خبراء علم نفس واجتماع: دراما رمضان تدمر المجتمع وتنشر البلطجة

كتب: أحمد العميد

خبراء علم نفس واجتماع: دراما رمضان تدمر المجتمع وتنشر البلطجة

خبراء علم نفس واجتماع: دراما رمضان تدمر المجتمع وتنشر البلطجة

انتقد خبراء علم نفس واجتماع الدراما الرمضانية التى جاءت مخيبة للآمال فى إصلاح المجتمع وتهذيبه ونشر الثقافة البناءة فى المجتمعات وإعلاء القيم الروحية على المادية، حسب قولهم، محذرين من تجاهل الدولة والرقابة لما يعرض على شاشات التليفزيون، الذى يتحول بمرور السنوات إلى أبواق تشيع الفساد وتشجع البلطجة فى المجتمع، خصوصاً أن هناك نسبة كبيرة من المشاهدين أطفال ومراهقون تصل إلى 60% من إجمالى المجتمع، وهم الأكثر عرضة وتأثراً بالأعمال الفنية.

وأوضح الخبراء أن المسلسلات المعروضة فى رمضان جاءت لتكمل ما يبنيه الفن الهابط الذى يصور القوة فى العنف وليس فى السلام أو الحق، وأن أدوات الجريمة التى عرضتها الأعمال الفنية جاءت بسيطة من أسلحة بيضاء تتنوع أحجامها وفى متناول كل الفئات والأعمال على عكس الدراما الأجنبية التى تحتوى على مشاهد عنف بأدوات تمثلت فى الطائرات والسيارات والأسلحة الثقيلة التى يصعب تقليدها وتقمصها لدى الشباب المشحونين بالغضب فى المناطق العشوائية.

وقالت الدكتورة سوسن فايد، الباحثة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن الدراما والإعلام عليهما مسئولية كبيرة فى تربية المجتمع وتنشئته، والأعمال الفنية التى يتفاعل معها المواطنون تؤثر على المجتمع بشكل مباشر وأساسى، مشيرة إلى أن الدراما الرمضانية هذا العام لم تقدم ما يتطلبه الشهر الكريم من فضائل وقيم روحية عالية، وإنما حثت بعض المسلسلات على العنف وممارسة الأعمال المُجرمة شرعاً وقانوناً من تجارة المخدرات والسلاح وارتكاب الشغب فى المناطق العشوائية، وهى من الأعمال التى تشغل اهتمامات الناس فى الشارع، لأنها تجسد بعض النماذج السيئة فى المجتمع، والجمهور بطبيعة الحال يتأثر بهذه الأعمال.

{long_qoute_1}

وأضافت «فايد» أنه من الأعمال الفنية التى تؤكد على قيم العنف والعدوانية لما تحتويها من مشاهد إجرامية مسلسل «الأسطورة»، بطولة الفنان محمد رمضان، لاحتوائه على مشاهد عنف وأدوات الجريمة المتوافرة فى المناطق الشعبية وتطابق البيئة مع ما يعرضه هذا العمل الفنى، وأنه قائم على فكرة التباهى بالقوة والعنف، لافتة إلى أن هناك دائماً ارتباطاً للقوة بالعنف فى الدراما المصرية، رغم أن هناك قوة للسلام، وقوة الحق، ولكن الأهداف التجارية للأعمال الفنية لا تراعى الصالح العام للوطن والمجتمع والتنشئة المجتمعية السليمة، والفكرة التى تترسخ من هذه الأعمال هى قانون القوة وليس قوة القانون، لأن المعروض لم يؤصل لدولة القانون بل لدولة القوة وهى مسئولية كبيرة على كل أجهزة الدولة وعلى رأسها الأجهزة الرقابية على الفن.

وأوضحت عضو مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن المتلقين لهذه الدراما والمتأثرين بها هم الأطفال والمراهقون وهم الأكثر استقبال وتفاعلاً مع المؤثرات الخارجية، لأنهم يتعرضون لهذه المشاهد باستمرار، منتقدة الدراما الرمضانية التى احتوت على مشاهد تلغى القيم والفضائل، وتُعلى من القيم المادية على المعنوية فى ظل غياب المسئولين عن المجتمع وتنشئته وقيمه.

وتابعت: «الناس المسئولة تجاهلت القيم المعنوية الروحية، وما نراه يحطم قيمنا وتراثنا المنبثق من الدين، وكلنا معترضون على ما يحدث فى الشارع والسلوكيات، فعلاً الأعمال الفنية ومنها فى رمضان قامت بدور سيئ على القيم المعنوية والأخلاقيات فى المجتمع سواء بالتعمد أو الإهمال والتغافل».

وقالت الدكتورة عفاف حسن، رئيس وحدة الإرشاد النفسى بجامعة بنها، إن المسلسلات التى تعرض أعمالاً فنية تحاكى المناطق الشعبية وتروج لفكرة العنف بدعوى معايشة الوقع، إلا أنها من أكبر المخاطر التى تهدد المجتمع، لما فيه من نسبة كبيرة من أطفال ومراهقين يتطلعون لتقليد وتقمص أدوار غريبة عن المشاهد التى اعتادوها، مشيرة إلى أن الأطفال يرتبطون بالتليفزيون بدرجة كبيرة ويقلدون كل شىء مغاير وغريب عن المحيط الذى يعيش فيه مع الأب والأم، فعندما يشاهد سلوكيات منحرفة مثل ما عرض فى دراما رمضان من مسلسل «الأسطورة» أو «الكيف» يقلدها، وهذه الدراما المنحرفة ترسخ لدى الطفل مفهوم القوة بالدم والضرب، خصوصاً أن الطفل بطبيعته يحب القوة.

