ولكن آفة حارتنا النسيان!

يقول نيتشه.. «النسيان لهو أكثر أشكال الغباء انتشاراً».. الحقيقة أننا لم نكن أغبياء بالقدر الكافى! ربما حان الوقت لإعادة قراءة الماضى القريب، الذى نظن أنه ما زال بالأذهان.. حتى إن ظننا أن تذكره أو محاولة التذكير به أمر سخيف.. ولكن يبدو أننا ننسى بسرعة.. أو نتناسى إن أردنا دقة التعبير!

١

وقف المستشار محمود مكى -نائب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت- أمام كاميرات مؤتمره الصحفى الشهير بالقصر، ليصرح بكلمته المأثورة «إن لم نستطع أن نتفاهم فالبقاء للأقوى»!! لقد كانت كلمة السر التى تحرك بعدها الإخوان ليحسموا أمرهم ويطردوا المعتصمين من أمام قصر رئيسهم.. فيما عرف بعدها بأحداث الاتحادية! لقد أنهى مكى المؤتمر بعد أن أخبروه أن هناك من يقول إن المؤتمر ليس إلا للتغطية على ما يحدث أمام بوابات القصر.. أنهاه دون أن يوثق اعتراضه على ما حدث من قتل وتعذيب، لكنه استقال بعدها إعلاناً عن غضبه لنفسه.. لم يفزعه دم المصريين الذى سال بقدر ما أفزعه الاتهام بأنه يغطى على المجزرة بمؤتمره الصحفى.. دون أن يعلم!!

النتيجة كانت دماء سالت ولطخت بوابات الاتحادية.. والأقسى أنها لوثت ذقن مرسى الشائبة.. وأسقطت شرعيته فى نظر الكثيرين!

البعض ينسى.. ولكننى لم أنس بعد!

٢

«أنا رئيس دولة بعد ثورة، يعنى ممكن نضحى بشوية علشان الوطن كله يمشى».. تلك كانت كلمات الذى انتخبه الناس ليصير رئيساً «لكل» المصريين.. الحدث كان مؤتمر المرأة الذى عقد فى مارس ٢٠١٣.. والتصريحات كانت أحد أهم معاول الهدم التى دقها هو بنفسه.. لنفسه! لقد قرر سيادته -أو سادته الذين كانوا فى المقطم إن أردنا الدقة- أن الحمل ثقيل عليه.. فلا مانع أن يتخفف من بعضنا.. ليعيش البعض الآخر.. الطريف أنه لم يحدد لنا وقتها من الذين سيتخلص منهم؟ وعلى أى أساس سيختار؟! ربما إن حاولت تذكير «مرسى» نفسه الآن فلن يتذكر ما قال.. ولكن البعض ما زال يذكر جيداً!

٣

«أسأل الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويجعل يوم 30 يونيو يوم عزة للإسلام والمسلمين، وكسر لشوكة الكافرين والمنافقين.. اللهم إنا نعوذك من شرورهم، اللهم منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم».. ليست الكارثة أن يأتى كل ما سبق على لسان الشيخ محمد عبدالمقصود فى مؤتمر نصرة سوريا الذى أقيم فى استاد القاهرة فى الأسبوع الثانى من شهر يونيو ٢٠١٣.. الكارثة أن يؤمن عليه رئيس الدولة بهز رأسه.. ويردد الحاضرون جميعهم بقوة وحماس «آمين»!! بعض الأحداث لا تحتاج لذاكرة حديدية كى تتذكرها.. فقد انطبعت على قلبك بختم من حديد صدئ!

٤

ثلاثة أعوام على ثورة الثلاثين من يونيو.. ثلاثة أعوام على التخلص من حكم الإخوان.. وصمة العار فى تاريخ هذه الأمة.. لذا فأعتقد أنه قد آن الأوان لنحتفل حقاً! نعم نحتفل.. فالبعض ينسى أن الفعل يتم بمبرراته ومعطياته التى أدت بدورها إلى أن يخرج الأمر بالصورة التى بدا عليها.. وأن الحكم على الحدث يتم بما كان قبله من أحداث.. وليس بما أتى بعده من نتائج ترتبت عليه.. البعض ينسى لأنه كان يعتقد أن ما أتى بعد ٣٠ يونيو كان يفترض أن يكون مثالياً! ينسى أن مبارك قد تركها أنقاض دولة.. وأن الإخوان قد أكملوا إزالة تلك الأنقاض التى كنا نظنها ستحمينا من القيظ والبرد!

٥

يقولون إن آفة حارتنا النسيان.. ولكن يبدو أن هذه الجملة ليست مجرد كلمة فى رواية نجيب محفوظ «أولاد حارتنا».. التى أحدثت الكثير من الجدل، إنما هى اختصار طويل لطريقة تفكير شعب يعيش منذ سبعة آلاف سنة، معتمداً على النسيان كقيمة راسخة فى وجدانه الجمعى.. ربما هى فقط التى ساعدت هذا الشعب على تحمل كل ما أصابه.. وهى التى تجعلهم فى كل مرة يبدأون من جديد!

لقد كانت ثورة يونيو نتيجة حتمية لكل ما سبق.. لقد نزل الشعب لأنه لم يكن أمامه خيار آخر.. ولو عاد بنا الزمن.. لنزل الجميع مرة أخرى! ليس كل ما يمر بنا يصلح أن ننساه.. حتى ولو كانت آفة حارتنا النسيان!

كل ٣٠ يونيو ومصر بخير..!