قصر العينى الفرنساوى فى «الإنعاش»

كتب: عبدالفتاح فرج

قصر العينى الفرنساوى فى «الإنعاش»

قصر العينى الفرنساوى فى «الإنعاش»

تنتعش فى محيطه حركة بيع الأدوية والمستلزمات الطبية بالصيدليات والشركات المواجهة، لأن مرضى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، ملاذ الكثيرين من شتى بقاع مصر أملاً فى الشفاء والعلاج، لا يجدون فيه معظم الأدوية والمستلزمات الضرورية لتجاوز محنتهم، فيضطر ذووهم إلى شرائها من الخارج، على الرغم من أن هذا المستشفى يتمتع بوضعية استثمارية عكس باقى المستشفيات الجامعية والحكومية.

{long_qoute_1}

لا يتوقف الأمر على عدم توافر الأدوية والمستلزمات فى «الفرنساوى» ليشكو المرضى ونزلاء «القصر» من سوء الخدمة الطبية، رغم ما يدفعونه ويسددونه من أموال طائلة فى خزينة المستشفى قبل تلقى أى علاج، ومثل المرضى يشكو العاملون والأطباء من مشاكل أخرى، كتأخر صرف الرواتب والحوافز والإضافى، وسوء الوجبات وتهالك الأسرّة والمعدات الطبية، وسوء الغرف وخدماتها، وتراجع الروح المعنوية لديهم.

«الوطن» رصدت أسباب سوء الخدمة الطبية فى «قصر العينى الفرنساوى»، وشكاوى المرضى والعاملين، والأطباء من انهيار المنظومة العلاجية فيه، كما استمعت إلى رد مدير المستشفى الذى أرجع شراء المرضى للأدوية من الخارج إلى عدم توافرها فى المستشفى بسبب أزمة الدولار وتغير سعر الأدوية.

مصطفى محمد (40 سنة)، نجل أحد المرضى المحجوزين، شكا من حالة الإهمال وغياب الرعاية: «لا نظافة ولا رعاية ولا تمريض ولا أدوية فى المستشفى، مفيش أى أدوية فى صيدليته ولا (مفارش) ولا أى اهتمام، حتى أصبح الفرنساوى أسوأ من مستشفيات التأمين الصحى، عايزين فيه يجمعوا فلوس وبس، بينما الخدمة الطبية فى المقابل صفر».

وقالت ريم حمدى (35 سنة)، من القاهرة: «ابنى كان هناك، عنده 3 شهور عامل عملية قلب مفتوح وقعّدوه 12 يوم فى العناية المركزة، كان خارج متبهدل جداً وعنده عدوى جامدة، ولم يتعافَ إلا بعد أن نقلناه إلى مستشفى آخر بعد شهر وفى الآخر دفعنا دم قلبنا على العلاج، فكل ما يهم المستشفيات جمع الفلوس من المرضى». {left_qoute_1}

أدهم سلامة، طفل لم يتجاوز 15 سنة، متسرب من التعليم، ومصاب بكسر فى ساقيه والحوض، بعد سقوطه من أعلى لودر كان يعمل عليه لمساعدة والده فى تدبير نفقات المعيشة، 15 يوماً قضاها الطفل خلف ستارة بلاستيكية فى أحد عنابر الجراحة لا يتحرك له ساكن، قالت أمه: «بعنا اللى ورانا وقدامنا عشان نعالجه هنا، بعد ما قالوا لنا إن العلاج هنا كويس، وإحنا بصراحة بنخاف من المستشفيات الحكومية بسبب الإهمال فيها، خصوصاً أن حالته كانت صعبة قوى، وأبوه راجل أرزقى، بيشتغل اليوم بيومه على باب الله، لكنه فضل أن يعالج ابنه أحسن علاج، عشان الولد عنده إصابات خطيرة، وصرفنا حتى الآن 45 ألفاً على العلاج هنا، وكل حاجة بنشتريها من بره أدوية ومستلزمات ومحاليل مع إننا مدخلينه مستشفى خاص، مفيش رحمه بالغلابة كل حاجه بفلوس».

الشكوى من تراجع الخدمة الطبية، ومن أوضاع المستشفى، لم تقتصر على المرضى، بل امتدت إلى الأطباء المتعاقدين معه، أحد أعضاء هيئة التدريس بطب قصر العينى شكا من تأخر صرف أجره عن الورديات والعمليات التى أجراها فى المستشفى منذ 9 شهور: «المرضى دفعوا فلوس العملية والتأمين وتعافوا وخرجوا وإحنا لم نقبض فلوس العمليات وأجورنا حتى الآن، وتتحجج إدارة المستشفى بأن هناك أزمة مالية، فى الوقت الذى تُحصّل فيه من المرضى الكثير من الأموال، ولا ندرى أين تذهب».

أضاف الطبيب الجراح (الذى طلب عدم ذكر اسمه): «لما أشتغل 8 شهور من غير فلوس مش هتيجى لى نفس أشتغل أو أقدم خدمة طبية متميزة للمريض، ولا يوجد مبرر قوى لتأخير أجورنا كل هذه المدة، فكل العمليات التى أجريناها تُدر دخلاً هائلاً للمستشفى يجرى تحصيله على الفور».

