط المسبقة قبل الجلوس للتفاوض وأخرى بعد إتمام الاتفاق، والحكومة اتخذت عدداً من الإجراءات والقرارات على مدار الشهور الماضية وهى شروط الصندوق المسبقة، منها على سبيل المثال تطبيق قانون القيمة المضافة، ورفع أسعار الكهرباء والمياه، وهناك إجراءات أخرى ستتخذها الحكومة خلال الفترة المقبلة بعد المفاوضات، وهناك أيضاً قرارات وإجراءات ستتخذها الحكومة بعد التوقيع مثل ضريبة الأرباح الرأسمالية على أرباح البورصة على القرض، وسيراقب صندوق النقد الدولى مدى جدية مصر فى تطبيق تلك القرارات لأننا لن نحصل على قرض الـ12 مليار دولار دفعة واحدة، ولكن على عدد من الدفعات، وهناك مراجعة من الصندوق كل 3 شهور، وكلما أثبتت الحكومة جديتها فى تطبيق القرارات والإجراءات حصلت على باقى الدفعات.

■ وما تأثير تلك الإجراءات على المواطن؟

- نحن جربنا فى أحداث يناير 1977، بعد تطبيق بعض شروط الصندوق خرج المواطن ليعبر عن رأيه بوضوح وجعل الحكومة تتراجع فى القرارات، وأخشى أن تكون الآثار الناتجة عن القرض سلبية، وأنا أحذر الحكومة من ذلك.

■ الحكومة تؤكد أنها تحمى المواطن بشبكة أمان اجتماعى.. ما تعليقك؟

- شبكة الأمان الاجتماعى تآكلت مع ارتفاع الأسعار والتضخم، وأكبر دليل على ذلك أن شبكة الأمان الاجتماعى لم تنتشل محافظات الصعيد «أسيوط وسوهاج وقنا» من الفقر وهى الأكثر فقراً فى مصر، وهذا ما أفصح عنه تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الخاص بنسب الفقر بين سكان مصر وقُدّر بنحو 27.8% من السكان، وهو يعنى أن أكثر من ربع سكان مصر لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس.

■ هل ستنجح الحكومة فى إدارة المفاوضات مع بعثة الصندوق؟

- أنا قلق جداً ومنزعج من أسلوب وانبطاح الحكومة فى التعامل مع بعثة صندوق النقد الدولى، والاستقبال الحافل للبعثة فى القاهرة «كان ناقص يستقبلوهم بفرقة حسب الله»، وأكثر ما يقلقنى هو فشل الحكومة سياسياً فى التعامل مع إدارة وبعثة الصندوق وعدم الجاهزية الفنية والنفسية للوزراء، مما يجعله يفرض شروطه بكل ثقة لأن التعامل مع الصندوق عبارة مفاوضات والطرف الأعلى فى المفاوضات سيحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب، وأنا أحذر الحكومة من الانبطاح أكثر من اللازم أمام بعثة الصندوق.

■ ما السبب الرئيسى للأزمة الاقتصادية؟

- سوء إدارة الملف الاقتصادى هو السبب الرئيسى وراء أزمة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وهناك تفريط من جانب الدولة فى ضمان استقرار قيمة الجنيه المصرى، واضطرارنا للاستيراد من الخارج يشكل طلباً مستمراً على العملة الصعبة، بما يصعب من توفرها، وأزمة الدولار هى جزء من الأزمة الاقتصادية وليست أزمة مستقلة بذاتها، والوضع الاقتصادى لمصر شديد الخطورة، وهو وضع غير قابل للاستمرار إلا بتكلفة باهظة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، والمؤشرات كثيرة، لكن أهمها أن معدل نمو الاقتصاد أقل من معدل نمو السكان، وهو ما يعنى تراجع متوسط دخل الفرد واتساع نطاق الفقر ومعدل تضخم أعلى من كل الدول المناظرة لمصر، ومعدل بطالة 12.8% ويصل إلى 30% بين الشباب، وتزايد معدلات الفقر إلى أكثر من 40% من سكان المحروسة وهى أعلى من ذلك كثيراً فى الصعيد، مثلاً نحو 68% فى محافظة أسيوط، علاوة على اتساع عجز الموازنة وتصاعد الدين العام بمعدلات خطيرة وتراجع احتياطى النقد الأجنبى وتدهور قيمة الجنيه المصرى.

■ هل فشل البنك المركزى فى الحفاظ على الجنيه أمام الدولار؟

- الخطأ الأكبر فى أزمة الدولار يتمثل فى إعطاء مسئولية إدارة الأزمة للبنك المركزى، وليس بشكل أوسع لوزارة المالية، ومن الظلم تحميل محافظ البنك المركزى مسئولية الأزمة برمتها، وللأسف الحكومة تُحمّل فشلها فى إدارة أزمة الدولار للمواطنين، وهذا ما أكدته تصريحات المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، الذى حمّل مسئولية أزمة الدولار كاملة للمواطن، وهذا يعنى أن هناك «تخبط شديد».


مواضيع متعلقة