وأضافت: «بدلاً من أن نزرع فى الطفل مفهوم الثقة بالنفس واتخاذ القرار والذات الإيجابى، أصبحنا نزرع داخله مفهوم أن القوة فى البدن وإيذاء الآخر، فبدأ الأطفال يمسكون السكينة من المطبخ، لكونها أداة يستخدمها البطل فى الأفلام أو المسلسلات التى يشاهدونها»، لافتة إلى أن هناك مسلسلاً اسمه «ابن حلال» كان يحكى فى قصته عن أب عنيف تجاه أولاده فحدث أن قيده أولاده وأحرقوه، وبعد4 أيام فقط من عرض الحلقة وقعت حادثة فى الصعيد عندما قيد شباب من 13 إلى 16 عاماً والدهم وأحرقوه، وهذه الحادثة تدل على تأثير المسلسلات بشكل مباشر على المجتمع.

وأشارت «حسن» إلى أن الكثير من الحوادث تقع على أيدى صبية وأطفال وغالباً تكون بسبب تأثير الأعمال الفنية المنحرفة، وهو ما زاد من عدد الفتيات اللائى يدخن ويرتدين ملابس متحررة ويسلكن سلوكيات منحرفة ويرددن ألفاظاً ومصطلحات هابطة، بسبب مشاهدتهن لهذه الثقافة الغريبة فى الأفلام والمسلسلات.

{long_qoute_2}

وأوضحت رئيس وحدة الإرشاد النفسى بجامعة بنها أن بداية الانحرافات الفنية التى أثرت بالسلب على المجتمع هى مسرحية مدرسة المشاغبين قبل عقود، حيث أثرت بالسلب على التلاميذ والطلاب فى مدارسهم وجامعاتهم فى التعامل مع معلميهم، مشيرة إلى أن نفس السيناريو تم اتباعه فى فيلم «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة»، بخلاف تقليل أهمية الأب والأم واحترامهما، ثم جاءت الدراما الرمضانية لتعرض مشاهد العنف والانحراف داخل المناطق الشعبية وبأدوات سهلة ومتوفرة وهى أسلحة بيضاء وزجاجات مولوتوف، على عكس أفلاك الأكشن والدراما الأجنبية التى تستخدم أدوات يصعب امتلاكها واستخدامها، حيث تكون الدراما ومشاهد الأكشن عبارة عن مطاردة بالطائرات والسيارات والمدافع الكبيرة، وهى غير متوفرة ويصعب تقليدها أو تنفيذها، لكن الدراما المصرية الرمضانية عرضت البلطجة والانحراف السلوكى بأسهل أدوات يمكن للجميع تقمصها وتنفيذها، وهو ما زاد من معدلات الجريمة فى المجتمع.

وقال طه أبوحسين، أستاذ الصحة النفسية بالجامعة الأمريكية، إن مواصفات أى مجتمع لا تخلو من خروقات عنف، لكن الأكثر سوءاً وخطراً أن يكون هناك قائد لتوجيه هذا العنف، مؤكداً أن الدراما الرمضانية هذا العام جاءت مخيبة للآمال لاحتوائها مشاهد سلبية ومشاهد عنف وتجارة للمخدرات والسلاح.

{long_qoute_3}

وأشار إلى أن الطريقة التى تعرض بها المسلسلات ليست عادية لأنها مؤثرة بدرجة كبيرة ولا يمكن أن يكون هذا بمحض الصدفة التى تتمثل فى الاتفاق مع البيزنس والأرباح فقط، مرجحاً أن يكون عرض هذه الدراما والمشاهد مقصوداً من جانب جهات أجنبية تثير وتدمر المجتمع المصرى، لأنها مؤثرة بدرجة كبيرة وكأنها مقصودة ومخطط لها من قبل خبراء.

وأضاف «أبوحسين» أن الهدف من هذه الدراما واضح جداً وهو تحويل مجتمعنا إلى مجتمع عنيف ومعتدٍ تنتشر فيه الجرائم والفساد حتى لا يستطيع النهوض بدولته، متابعاً: «لم نكن فى الماضى نسمع عن الكثير من الأمور والحوادث التى نشاهدها الآن من اشتباكات وسلاح أبيض ومشاهد سهلة التنفيذ بالنسبة للناس البسيطة والفقيرة فى العشوائيات، ما يجعلها تغذية متعمدة وجرعات محسوبة ومقصودة لتحويل المجتمع إلى العنف وشحن الطبقة الجاهزة للانفجار».

وتابع: «مصر بها 500 ألف بلطجى، وفقاً لإحصائيات بعض الدوائر البحثية والأمنية، وعلى الدولة التدخل بشكل مباشر لمعالجة أمراض المجتمع التى تفشت وتولدت من شاشة التليفزيون تحت مسمى الدراما والأكشن، ويجب أن يكون هناك تدخل من الرقابة والدولة بشكل صارم وسريع على تلك الأعمال (مش نروح ندوّر على إعلان فيه إيحاءات جنسية) فالمسلسلات والأعمال الفنية تخاطب التفكير وقاع المخ».


مواضيع متعلقة