{long_qoute_2}

أحد أطباء الاستقبال والطوارئ (طلب هو الآخر عدم ذكر اسمه) شرح أسباب الأزمة بين الأطباء والإدارة، قائلاً: «أطباء الجراحة العامة هم أكبر تخصص من حيث العدد فى المستشفى، ونظام عمل الأطباء هنا مختلف عن أى مستشفى حكومى آخر، حيث يعتمد على نظام الشيفت 12 ساعة أو 24 ساعة، ويصل أجر الطبيب فى شيفت الـ12 ساعة إلى 220 جنيهاً، والـ24 ساعة إلى 440 جنيهاً، ولا يتحصل أى طبيب هنا على أجر ثابت شهرى، لأنه يعتمد على عدد الورديات والساعات التى يقضيها فى المستشفى، وهو نظام معمول به فى أغلب المستشفيات الخاصة والاستثمارية، لذلك يعمل عدد كبير من أعضاء هيئة تدريس الكلية هنا بهذا النظام، لكن بعد تأخر صرف الأجور اعترض أطباء الجراحة العامة ورفضوا الحضور إلى هنا، وحدث عجز كبير فى عدد الأطباء ما دفع إدارة المستشفى إلى الإعلان عن حاجتها للتعاقد مع تخصصات معينة بنظام الشيفتات لسد العجز».

أضاف الطبيب الشاب: «يصل عدد المعينين فى الكلية سنوياً إلى 220 طالباً يجرى توزيعهم على كل الأقسام ويكون العدد الأكبر منهم فى أقسام الجراحة والأطفال والعظام، وبعد سنة الامتياز يقضى الخريج 3 سنوات كطبيب مقيم أو نائب، بعد أن يقضى عاماً كاملاً دون عمل لحين الانتهاء من أوراق تعيينه فى المستشفى، وحصوله على الدرجة المالية من وزارة التخطيط مثل باقى الوظائف الحكومية الأخرى، ويمكنه الحضور إلى هنا مجاناً لممارسة المهنة وزيادة مهاراته العملية دون مقابل، بالإضافة إلى اقترابه من دوائر صناعة القرار بالكلية، حتى لا يتم استبعاده بحجة عدم الوجود بالمستشفى ومساعدة الأساتذة، وبعد العام الرابع الذى يلى تخرجه، يتسلم عمله بعد توقيع عقد دائم فى الكلية وفى أغلب الأحيان يكون الكثير من هؤلاء المعيدين انتهوا من مناقشة رسالة الماجستير، ويبدأ عمله فى القسم الذى تم تعيينه فيه، وبشكل اختيارى أو إجبارى يضطر للعمل هنا فى المستشفى الفرنساوى، حيث يكون العمل هنا اختيارياً فى الأقسام التى يتوافر فيها عدد كبير من الأطباء وأعضاء هيئة التدريس فيما يكون إجبارياً بالأقسام التى تعانى نقصاً واضحاً فى عدد الأطباء».

تابع: «هل يعقل أن يعمل هؤلاء الأطباء هنا بنظام الشيفتات دون مقابل وبعد الانتهاء من وردياتهم فى قصر العينى القديم، فعندما شكا أطباء الجراحة العامة من تأخر المرتبات، قال لهم مدير المستشفى المفروض أصلاً يعملوا مجاناً وبالإجبار طالما يتقاضون رواتب من القصر القديم، وهم يتبعون كلية الطب وجامعة القاهرة فى النهاية، ومن حقنا أن نطلب منهم العمل فى أى مكان تابع للجامعة، كما قال هنطلع قرار يمنع المدرسين من العمل فى القطاع الخاص إلا بعد 3 سنوات من حصولهم على الدكتوراه، كل هذا فى الوقت الذى يسدد فيه المريض 80 جنيهاً قيمة كشف الطوارئ، و100 جنيه للكشف العادى، و120 جنيهاً للسونار، و60 جنيهاً للأشعة العادية، و450 جنيهاً للأشعة المقطعية، و4 آلاف تأمين حال حجزه، بخلاف نحو 3 آلاف عن كل ليلة يقضيها فى الرعاية المركزة». {left_qoute_2}

أضاف طبيب آخر التقط منه أطراف الحديث: «يتقاضى المعيد فى الكلية 2700 جنيه بداية تعيينه، فيما يتقاضى المدرس المساعد 3500، فيسعى لتحسين دخله من خلال عمله الإضافى فى القصر الفرنساوى، لأنه لا يستطيع العمل خارج المستشفى لقضائه معظم الوقت فى العمل، وعندما اعترض بعض أطباء الجراحة والمعيدين على هذه الأوضاع السيئة تمت إحالتهم إلى التحقيق بتهمة الإضراب، وأوقفوا عن العمل لحين الانتهاء من التحقيقات، وتم إجبار المعيدين والمدرسين على العمل هنا وبمقابل مادى يصرف لهم بعد أكثر من 6 شهور، ولجأت إدارة المستشفى للاعتماد على أطباء الطوارئ وإخصائيين من الخارج بنظام التعاقد على الشيفت أو الساعة، لكن العمليات الجراحية، لا يجريها إلا الاستشاريون أو أساتذة الكلية، وإذا تكلفت العملية مثلاً 4000 جنيه لا يحصل عضو هيئة التدريس منها إلا على 700 جنيه». فى قسم الطوارئ والاستقبال، أكد أحد الأطباء أن المستشفى لا يلتزم باستقبال حالات الطوارئ المصابة، حتى لو كانت (بتموت) فهو لا ينفذ قرار رئيس الوزراء بعلاج حالات الطوارئ والحوادث مجاناً، بحجة أن هناك قسماً آخر للاستقبال والطوارئ فى المستشفى القديم، فيحول الحالات إليه، مضيفاً: «المسعفون لديهم تعليمات بعدم الذهاب إلى مستشفيات القطاع الخاص أو الاستثمارية، منعاً لتوريط المريض فى دفع مبالغ طائلة إلا لو طلب المريض ذلك».

الممرضون والممرضات ليسوا أفضل حالاً من الأطباء، فلديهم شكاوى متعددة، حتى إنهم منذ عدة شهور نظموا وقفة احتجاجية اعتراضاً على تردى أحوالهم وإلغاء البطاقة العلاجية بالمستشفى، وردت عليهم إدارة المستشفى بمنشور يحذرهم من التظاهر ومنعتهم من الوقفة.

إحدى الممرضات قالت: «إحنا اللى فى وش المدفع، بناخد كلام المرضى وأهاليهم فى بطننا ونسكت، والإدارة بتورطنا معاهم، حتى الصيانة داخل المستشفى فيها أزمة، من أسرّة أحياناً تسقط بالمرضى، وهناك أوقات لا يوجد فيها أطباء بالأقسام الداخلية لغياب التنسيق وتأخر الأطباء وعدم صرف مستحقاتهم».

فى الطابق الثامن من المستشفى لا يختلف الوضع كثيراً، إذ يشكو بعض الممرضين الرجال من الأوضاع نفسها، قال أحدهم: «تم إلغاء البطاقة العلاجية للمرضين، وتحويلنا للعلاج فى مستشفى التأمين الصحى فى المقطم، وبعد القرار تم طرد زميلة لنا مصابة بسرطان كانت تعالج بالمستشفى، مع أننا نسدد 10 جنيهات شهرياً للبطاقة العلاجية، ومرتبى 1600 جنيه فقط، أنفق منه على 3 بنات، وأسدد إيجار الشقة، ولما فكرنا نعمل وقفة احتجاجية يناير الماضى، المدير هددنا بالاتصال بالأمن للقبض علينا بحجة تعطيل العمل».

فى المقابل، قال الدكتور نبيل عبدالمقصود، مدير قصر العينى الفرنساوى، إن شراء المواطنين للأدوية من الخارج حقيقى لكنه على نطاق ضيق، حيث يجرى شراء نحو 10% من الأدوية والمستلزمات، مضيفاً: «أسبابه خارجة عن إرادتنا لنقص الأدوية بعد تفاقم أزمة الدولار، فلا يستطيع المستشفى شراءها بالأمر المباشر، فى ظل القوانين واللوائح الحكومية للشراء، أو عن طريق المناقصات والممارسات، فمثلاً عقار الألبومين تغيير سعره بسبب ارتفاع سعر الدولار ولم يعد متوافراً فى السوق، لكنه كان موجوداً بطريقة غير رسمية فى الصيدليات الأخرى».

وتابع: «سبب تأخر صرف الساعات الإضافية للممرضين فى الشهرين الماضيين، هو نهاية السنة المالية، وإغلاق جميع حسابات المستشفى فى 20 مايو، كما أن إضافى الممرضين يحتاج إلى إجراءات مالية تستغرق 15 يوماً قبل إرسالها للصرف، عكس الراتب الشهرى، الذى يصرف فى موعده دون تأخير، ومع ذلك تم صرف الشهرين المتأخرين منذ يومين».

وأوضح «عبدالمقصود» أن عدد العاملين المعينين فى «الفرنساوى» نحو 5 آلاف إدارى، ونحو 1000 طبيب، ويحصل الموظفون على 14 مليون جنيه مرتبات شهرية، والأطباء على 7 ملايين، فى الوقت الذى يتراوح فيه دخل المستشفى بين 25 و27 مليون جنيه، ومن الممكن جداً أن يعمل المستشفى بنصف طاقته الحالية.

وأشار إلى افتتاح أقسام جديدة وشراء أجهزة حديثة لتطوير المستشفى، وتحسين دخله منها أحدث جهاز منظار موجات فوق الصوتية ومتخصص فى اكتشاف واستئصال أورام الجهاز الهضمى وما حوله دون جراحة، وأحدث قسطرة قلب وأوعية دموية طرفية، وتم إدخال خدمة فندقية مميزة وحديثة فى المستشفى للراغبين من المرضى.


مواضيع متعلقة